كانت الأجسام الطائرة المجهولة لعقود من نتاج الخيال العلمي وجماعات نظريات المؤامرة. ولكن بدأ المسؤولون في أعلى المستويات في حكومة الولايات المتحدة النظر بجدية في هذه الظواهر، وغيّروا تسميتها إلى الظواهر الشاذة المجهولة.
أُجريت جلسات الاستماع في مركز الحكومة الأميركية في حي كابيتول هيل في العاصمة الأميركية، وأصدر البنتاغون تقاريره الخاصة، كما شكّلت وكالة ناسا مجموعة عمل خاصة بها، وتبحث هذه الجهات جميعها في أكثر من 100 مشاهدة غير مفسرة حالياً للظواهر الشاذة المجهولة وثَّق أغلبيتها الطيارون العسكريون الذين لاحظوا وجود ظواهر غير مفهومة باستخدام أجهزة الاستشعار التي يستخدمونها. بالإضافة إلى ذلك، شاهد الكثير من المدنيين ظواهر عجزوا عن تفسيرها.
على الرغم من ازدياد رواج هذه الظواهر، يتبيّن في النهاية أن الأغلبية الساحقة من المشاهدات البشرية هي ظواهر قابلة للتفسير تماماً، مع العلم أن بعضها يكون نادراً. يسمع عالم الفيزياء الفلكية في مركز الفيزياء الفلكية التابع لمرصد هارفارد آند سميثسونيان، جوناثان ماكداول، عن هذه المشاهدات جميعها.
ويقول: "أتلقّى الكثير من رسائل البريد الإلكتروني والأسئلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما أتلقى أحياناً المكالمات غير المرتّب لها من أشخاص لا أعرفهم رأوا ظاهرة غريبة في السماء. يتضمّن نحو 90% من هذه المحادثات أسئلة مثل 'هل ما رأيناه هو حطام فضائي؟' وأقول لهم إنه مجرد نيزك لأنه انفجر خلال ثانيتين فقط من دخوله الغلاف الجوي. أو: 'هل هي أجسام طائرة مجهولة؟' وأشرح أنها قد تكون عملية إطلاق [لصاروخ] فالكون 9'. أو 'هل هؤلاء كائنات فضائية؟' وأجاوب ساخراً أن ذلك يعتمد على إذا ما كنت تعتقد أن إيلون ماسك كائن فضائي أم لا'".
لكن السبب الذي يدفع الناس إلى الخلط بين عملية إطلاق صاروخ أو طائرة والظواهر الشاذة المجهولة ليس الجهل أو السذاجة في أغلب الأحيان. بل يتعلق السبب بآلية الإدراك الحسي لدى البشر.
يقول ماكداول: "قدرتنا على تقدير بعد الأجسام منخفضة للغاية في الحالات التي لا نمتلك فيها المعلومات الضرورية". يمكن أن نظن أن حشرة قريبة تتحرك بطريقة غريبة هي جسم أبعد بكثير. كما يمكن أن يبدو الضوء الساطع قريباً على الرغم من أنه ضوء كوكب مثل الزهرة الذي يبعد نحو 56 مليون كيلومتر عن الأرض.
يمكن أن يرتكب المحترفون هذه الأخطاء أيضاً؛ إذ يعتقد هؤلاء أحياناً أن أحد الأقمار الاصطناعية أو إحدى المركبات الفضائية هو كويكب جديد. يقول ماكداول: "تتحرك المركبات الفضائية التي تدور حول الأرض على ارتفاعات كبيرة بسرعة تقارب سرعة دوران الكويكبات حول الشمس. التقطت مسوحات الكويكبات عدة مرات الأجسام التي صنّفها الباحثون مؤقتاً على أنها كويكبات، التي تتحرك بعد ذلك في موقعها، ما يكشف للباحثين أنها ليست كويكبات على الأرجح".
