ما أهمية حماية مناطق التراث الثقافي البشري خارج الأرض؟

ما أهمية حماية مناطق التراث الثقافي البشري خارج الأرض؟
يمكن الحفاظ على أول رحلة إلى سطح القمر قام بها باز ألدرين ونيل أرمسترونغ بوصفها موقعاً تراثياً. ناسا
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قرر البشر أن ثمة مناطق على الأرض تستحق الإنقاذ. سواء كانت أهرامات الجيزة أو ساحات المعارك في مدينة غيتيسبورغ الأميركية، فإن المواقع التي تجسّد تراث البشر الثقافي محمية بأطر عمل قانونية.

لكن التاريخ البشري لا يقتصر على كوكب الأرض. ففي عام 1969، أصبح رائد الفضاء نيل آرمسترونغ أول إنسان يمشي على القمر ويترك آثار قدميه عليه. ينظر البعض إلى آثار الأقدام هذه على أنها مماثلة لأي موقع أثري على الأرض، لكنها لا تتمتع بالحماية التي تتمتع بها هذه المواقع. يمكن أن تبقى آثار أقدام رواد الفضاء الأوائل على القمر مليون سنة إذا لم تتعرض للإزالة. يعني تجدّد الاهتمام بالقمر أن سطح هذا الكوكب التابع على وشك أن يصبح أكثر ازدحاماً من أي وقت مضى. لا يوجد قانون يحمي آثار الأقدام أو المواقع الشبيهة من أن تمشي فوقها المركبات القمرية الجوالة أو رواد الفضاء الذين يجرون رحلات على القمر في سبيل المتعة.

تقول محامية الفضاء والمؤسسة المشاركة لمؤسسة فور أول مونكايند (For All Moonkind) غير الربحية، ميشيل هانلون: “يخطط البشر لإجراء 4 أو 5 مهمات فضائية قمرية في عام 2023 فقط. ولا تقتصر هذه المهمات على الدول، بل تخطط الشركات الخاصة لإجرائها أيضاً”. على الرغم من أن بعض المهمات القمرية المستقبلية سيقتصر على الطيران بالقرب من القمر فقط، ستهبط مهمات أخرى على سطحه.

ضرورة وجود قوانين فضائية

تشكّل الاستجابة لإطلاق هذه المهمات الفضائية سباقاً مع الزمن إلى حد ما، وبدأت هانلون بالفعل اتخاذ بعض الخطوات؛ إذ أعلنت في اجتماع اللجنة الفرعية القانونية التابعة للجنة الأمم المتحدة لاستخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية، كوبوس (COPUOS)، الذي عُقد بتاريخ 27 مارس/ آذار 2023 عن إنشاء معهد قانون الفضاء وأخلاقياته التابع لمؤسسة فور أول مونكايند. لن يقتصر عمل هذه المؤسسة غير الربحية الجديدة على الدعوة إلى حماية مواقع التراث التي تقع خارج الأرض، بل ستبحث أيضاً في الجوانب الأخلاقية لبعض النشاطات الفضائية التي لا يغطيها القانون الدولي الحالي بالكامل.

يحتوي القمر أيضاً على آثار أقدام رائد الفضاء باز ألدرن (Buzz Aldrin). وكالة ناسا
يحتوي القمر أيضاً على آثار أقدام رائد الفضاء باز ألدرن (Buzz Aldrin). وكالة ناسا

ثمة سوابق قضائية للقوانين المتعلقة بالقمر. تنظّم معاهدة الفضاء الخارجي التي أُبرمت في عام 1967 الأنشطة في الفضاء الخارجي وتفرض قيوداً مهمة؛ إذ إنها تحظر جميع الاستخدامات غير السلمية للقمر، وتمنع الدول من السيطرة على الأراضي على هذا التابع أو أي جرم سماوي آخر.

معاهدة الفضاء الخارجي

وفقاً لمحامي الفضاء في مؤسسة سيكيور وورلد غير الربحية (Secure World Foundation) المختصة في مسائل استدامة الفضاء، كريستوفر جونسون (Christopher Johnson)، تُعتبر معاهدة الفضاء الخارجي غامضة للغاية. يمكن للدول استخدام الموارد في القمر ولكن لا يحق لها أن تستملكها. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على الدول أن تولي “الاعتبار الواجب” للدول والشركات الأخرى وتتجنّب “التلويث الضار” للبيئة الخارج أرضية.

مع ذلك، لم تُطبّق هذه المبادئ العامة لحل المشكلات العملية على الإطلاق. يقول جونسون: “ندرك تدريجياً أن هذه المعاهدة تتألف من بعض الإرشادات العامة التي تشبه الإرشادات التي تنص على أننا يجب أن نتصرف بلطف مع جيراننا أو ننتبه للقواعد المطبقة في ظروف معينة ونظهر الاحترام للآخرين”.

اقرأ أيضاً: ماذا لو انتقلت ساحة الحرب إلى الفضاء؟

يقول جونسون إننا لن نتمكن من ضمان أن تتبع الدول هذه القواعد لأنها لم تخضع للاختبار من قبل. لكن اختبار هذه القواعد على وشك أن يبدأ؛ إذ تخطط الهند وروسيا لإطلاق مهمتي تشاندرايان 3 ولونا 25 غير المأهولتين إلى سطح القمر في صيف عام 2023، تسعى أيضاً شركة سبيس إكس (SpaceX) لنقل عميل ملياردير عبر القمر في مركبة من سلسلة ستارشيب (Starship) بحلول نهاية عام 2023.

