ما علاقة حبيبات القمر الزجاجية بتصادم الكويكبات بالأرض؟

ما علاقة حبيبات القمر الزجاجية بتصادم الكويكبات بالأرض؟
القمر، كما يرى فوق مركز كينيدي للفضاء التابع لوكالة ناسا في ولاية فلوريدا. وكالة ناسا/كيم شيفليت
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تربة القمر غنية بكرات زجاجية صغيرة. ووفقاً لدراسة جديدة نشرت بتاريخ 28 سبتمبر/ أيلول 2022 في مجلة ساينس أدفانسيس، تشكّلت هذه الكرات الصغيرة، والتي تدعى الحبيبات الزجاجية، قبل ملايين السنين عندما كانت الكويكبات تصطدم بسطح القمر. 

الحبيبات الزجاجية القمرية

ولكن منشأ هذه الحبيبات القمرية المجهرية، والتي تتراوح أقطارها بين بضع عشرات من الميكرومترات إلى بضعة ميليمترات، لا يتعلق بالقمر فقط، إذ إنها تساعد العلماء في فهم حوادث اصطدام النيازك بكوكب الأرض أيضاً. وجد فريق من الباحثين أن حوادث اصطدام النيازك بالقمر وقعت بنفس الوقت الذي وقعت فيه العديد من أحداث التصادم الأسوأ سمعة في تاريخ الأرض تقريباً، ومن ضمنها الحدث الذي يعتقد العلماء أنه تسبب بانقراض الديناصورات (باستثناء الطيور).

تقول روندا ستراود (Rhonda Stroud)، مديرة معهد باسيك لأبحاث النيازك التابع لجمعة ولاية أريزونا، والتي لم تشارك في الدراسة الجديدة: “يمثّل القمر شاهداً على تاريخ التصادمات الكبيرة التي وقعت في جوارنا في المجموعة الشمسية”. تضيف ستراود قائلةً إن فهم تاريخ التصادمات التي حدثت على الأرض والقمر قد يساعد في زيادة دقة النماذج التي صممها العلماء للتنبّؤ بعدد الكويكبات التي قد تصطدم بالأرض في المستقبل.

تم تجميع الحبيبات الزجاجية الصغيرة موضوع الدراسة مباشرة من القمر. إذ نقلتها مهمة تشانغيه-5 الصينية التي ذهبت إلى القمر والتي قامت باستعادة بعض العينات ليدرسها العلماء في مختبرهم في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2020. تمت مشاركة هذه الصخور القمرية بين الفرق البحثية حول العالم. وبدأ فريق العلماء الدولي الذي ألّف الدراسة الجديدة بتحليل الحبيبات الزجاجية الموجودة في هذه العينات القمرية مباشرة.

اقرأ أيضاً: هل كان الكويكب الذي تسبب بتشكّل الفوهة الأكبر على الأرض أضخم مما كنا نعتقد؟

منشأ حبيبات القمر الزجاجية

تقول كاتارينا ميلكوفيتش (Katarina Miljkovic)، الأستاذة المساعدة في كلية علوم الأرض والكواكب في جامعة كورتن، والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، إن فريق الباحثين استنتج أن هذه الحبيبات تشكّلت قبل 2 مليار إلى بضعة ملايين من السنين. 

تشرح ميلكوفيتش قائلة إنه عندما يصطدم جسم ما مثل كويكب بسطح كوكب، تتسبب الطاقة المتحررة من الاصطدام بقذف المواد المختلفة في الأرجاء. قد تتسبب الطاقة الحركية للاصطدام بارتفاع درجة حرارة بعض هذه المواد في أثناء قذفها. وقد تذوب بعض المواد إذا ارتفعت درجة حرارتها بما يكفي. تقول ميلكوفيتش إنه نتيجة لأن هذه المواد تذوب وتبرد مجدداً في أثناء تحركها، فهي تتصلب وتأخذ شكلاً كروياً ثم تسقط مجدداً إلى السطح كحبيبات زجاجية. 

حلل الباحثون الحبيبات الزجاجية التي تم نقلها من القمر بواسطة مهمة تشانغيه-5 لتحديد عمرها وحجمها وسماتها الأخرى. ودرسوا أيضاً البيانات المتعلقة بفوهات التصادم والتي تم جمعها عن بعد لتحديد حدث التصادم الذي تسبب بتشكّل الحبيبات الزجاجية القمرية التي درسوها. 

The moon’s microscopic glass beads tell the story of asteroids hitting Earth
قد لا تتجاوز أقطار الحبيبات الزجاجية التي تمت دراستها في الورقة الجديدة عشرات الميكرومترات. مركز المسبار الأيويني الدقيق والحساس وعالي الدقة في بكين (مركز شريمب، اختصاراً)، معهد الجيولوجيا، الأكاديمية الصينية للعلوم الجيولوجيّة.

على الرغم من أن الباحثين اكتشفوا أن أعمار الحبيبات والفوهات التي وجدت فيها تمتد على فترة زمنية طويلة، كانت نسبة الحبيبات أكبر في بعض الفترات الزمنية مقارنة بغيرها. تقول ميلكوفيتش: “كانت هناك بعض الذروات في أعمار الحبيبات، أي أن الحبيبات لم تكن موزّعة بالتساوي عبر الفترات الزمنية في تاريخ القمر”. 