وفقاً لتجربة ماكداول، تنتمي مشاهدات عامة الناس للظواهر التي يعتقدون أنها ظواهر شاذّة مجهولة إلى 3 فئات عادة؛ عمليات إطلاق الصواريخ، والمركبات الفضائية، والأجرام السماوية.
اقرأ أيضاً: ماذا جاء في أول اجتماع علني لوكالة ناسا لمناقشة قضية الأجسام الطائرة؟
عمليات إطلاق الصواريخ
إذا سبق لك أن شاهدت عملية إطلاق صاروخ، مباشرة أو في مقطع فيديو، يمكنك رؤية مسار التكاثف الذي يشكّله الصاروخ بينما ينطلق من منصة الإطلاق إلى السماء. ولكن بمجرد وصول الصاروخ إلى الفضاء، يمكن أن يتشوّه الشكل الخطي المألوف لهذا المسار، ما يخلق مشاهد غريبة للغاية في بعض الأحيان.
يحدث أحد هذه المشاهد بعد نحو دقيقتين من الإطلاق، عندما يتجاوز الصاروخ أخيراً معظم طبقات الغلاف الجوي الأرضي. وفقاً لماكداول، قد يتمدد الدخان الصادر عن عادم الصاروخ مغطياً عدة كيلومترات لأنه أصبح خارج الهواء الكثيف، ما يتسبب بتشكل بعض الأشكال الغريبة التي تشبه الأشكال في المحيط نوعاً ما. يقول ماكداول: "توصف هذه الأشكال عادة بأنها تشبه قناديل البحر. لا يعلم الناس عادة أن هذه الأشكال هي أعمدة دخان صاروخية، ويُبلَّغ عنها غالباً على أنها أجسام طائرة مجهولة".
تحدث ظواهر غريبة أخرى مرتبطة بإطلاق الصواريخ عندما تتوقف الصواريخ عن العمل في الفضاء ثم تعود للعمل. يحدث ذلك بسبب تغيير مدار الصاروخ، أو عندما تخرج الكمية المتبقية من الوقود الدافع بعد إيصال الحمولة.
يقول ماكداول: "يُطلق الصاروخ في هذه الحالة سحابة كبيرة من الغاز تُشكّل بلورات جليدية تعكس ضوء الشمس، ما يتسبب بتشكّل سحب شبيهة بالمذنبات تتحرك عبر السماء". حتى علماء الفلك المحترفون ينخدعون أحياناً بهذه الكتل من الغاز؛ إذ أبلغ بعضهم الاتحاد الفلكي الدولي عنها معتبرين أنها مشاهدات جديدة للمذنبات.
لكن الظاهرة الأكثر إثارة للدهشة المتعلقة بالآثار التي تخلّفها الصواريخ هي الأنماط الهندسية الحلزونية المذهلة في السماء، مثل تلك التي ظهرت في سماء النرويج عام 2009. تبدو هذه الأنماط غير طبيعية بالمطلق للوهلة الأولى. ويقول ماكداول إن المُشاهد قد يظن أنها "ثقب دودي مثل الذي يظهر في مسلسل ستارغيت ينفتح في الفضاء، وأن الكائنات الفضائية تغزو الأرض".
ولكن على الرغم من غرابة هذه الظاهرة، فهي ليست بوابات فضائية، بل إنها تنتج عن الصواريخ التي تدور أو تسقط، التي تُطلق غازاً يشكّل مسارات تكاثف "كما تُطلق رشاشات الحدائق الماء"، حسب تعبير ماكداول. في حالة الظاهرة التي حدثت في سماء النرويج، فهي نتجت عن صاروخ عسكري روسي يناور فوق الغلاف الجوي للأرض.
إذا أردت مشاهدة عمود دخان غريب الشكل يخرج من عادم صاروخ، يجب أن تعرف أن رؤية هذه المشاهد الغريبة تعتمد على الموقع النسبي لعادم الصاروخ والشمس والمراقِب. من المرجح أن تتمكن من أن تشهد هذه الظاهرة عند الفجر أو الغسق، عندما يسود الظلام الأرض وينعكس الضوء عن عادم الصاروخ الذي يحلّق على ارتفاعات عالية.
