تلسكوب جيمس ويب الفضائي يرصد أدلة على وجود نجم نيوتروني جديد

4 دقيقة
مزيج من صورة التقطها تلسكوب هابل الفضائي للمستعر الأعظم 1987 أيه والمصدر المضغوط للأرغون. الضوء الأزرق الخافت في الوسط هو الانبعاث من المصدر المضغوط الذي اكتشفه العلماء باستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي. يوجد الحطام النجمي الذي يحتوي على النسبة الأكبر من الكتلة حول مصدر الضوء. "سلسلة اللآلئ" الداخلية اللامعة هي الغاز في الطبقات الخارجية للنجم، الذي أُطلق قبل نحو 20 ألف سنة قبل الانفجار النهائي للمستعر. يصطدم الحطام السريع الحركة الآن بالحلقة، ما يفسر وجود البقع المضيئة. توجد حلقتان خارجيتان خارج الحلقة الداخلية، ويُفترض أنهما تشكّلتا بسبب عملية تشكيل الحلقة الداخلية نفسها. والنجوم اللامعة على يسار الحلقة الداخلية ويمينها لا علاقة لها بالمستعر الأعظم. كاميرا الحقل العريض 3 في تلسكوب هابل الفضائي/مطياف الأشعة تحت الحمراء القريبة في تلسكوب جيمس ويب الفضائي/يوسيفين لارشون

من المحتمل أن علماء الفلك تمكنوا أخيراً من رصد جرم سماوي صعب المنال حاول العلماء رصده مدة 37 عاماً باستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي، وحلوا لغز حدث موت نجمي في الوقت نفسه. اكتشف هؤلاء أكثر دليل معروف رصانة على وجود نجم نيوتروني في بقايا أحد أشهر المستعرات العظمى في الفضاء.

أدّى هذا الانفجار النجمي الهائل إلى تشكّل كمية كبيرة من الحطام لدرجة أن تفحّص بقاياه استغرق عدة سنوات وتطلب استخدام أحد أكثر التلسكوبات الفضائية المطورة فعالية على الإطلاق. فُصّلت النتائج الجديدة في دراسة نُشرت بتاريخ 22 فبراير/شباط 2024 في مجلة ساينس (Science)، وهي تسهم في تقدّم دراسة أحداث الموت السماوية الدراماتيكية.

قال عالم الفيزياء الفلكية في كلية لندن الجامعية والمؤلف المشارك للدراسة، مايك بارلو، في بيان صحفي: "وجود نجم نيوتروني في هذا الحطام هو لغز عجز العلماء عن حله خلال مدة تجاوزت 30 عاماً، ومن المثير أننا تمكنا من حله الآن".

اقرأ أيضاً: شاهد صورة جديدة من تلسكوب جيمس ويب الفضائي لسديم مذهل

ما هي المستعرات العظمى؟

المستعرات العظمى هي انفجارات تموت فيها أضخم النجوم في الكون المعروف. تحدث هذه الانفجارات في النجوم التي تبلغ كتلتها 8-10 أضعاف من كتلة الشمس، ما يعني أن انهيار الغازات والطاقة في هذه النجوم على نفسها قد يستغرق سنوات. يمكن أن تنتهي آخر المراحل الأولية من حدث الموت في غضون ساعات قليلة، لكن سطوع الانفجار يبلغ ذروته عموماً في غضون بضعة أشهر. الأهم من ذلك هو أن المستعرات العظمى تمثّل وسيلة يمكن أن يستخدمها العلماء لدراسة عملية فلكية مهمة للغاية على نحو فوري. تملأ هذه الانفجارات الفضاء بالحديد والسيليكون والكربون والأوكسجين، وهي العناصر التي تتشكّل منها النجوم والكواكب، علاوة على أنها تشكّل الجزيئات التي تشكّل بدورها الكائنات الحية.

نظر الفريق في الدراسة الجديدة في مستعر أعظم يحمل اسم "1987 أيه" (1987A). انفجر هذا المستعر الأعظم المعروف على بعد 160 ألف سنة ضوئية من الأرض في مجرة سحابة ماجلان الكبرى. ورُصد الضوء الناجم عنه في الأرض في فبراير/شباط 1987، بينما وصل سطوعه إلى ذروته في شهر مايو/أيار من العام نفسه. كان هذا أول مستعر أعظم تمكن رؤيته بالعين المجردة منذ مستعر كيبلر الأعظم الذي انفجر في عام 1604.

قال بارلو: "المستعرات العظمى هي المصادر الرئيسية للعناصر الكيميائية التي تسمح بتشّكل الحياة، ما يعني أن تطوير نماذج دقيقة لتوصيفها ضروري. لا يوجد جسم آخر قريب جداً تشكّل حديثاً مثل النجم النيوتروني في المستعر الأعظم 1987 أيه. وسنتمكن من رصده في المستقبل لأن المواد المحيطة به آخذة في التوسّع".


