برهن تلسكوب جيمس ويب الفضائي مجدداً أنه يمثل مورداً لا ينتهي من الصور الرائعة في عام 2022.
أرسل هذا التلسكوب صورة جديدة باهرة هي واحدة من أولى الصور ذات المجال الواسع متوسط العمق للكون، وهي تترافق مع ورقة بحثية جديدة نُشرت بتاريخ 14 ديسمبر/ كانون الثاني 2022 في مجلة أسترونوميكال جورنال. تحتوي هذه الصورة على منطقة من السماء تحمل اسم القطب السماوي الشمالي، وهي من إنتاج برنامج المناطق خارج المجرية الرئيسية لإعادة التأيّن وعلوم العدسية (أو برنامج بيرلز اختصاراً). يهدف برنامج بيرلز بشكل رئيسي لدراسة "نمو التجمّع المجري أيه جي إن وأول الفوتونات في الكون" باستخدام بيانات تلسكوب جيمس ويب الفضائي.
اقرأ أيضاً: ما تبعات السرعة الهائلة التي يرسل بها تلسكوب جيمس ويب البيانات على العلماء؟
يشير المصطلح "متوسط العمق" إلى أخفت الأجسام التي يمكن رؤيتها في الصورة الجديدة، وهي أخفت بمليار مرة من الأجسام التي يمكن رؤيتها بالعين المجردة. من ناحية أخرى، يشير مصطلح "المجال الواسع" إلى المساحة الكلية من السماء التي سيغطّيها برنامج بيرلز، والتي تبلغ جزءاً من 12 جزءاً من مساحة البدر في السماء.
رصد آلاف المجرات الجديدة
استخدم الباحثون لإنتاج هذه الصورة البيانات التي جمّعها تلسكوب جيمس ويب وتلسكوب هابل الفضائي. تتألف الصورة من 8 ألوان مختلفة من ضوء الأشعة تحت الحمراء القريبة والتي التقطتها كاميرا الأشعة تحت الحمراء القريبة الخاصة بتلسكوب جيمس ويب، كما تمت إضافة 3 ألوان لها من الضوء فوق البنفسجي والضوء المرئي والتي التقطها تلسكوب هابل.
تبيّن هذه الألوان عمق الكون المليء بالمجرات بتفصيل هائل، والتي لم يتمكن تلسكوب هابل أو حتى أقوى وأكبر التلسكوبات الأرضية من رؤية بعض منها من قبل. تحتوي الصورة الجديدة على آلاف المجرات، وسافرت بعض فوتونات الضوء الموجودة فيها مسافة تقترب من 13.5 مليار سنة ضوئية. تظهر هذه النجوم المتنوعة إلى جانب مجموعة من النجوم الموجودة في مجرة درب التبانة، ما يمنحها نمطاً شمولياً.
قال الباحث في علم الفلك في معهد مراصد علوم الفضاء والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، أنتون كوكيمور (Anton Koekemoer)، والذي جمّع صور برنامج بيرلز في فسيفساء كبيرة، في بيان صحفي: "دقة الصورة التي التقطها تلسكوب جيمس ويب مذهلة بحق"، وأضاف: "لإلقاء نظرة على المجرات النادرة للغاية التي تشكلت في المراحل المبكرة من الكون، نحتاج إلى تصوير عميق يغطي مساحة واسعة. وهذا ما يوفره برنامج بيرلز".
اقرأ أيضاً: تلسكوب جيمس ويب يعيد إنشاء صورة «لحفلة نجمية»
تبيّن بعض ومضات الضوء في الصورة الأنواع المختلفة من النجوم التي توجد في مجرة درب التبانة. وهي تعتبر أداة مهمة لفهم ماضي الكون.
قالت الباحثة المساعدة الخريجة في جامعة ولاية أريزونا والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، روزاليا أوبراين (Rosalia O’Brien)، في بيان صحفي: "الضوء المبعثر الذي قمت بقياسه أمام النجوم والمجرات وخلفها له أهمية من الناحية الكونية؛ إذا إنه يحتوي على معلومات عن تاريخ الكون"، وأضافت: "أشعر بأني محظوظة للغاية لأني أبدأ مسيرتي المهنية في هذا الوقت. البيانات التي يجمعها تلسكوب جيمس لا تشبه أي بيانات عرفناها من قبل. وأنا أشعر بحماس شديد بشأن الفرص والتحديات التي توفرها هذه البيانات".
سيتم مزج الأرصاد التي أجرتها كاميرا الأشعة تحت الحمراء القريبة أيضاً مع بيانات أداة أخرى يحملها تلسكوب جيمس ويب، وهي أداة التصوير بالأشعة تحت الحمراء القريبة ومرسمة الطيف عديمة الشقوق. ما سيتيح لفريق التلسكوب البحث عن الأجسام الخافتة باستخدام خطوط الانبعاثات الطيفية، والتي يمكن استخدامها لتقدير بعد هذه الأجسام بدقة أكبر.
تبين الصورة الجديدة جزءاً من مجال رؤية برنامج بيرلز، والذي سيكون أكبر بأربع مرات في النهاية. مع ذلك، فاقت هذه الصورة الضخمة من النجوم توقعات العلماء التي وضعوها بناءً على عمليات المحاكاة التي أنجزوها قبل بدء تلسكوب جيمس ويب بإجراء الأرصاد العلمية وإرسال الصور الرائعة في يوليو/تموز 2021.
هل سيكون الكشف عن المزيد من الأجسام الفضائية قريباً؟
قال الباحث المساعد في جامعة ولاية أريزونا والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، جيك سمرز (Jake Summers)، في بيان صحفي: "هناك العديد من الأجرام السماوية التي لم أعتقد أبداً أننا سنتمكن من رؤيتها، مثل العناقيد الكروية الفردية حول المجرات الإهليلجية البعيدة وعقد مناطق تشكل النجوم التي تقع داخل المجرات الحلزونية وآلاف المجرات الخافتة في الخلفية".
في المستقبل، يأمل فريق برنامج بيرلز أن يرصد المزيد من الأجسام الفضائية في منطقة القطب السماوي الشمالي، مثل توهّجات الضوء المتنوعة حول الثقوب السوداء أو النجوم البعيدة المتفجرة.
قال الباحث في جامعة ولاية أريزونا والباحث الرئيسي في برنامج بيرلز والمؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة، روجيه ويندهورست (Rogier Windhorst)، في بيان صحفي: "تم إنشاء مجال الرؤية الفريد هذا بطريقة تسمح برصده باستخدام تلسكوب ويب طوال العام. لذلك، فإن كلاً من النطاق الزمني الخاص به والمساحة التي يغطيها والعمق الذي يصل إليه لا يمكن إلا أن يتحسن بمرور الوقت".