المركبات الفضائية والأقمار الاصطناعية
هناك فئة أخرى من الأجسام الفضائية الاصطناعية التي يُعتقد خطأً بأنها ظواهر شاذّة مجهولة عادة، وهي قوافل أقمار ستارلينك الاصطناعية، التي "تخيف البشر كثيراً" وفقاً لتجربة ماكداول.
بدأت شركة سبيس إكس بإطلاق أقمار ستارلينك الاصطناعية عام 2019، وهي تُطلق ما بين 22 و60 قمراً اصطناعياً دفعة واحدة لتوفير الإنترنت العريض الحزمة. وفقاً لموقع ماكداول الشخصي لتتبع الأقمار الاصطناعية، تجاوز عدد أقمار ستارلينك الاصطناعية التي أرسلتها هذه الشركة إلى مدارات حول الأرض 4,700 قمر اصطناعي بدءاً من شهر سبتمبر/ أيلول 2023. يستغرق انفصال أقمار ستارلينك الاصطناعية عن بعضها تماماً وانتقالها إلى مداراتها التشغيلية التي يبلغ ارتفاعها نحو 547 كيلومتراً بضعة أسابيع. تعكس هذه الأقمار أشعة الشمس في الأيام الأولى من رحلتها وتشكّل نمطاً هندسياً غريباً في السماء، وهو خط مستقيم طويل وساطع.
يقول ماكداول، مستخدماً التعبير البريطاني الذي يصف أزواج الأطفال الذين يسيرون في صف واحد: "تتحرك هذه الأقمار عبر السماء وفق هذا الخط، مثل قوافل الأطفال الذين يعودون إلى منازلهم من المدرسة. تكون الأقمار قريبة من بعضها بما يكفي لدرجة تمنعنا من رؤيتها على أنها نقاط منفصلة. وحتى لو تمكّنت من ذلك، ستظن حدسياً أنها سفن فضائية لكائنات تغزو الأرض لأنها تتحرك بتناسق عبر السماء وكأنها عدة أجسام مختلفة".
يوصي ماكداول باستخدام موقع الويب "Heavens-above.com" لرؤية أقمار ستارلينك الاصطناعية أو الأقمار الاصطناعية الأخرى في أثناء تحليقها في سماء المنطقة التي تعيش فيها. ويقول: "يعرض لك الموقع أوقات مرور الأقمار الاصطناعية. وإذا نقرت على أحد هذه الأوقات، سيعرض الموقع مخططاً للنجوم يوضّح مسار القمر الاصطناعي عبر السماء كما يُرى من موقعك". لا يعرض هذا الموقع أقمار ستارلينك الاصطناعية افتراضياً لأن عددها كبير للغاية، ولكن يمكنك النقر على أحد الروابط للاطلاع على مجموعة أقمار ستارلينك.
اقرأ أيضاً: في لعبة ناسا الجديدة: كن أنت التلسكوب الذي يبحث عن المادة المظلمة
قد تبدو الأقمار الاصطناعية أو المركبات الفضائية أو قطع الحطام الفضائي التي تدخل الغلاف الجوي مجدداً غريبة جداً أيضاً. مع ذلك، قد لا تتمكن من معرفة ما يحدث بسهولة إذا رأيتها. يقول ماكداول: "هنا يصبح تفسير الظاهرة صعباً، وذلك لأن الأجسام الساطعة التي تنشطر في السماء قد تُفسّر بطريقتين. الأولى هي سقوط نيزك طبيعي، والثانية هي سقوط قطعة من الحطام الفضائي تجاه الأرض".
وفقاً لماكداول، الفرق الرئيسي هو أن النيازك تتحرك عبر السماء بسرعة كبيرة إلى حد ما ثم تختفي. بينما الأقمار الاصطناعية أو قطع الحطام الفضائي الأخرى التي تخرج عن مداراتها تتحطم إلى قطع متعددة وتعبر السماء في أثناء تفككها.