صورة التقطتها كاميرا الأشعة تحت الحمراء القريبة في تلسكوب جيمس ويب في عام 2023 (على اليسار). تحسّس مطياف الدقة المتوسطة في أداة الأشعة تحت الحمراء المتوسطة ضوء الأرغون الوحيد التأيّن (الأرغون 2) (أعلى اليمين). بينما تحسس مطياف الأشعة تحت الحمراء القريبة ضوء الأرغون المتعدد التأين (أسفل اليمين). يبيّن المطيافان إشارة قوية من مركز بقايا المستعر الأعظم، ما دفع الفريق العلمي للاعتقاد بوجود مصدر إشعاع مرتفع الطاقة هناك، وهو نجم نيوتروني على الأرجح. حقوق الصورة: وكالة ناسا، وكالة الفضاء الأوروبية، وكالة الفضاء الكندية، معهد مراصد علوم الفضاء، كلوس فرانسون (جامعة ستوكهولم)، ميكاكو ماتسورا (جامعة كارديف)، مايك بارلو (كلية لندن الجامعية)، باتريك كافانا (جامعة مينوث)، يوسيفين لارشون (المعهد الملكي للتكنولوجيا).

يُعد المستعر الأعظم 1987 أيه أيضاً من المستعرات العظمى ذات الانهيار المركزي، ما يعني أن بقاياه المضغوطة يمكن أن تشكّل نجماً نيوترونياً أو ثقباً أسود. يشير وجود بعض الجسيمات دون الذرية الصغيرة للغاية الصادرة عن المستعر الأعظم، التي تسمى "النيوترينوات"، إلى احتمالية تشكّل نجم نيوتروني في بقايا هذا المستعر الأعظم. مع ذلك، لم يتمكن العلماء خلال الأربعين عاماً تقريباً منذ اكتشاف المستعر 1987 أيه من التحقق إن بقي هذا النجم النيوتروني أو انهار مشكلاً ثقباً أسود. وغطّى الغبار الناجم عن الانفجار هذا النجم.

اقرأ أيضاً: هل ستختفي النجوم فعلاً بعد 18 عاماً؟ وما السبب وراء ذلك؟

كيف تمكن تلسكوب جيمس ويب من تأكيد وجود النجم النيوتروني؟

أُجريت الأرصاد التي اعتمد عليها الباحثون في الدراسة الجديدة بتاريخ 16 يوليو/تموز 2022 بعد تشغيل تلسكوب جيمس ويب مباشرة. استخدم الفريق أدوات هذا التلسكوب، مثل أداة الأشعة تحت الحمراء المتوسطة ومطياف الأشعة تحت الحمراء القريبة، القادرة على رصد المستعر الأعظم بالأطوال الموجية تحت الحمراء بهدف اختراق الغبار. اكتشف هؤلاء أدلة تبين وجود ذرات الأرغون والكبريت الثقيلة التي جُرّدت من إلكترونات طبقتها الخارجية بالقرب من موقع الانفجار. تحمل هذه العملية اسم "التأيّن".

نمذج الباحثون عدة سيناريوهات واكتشفوا أن الذرات ربما تأيّنت بفعل الأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية الصادرة عن نجم نيوتروني ساخن درجة حرارته آخذة في الانخفاض. من المحتمل أيضاً أن التأين نتج عن رياح الجسيمات النسبية (وهي الجسيمات التي طاقتها الحركية تساوي طاقتها السكونية أو تتجاوزها) التي تسارعت بفعل نجم نيوتروني سريع الدوران وتفاعلت مع المواد التي يصدرها المستعر الأعظم.

قال بارلو: "رصدُنا لخطوط انبعاثات الأرغون والكبريت المتأينة الشديدة الصادرة عن مركز السديم المحيط بالمستعر الأعظم 1987 أيه باستخدام مطيافي الأشعة تحت الحمراء المتوسطة والأشعة تحت الحمراء القريبة في تلسكوب جيمس ويب هو دليل مباشر على وجود مصدر مركزي للإشعاع المؤيِّن. لا يمكن أن تتوافق البيانات التي جمعناها إلا مع وجود نجم نيوتروني يصدر الإشعاع المؤيِّن".

تتوافق النتائج الجديدة مع العديد من النظريات حول تشكّل النجوم النيوترونية. تشير النماذج النظرية إلى أن الكبريت والأرغون يُنتجان بكميات كبيرة داخل النجوم المحتضرة قبل تحوّلها إلى مستعرات عظمى مباشرة. تنبّأ العلماء الذين يدرسون المستعر 1987 أيه وغيره من المستعرات العظمى بأن الأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية في بقايا هذه المستعرات العظمى تشير إلى وجود نجم نيوتروني حديث الولادة. والآن، استخدام الأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية هو ما ساعد العلماء على اكتشاف النجم النيوتروني الجديد.

اقرأ أيضاً: أداة جديدة تكشف ألغاز النجوم النيوترونية

قالت عالمة الفيزياء الفلكية في المعهد الملكي للتكنولوجيا في السويد والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، يوسيفين لارشون، في بيان صحفي: "لا يتوقف هذا المستعر الأعظم عن إذهالنا. لم يتوقع أحد أن يُكتشف هذا الجرم المضغوط من خلال رصد خط انبعاث فائق الشدة من الأرغون، لذلك من الطريف أن هذه هي الطريقة التي اكتشفناه وفقها في بيانات تلسكوب جيمس ويب".