وصلت مجموعة المراصد الراديوية الأوروبية الآن إلى محطة رئيسية في سعيها لرسم صورة راديوية للسماء ليلاً- ويمكنك اكتشاف المعالم البارزة لهذه الخريطة الكونية المذهلة بنفسك.
نشر فريق العلماء الذين يعملون على التلسكوب الراديوي منخفض التردد في أوروبا، (LOFAR) اختصاراً، عرضاً عاماً لحزمة بيانات جديدة متاحة مجاناً وتغطي 27% من السماء الشمالية. ستكون البيانات مفيدة للباحثين الذين يدرسون مجالات مختلفة مثل نشوء المجرات والثقوب السوداء والكواكب الخارجية وأنواع معينة من النجوم. وينظر هؤلاء الباحثون أيضاً في إشراك غير الخبراء، إذ أنهم بحاجة إلى مساعدتك لاكتشاف عجائب الكون في كل تلك الصور.
اقرأ أيضاً: تلسكوب «جيمس ويب» الفضائي سيتمكّن قريباً من البحث عن أول الفوتونات في الكون
تلسكوب لوفار
يستشعر تلسكوب «لوفار» موجات الراديو، على عكس التلسكوبات الأخرى التي تستشعر الضوء المرئي مثل تلسكوب هابل الفضائي التابع لناسا. ويستهدف التلسكوب الضوء المنخفض التردد أيضاً مقارنةً بمعظم التلسكوبات الراديوية الأخرى. يقول تيموثي شيمويل، عالم الفلك في المعهد الهولندي لعلم الفلك الراديوي (ASTRON)، والذي يدير تلسكوب لوفار: «سيرسم لوفار خريطة السماء الشمالية بأكملها بدقة جيدة جداً».
يقول جو كالينغهام، عالم الفلك الراديوي في جامعة لايدن، والذي ساهم في مشروع مصفوفة لوفار وسيستخدم بياناته في بحثه: «الخريطة مفصلة بشكل لا يصدق بالفعل. مع وجود أكثر من 4 ملايين مصدر لموجات الراديو، معظمها مجرات، فإن هذا الإصدار من البيانات يحتوي على مصادر للراديو أكثر من أي مسح آخر أجري للسماء بأكملها».
التلسكوب هو في الأساس هوائيٌ كبير مكونٌ من هوائياتٍ أصغر منتشرة عبر أوروبا. لا تبدو معدات التلسكوب متطورة. يقول شمويل إن المعدات التي تستشعر الترددات المنخفضة هي حرفياً «عصي في الأرض تتدلى منها بعض الأسلاك». وفي الوقت نفسه، فإن الآلة التي تكتشف الترددات الأعلى هي في الأساس "صندوق ستايروفوم كبير بداخله هوائي على شكل ربطة عنق". كلاهما غير مكلف نسبياً مقارنة ببناء مجموعة من أطباق الراديو العملاقة مثل العديد من التلسكوبات الأخرى. ويقول شيمويل إن الأدمغة الحقيقية لمصفوفة لوفار تقوم بالمعالجة اللاحقة، ويضيف: «إنه يشبه تلسكوباً برمجياً تقريباً».
نشر الفريق هذه التصور المرئي الذي يظهر مصادر الراديو من خرائط السماء الجديدة كخريطة تفاعلية ثلاثية الأبعاد. للتحقق منها، انقر أولاً على الرابط، وانتظر بعض الوقت، فقد يستغرق تحميل الخريطة بضع دقائق قبل أن تظهر.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن لعلم آثار الفضاء نقل إرث رواد الفضاء للأجيال القادمة؟
تجربة خيالية نحو مجرات أخرى
عند فتح رابط الخريطة، سترى على أرضيتها شكلاً دائرياً غير مجسم يعبر عن الأرض، حيث وُضعت الهوائيات الموجودة في هولندا. تمثل مخاريط البقع المضيئة مجال رؤية التلسكوب، وهي المناطق من السماء التي مسحها بالفعل. البقع المضيئة هي في الغالب مجرات قام التلسكوب بتصويرها.
يمكنك تدوير العرض في أي اتجاه عن طريق الضغط باستمرار على زر الماوس الأيسر وتحريك الماوس (أو الضغط على زر "تبديل التدوير" (Toggle rotation) الموجود في الجزء العلوي الأيسر من الشاشة لاستعراض الخريطة بزاوية 360 درجة). يمكنك أيضاً التحريك لليسار ولليمين ولأعلى ولأسفل من خلال النقر باستمرار على زر الماوس الأيسر وتحريك الماوس، والتكبير والتصغير من خلال التمرير للتعرف على ما يحدث في منطقتنا المجرية. يمكنك أن ترى من زوايا معينة كيف تزداد أو تقل كثافة المجرات في بعض المناطق.