هناك نوع معين من الأجسام التي تدخل الغلاف الجوي مجدداً ويعتقد خطأً أنها من الظواهر الشاذة المجهولة أو النيازك الطبيعية، وهي المركبات الفضائية مثل كرو دراغون (Crew Dragon) من شركة سبيس إكس. يقول ماكداول: "تبدو هذه المركبات وكأنها كرات نارية، مثل النيازك الطبيعية، ولكنها تدوم فترة أطول بكثير. وإذا كانت تتفكك، فهذا فشل كبير في رحلتها عودةً إلى الأرض".
الأجرام السماوية
النوع الأخير من الأجسام التي يسمع ماكداول عادة أن الكثيرين يعتقدون أنها ظواهر شاذة مجهولة هو الأجرام السماوية البعيدة للغاية، مثل كوكب الزهرة. يُقدّر ماكداول أن نحو نصف التقارير المتعلقة بالأجسام الطائرة المجهولة نتجت عن رؤية هذا الكوكب، وذلك قبل أن تنتشر كاميرات السيارات والهواتف المحمولة القادرة على تصوير النيازك والحطام الفضائي وما شابه. يقول ماكداول: "كوكب الزهرة هو الجسم الطائر المجهول التقليدي".
عندما تتحرك السحب العالية الباهتة للغاية ليلاً، يمكن أن تخدع هذه الحركة في الواجهة الإدراك الحسي للبشر. بالنتيجة، يشعر المشاهد بأن الضوء الساطع في الخلفية (الكوكب في هذه الحالة) يتحرّك عبر السماء، في حين أن السحب هي التي تتحرك في الواقع.
يقول ماكداول إن البعض يخلط أيضاً بين المذنّبات والظواهر الشاذة المجهولة أحياناً. من الممكن أن يلفت مذنب نيشيمورا، الذي يصل إلى أقرب نقطة في مداره من الأرض في 12 سبتمبر/ أيلول، انتباه البعض إذا كان ساطعاً بما يكفي ليصبح مرئياً بالعين المجردة.
يقول ماكداول: "الناس ليسوا معتادين على رؤية المذنبات، لذلك قد يعتقدون أنها أجسام طائرة مجهولة إذا لم يعرفوا بأنها ستقترب من الأرض".
على الرغم من أن الناس يعتقدون بسهولة أن العديد من الأجسام المختلفة في السماء هي ظواهر شاذّة مجهولة، يشير ماكداول إلى أن هناك جسماً معروفاً في سماء الليل لا يذكره الأشخاص الذين يتحدّثون معه، وهو محطة الفضاء الدولية.
يقول ماكداول: "ربما سبب ذلك هو أن هذه المحطة لا تمر فوق المنطقة التي تعيش فيها إلّا نادراً نوعاً ما. ولا يبدو أن الأشخاص يعيرونها درجة مماثلة من الاهتمام لسبب ما".
وفقاً لماكداول، إذا رغبت في رؤية محطة الفضاء الدولية أو محطة تيانغونغ الفضائية الصينية في أثناء تحليقهما في السماء، يمكن أن يساعدك موقع "Heavens-above.com" أيضاً على تحديد مساريهما تبعاً لموقعك حتى تراقب السماء في الوقت المناسب. أما إذا أردت رؤية الكواكب أو الأجرام السماوية الأخرى، يوصي ماكداول بالاطلاع على مخططات السماء التفاعلية الموجودة على موقع "skyandtelescope.org".
ويقول: "يمكنك إدخال موقعك والوقت من الليل الذي تريد الرصد فيه، وسيعرض لك الموقع خريطة للسماء مضبوطة خصيصاً وفقاً لما تريد رؤيته. ويمكنك أن تحدد في هذه الخريطة المواقع النسبية للكواكب الساطعة والكوكبات".