أسست هانلون مؤسسة فور أول مونكايند في عام 2017 نتيجة قلقلها حول ازدياد النشاط البشري على القمر وحوله، وهذه المؤسسة تطوعية بالكامل ومكرسة للضغط في سبيل فرض حماية مناطق التراث الثقافي على القمر والأجرام السماوية الأخرى قانونياً. تتضمن هذه المناطق مواقع هبوط مهمات برنامج أبولو والمركبات القمرية الهابطة التي خلفها الاتحاد السوفيتي. يمكن أن تشمل هذه الحماية القانونية في النهاية العجائب الطبيعية مثل بركان أوليمبوس مونز (Olympus Mons) في كوكب المريخ، وهو أكبر بركان في المجموعة الشمسية.

كتيّب السياسات القمرية

أصدرت مؤسستا سيكيور وورلد وفور أول مونكايند وثيقة تحمل اسم كتيّب السياسات القمرية ووزعتاها في اجتماع الأمم المتحدة في مدينة فيينا خلال الإعلان الذي أجرته مؤسسة فور أول مونكايند في نهاية شهر مارس/ آذار 2023. المؤسستان هما من المؤسسات المراقِبة الرسمية في اجتماع كوبوس، ويسمح لهما بحضور جميع الاجتماعات.

قاد رواد الفضاء مركبة فضائية على سطح القمر خلال مهمة أبولو 15. وكالة ناسا
قاد رواد الفضاء مركبة فضائية على سطح القمر خلال مهمة أبولو 15. وكالة ناسا

يعكس كل من تأسيس المعهد الجديد وإصدار الكتيب السابق الذكر الاهتمام الحديث العهد الذي يبديه صانعو السياسات ومحامو الفضاء والشركات الخاصة تجاه صياغة قواعد أوضح تحكم ممارسات البشر الفعلية على القمر عند وجود أكثر من طرف واحد في الوقت نفسه تقريباً فيه. يقول جونسون إن على صانعي السياسات التعامل مع هذه المسائل بحذر، وإن عليهم التفكير في السوابق القضائية التي يمكن أن تحددها الإجراءات التي قد لا تتعارض بالضرورة مع القانون الدولي ولكنها قد لا تكون جيدة.

تقول هانلون: “هذا هو السبب الذي دفعنا لتأسيس معهد قانون الفضاء وأخلاقياته، وذلك لأن ثمة أشخاصاً يريدون معرفة معنى الممارسات المسؤولة. تكمن المشكلة في أننا لا نمتلك مخطط عمل يبين الممارسات المسؤولة”.

الممارسات المسؤولة غير واضحة

يشير جونسون إلى تحطّم مركبة بيريشيت (Beresheet) على سطح القمر عام 2019 مثالاً. أرسل المسؤولون في المؤسسة غير الربحية آرك ميشن فاونديشن (Arch Mission Foundation) مجموعة من حيوانات بطيئة المشية (tardigrades)، أو دببة الماء (water bears)، مجففة بالتجميد في الحمولة دون علم الأطراف الأخرى في المهمة. تتميز بطيئات المشية بقوة تحمّل كبيرة وهي معروفة بأنها قادرة على البقاء في الفضاء، لذا يمكن أن يمثّل وصولها إلى سطح القمر أحد أشكال التلوث الحيوي. ولكن يشير بعض أبحاث المتابعة إلى أن هذه الكائنات المجهرية لم تنجُ من الاصطدام العنيف.

يقول جونسون: “لا يبدو أن تهريب بطيئات المشية إلى القمر ينتهك بوضوح أي قانون دولي يمكنني ذكره. يمكن استخدام المبادئ الأخلاقية لملء الفجوات القانونية مثل هذه؛ إذ إنها تحثنا على التساؤل: هل هذه فكرة جيدة؟”.

وفقاً لهانلون، يمكن من ناحية أخرى تأويل حماية مواقع التراث الثقافي مثل مواقع هبوط مهمات أبولو على أنها انتهاك للقاعدة التي تمنع السيطرة على الأراضي في الفضاء. تقول هانلون إن هذا هو السبب الذي يدفع مؤسسة فور أول مونكايند للانخراط في المناقشات المتعلقة بأخلاقيات النشاطات القمرية بشكل عام.  يكمن الأمل في أنه إذا تمكنت دول العالم من الاتفاق على أن القمر يحتوي على مناطق تراث ثقافي مشترك مهمة، فقد يؤدي ذلك إلى تأسيس علاقات سلمية أكثر بين الأطراف الرئيسية في سباق الفضاء الحالي.

اقرأ أيضاً: ما هو مصير رائد الفضاء إذا توفي بعيداً عن كوكب الأرض؟

تقول هانلون: “الهدف النهائي هو إبرام معاهدة جديدة تعترف بالتراث الثقافي خارج الأرض، وليس إجراء تعديل على معاهدة الفضاء الخارجي. ستستغرق الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وقتاً طويلاً حتى تتفق على أي مسألة، وخاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية. ولكننا نعتقد أن التوافق يمكن أن يبدأ عند هذا التراث، لأنه يقرب بعضنا من بعض بطريقة ما”.

أو كما قال الرئيس الأميركي، ليندون جونسون (Lyndon Johnson)، عند توقيع معاهدة الفضاء الخارجي: “سنلتقي يوماً ما على سطح القمر كأخوة وليس كمحاربين”.