اقرأ أيضاً: ما تأثير نجاح مهمة دارت التابعة لوكالة ناسا على مستقبل الدفاع الكوكبي؟

اختلاف أحجام الحبيبات مع الزمن ترتبط بأحداث مختلفة وكبيرة على الأرض

تضيف ميلكوفيتش قائلة إن هذه الذروات تشير لوقوع أحداث تصادم كبيرة. ربما كان هناك عدد كبير من الكويكبات التي تتحرك بجوار الأرض والتي ضربت القمر مرة واحدة. وربما تفتت كويكب كبير قرب القمر وأمطره بوابل من الأحجار. 

لاحظ الفريق أن الذروات تزامنت في أغلب الحالات مع وقوع أحداث تصادم كبيرة على الأرض. على سبيل المثال، تقول ميلكوفيتش إن إحدى الذروات توافقت مع أعمار مجموعة كبيرة من النيازك التي وجدت بقاياها على كوكب الأرض. 

تقول ميلكوفيتش: “القمر هو تابع للأرض، ومن وجهة نظر فلكية، فهو يعتبر قريباً منها نسبياً. يحتل كل من القمر والأرض نفس الحجم في المجموعة الشمسية تقريباً”. لذلك، إذا كانت هناك مجموعة من الصخور الفضائية المتوجهة إلى الأرض، فمن المنطقي أن الأرض والقمر سيتعرضان للتصادمات بنفس الوقت تقريباً.

مع ذلك، تكمن المشكلة في أن الأرض لا تحتفظ بسجل واضح لأحداث التصادمات. وفقاً لستراود، يعود ذلك لأن كوكب الأرض، على عكس القمر، يخضع لعمليتي التعرية والتجوية وعمليات كوكبية أخرى تتسبب بدفن الفوهات والحبيبات الزجاجية الناجمة عن التصادمات والأدلة الأخرى. تقول ستراود: “تُغطى الأرض أيضاً بالمحيطات والأشجار والتربة والمدن”، وتضيف: “لا تزال الكثير من الفوهات مخفية. يستغرق اكتشاف الفوهات زمناً طويلاً، وهناك الكثير من العلامات التي تشير إلى وجودها والتي اختفت”.

اقرأ أيضاً: ماذا يحدث عندما تتصادم مجرتان؟

في الوقت نفسه، تنتشر الأدلة على وقوع أحداث التصادم في سطح القمر على شكل فوهات وحبيبات زجاجية. لذلك، يعتبر سطح القمر أداة تفيد الباحثين في كشف تاريخ الأرض.

أحد أشهر مواقع التصادمات على الأرض هو فوهة تشيكسكولوب في شبه جزيرة يوكاتان في المكسيك. يعتقد أن هذه الفوهة التي يبلغ قطرها نحو 9.6 كيلومتر تشكّلت نتيجة اصطدام أحد الكويكبات قبل نحو 66 مليون سنة، ما تسبب بحدث انقراض جماعي قتل الديناصورات غير الطيريّة. 

وجد مؤلفو الدراسة الجديدة أن إحدى الذروات في بيانات التصادمات القمرية تتوافق مع الوقت الذي وقع فيه هذا الحدث. تقول ميلكوفيتش: “ما بيّناه هو أن عمر الحبيبات الزجاجية يتوافق مع توقيت أحداث التصادم”. من المحتمل أن الكويكب الذي قضى على الديناصورات كان مترافقاً بكويكبات أخرى عندما ضرب النظام الأرضي القمري، وأن هذه الكويكبات اصطدمت بسطح القمر.

ما حدث على القمر في ذلك الوقت لا يمثل الأدلة الوحيدة التي تبين وقوع عدة أحداث تصادم في هذا النظام قبل نحو 66 مليون عام. في شهر أغسطس/ آب 2022، وصف فريق من الباحثين في ورقة نشرت في مجلة ساينس أدفانسيس ما قد يكون فوهة ناتجة عن حدث تصادم آخر على الأرض وقع بنفس الوقت قبالة سواحل قارة إفريقيا. إذا تم تأكيد وقوع هذا الحدث، فقد يدعم وجود هذه الفوهة الفكرة التي تنص على أن كويكباً كبيراً تفتت إلى عدة قطع اصطدمت بالأرض والقمر في نهاية العصر الطباشيري.

اقرأ أيضاً: في خطوة جديدة لحرف مسار الكويكبات التي تشكل تهديداً للأرض: نجاح اصطدام المركبة دارت بكويكب

تحذّر ستراود قائلة إن محاولة ربط الفوهات القمرية بأحداث التصادم الأرضية ليس سهلاً. إذ تقول: إن هذا المجال البحثي “مثير للاهتمام وواعد”، لكن “الروابط بين الفوهات القمرية والأرض لا تزال تخمينية”. تقول ستراود أيضاً إن الدليل الدامغ سيتمثّل في قدرتنا على مطابقة تركيب المواد الناجمة عن التصادم وأعمارها في الأرض والقمر. ولكن على الرغم من أن مؤلفي الدراسة الجديدة لا يستطيعون الربط بين الفوهات القمرية والأرضية، تقول ستراود إن هذا البحث “يبيّن الإمكانات الكبيرة لمشاريع استعادة العينات المخطط لها بشكل جيد”، والتي تساعدنا على فهم التاريخ الجيولوجي لهذه العينات. 

تقول ميلكوفيتش: “ربما سنكتشف شيئاً مهماً في هذا السياق”، وتضيف: “كل ما يمكننا فعله هو فحص الأدلة وتقدير احتمالية وقوع حدث ما. وهذه هي التفسيرات التي ستكون رائعة لو صحّت”.