مثل الأبراج التي تراها عندما تنظر إلى سماء الليل، يرى لوفار مصادر الراديو وكأنها موزعة على قطعة قماش مسطحة. لكن النجوم والمجرات التي تم رصدها تنتشر في الواقع في بيئة ثلاثية الأبعاد، فقد يبدو جسمان فضائيان قريبين من بعضهما بعضاً في السماء، لكنهما في الواقع بعيدين جداً عن بعضهما. على سبيل المثال، يشكل نجما «منكب الجوزاء» (Betelgeuse) و«الأنثى المحاربة» (Bellatrix) كتفا كوكبة الجبار، ويظهران قريبين من بعضهما في السماء. لكن منكب الجوزاء يبعد ضعف المسافة عن الأرض مقارنةً ببعد بيلاتريكس عنها.
من خلال الجمع بين خرائط الراديو وبيانات من مشروع آخر، يمكن لفريق لوفار معرفة مدى بُعد العديد من مصادر الراديو في مجموعة البيانات الخاصة بهم. استخدم أحد أعضاء الفريق هذه القياسات لمقارنة مسافة كل بقعة مضيئة بمسافتها الفعلية في الكون.
يقول شيمويل: «كل البيانات الموجودة في هذا التصوير المرئي حقيقية بالفعل». ويقول كالينغهام إن المصادر الراديوية ليست كلها مجرات، لكن علماء الفلك يتوقعون أن يكون نحو 99.9% منها كذلك. وبيضيف كالينغهام: «لن تكون النجوم ساطعةً مثل المجرات في نطاق ترددات الراديو ما لم يحدث شيء ما غريب فيها».
اقرأ أيضاً: هل ستكون «نقطة نيمو» في المحيط الهادئ مقبرة مثالية لمحطة الفضاء الدولية؟
إكمال إنجاز خريطة راديوية للسماء الشمالية يتطلب ثلاث أو أربع سنوات
في عام 2019، نشر الفريق أول إصدار للبيانات لمساحة 2% من السماء. ويقول شيمويل إنهم يأملون في إكمال السماء الشمالية كلها في غضون ثلاث أو أربع سنوات.
بالنظر إلى الكم الهائل من البيانات، يحتاج العلماء إلى أشخاص للمساعدة في فرز الصور وتدريب الخوارزميات لفهمها بشكل أفضل. يمكنك الانضمام إلى مشروع علوم المواطن للمساعدة في اكتشاف الثقوب السوداء الهائلة والمجرات المكونة للنجوم في الصور.
تقول مارين أندرسون، عالمة الفلك في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا وعالمة مشروع مصفوفة الطول الموجي الطويلة "أوينز فالي"، وهو مرصد راديوي مختلف: «إن مجموعة بيانات لوفار الجديدة هي منتج بياناتٍ مثير ورائع حقاً». وتضيف أن كثافة المصادر الراديوية التي تم اكتشافها تزيد ثمانية أضعاف عما تمكنت التلسكوبات الراديوية المماثلة الأخرى من التقاطها.
يركز بحث أندرسون على الإشارات الراديوية التي تتغير بمرور الوقت- مثل تلك الصادرة عن النجوم والكواكب الخارجية، وسيسهل نطاق تلسكوب التردد المنخفض "لوفار" هذا النوع من البحث، لأن الانبعاثات الصادرة عن النجوم والكواكب الخارجية تُرى أيضاً بشكل أفضل في نطاق الموجات الراديوية منخفضة التردد مقارنةً بالترددات التي تراها معظم التلسكوبات الراديوية الأخرى. كما تعبر أندرسون عن سعادتها بدقة الصور التي توفرها مصفوفة لوفار.
تقول أندرسون: «صور تلسكوب هابل مذهلة. ولكن عندما تنظر إلى صورة راديو، حتى لو كانت مليئةً بالمعلومات، فعادة ما تكون ضبابية. أما في هذه الصور الأكثر وضوحاً، فقد نجح علماء الفلك الراديوي أخيراً بصنع صورٍ راديوية جيدة حقاً».
انقر هنا لاستكشاف الخريطة ثلاثية الأبعاد لهذه المجرات والنجوم.