حذر المفتش العام لوكالة الفضاء الأميركية مؤخراً من أن برنامج أرتميس التابع لناسا، والذي يهدف إلى إرسال البشر إلى القمر لأول مرة منذ عام 1972، تجاوز الميزانية المخصصة له بشكل كبير وتأخر عن الجدول الزمني الخاص به. أثناء حديثه خلال اجتماع لجنة مجلس النواب للعلوم والفضاء والتكنولوجيا في الأول من مارس/آذار، انتقد المفتش العام لوكالة ناسا بول مارتن أداء المتعاقدين من القطاع الخاص؛ بوينج ولوكهيد مارتن، قائلاً إن العقود الخاصة بهذه الصناعة تفضل هذه الشركات على حساب الوكالة.
ميزانية ناسا التي أقرها الكونغرس أقل مما كان متوقعاً
في غضون ذلك، أصدر الكونجرس مؤخراً الميزانية الفيدرالية لعام 2022، وحدد الاعتمادات السنوية لوكالة ناسا بـ 24 مليار دولار- أقل مما كانت تأمله الوكالة في الواقع، ولكن مع تخصيص أموال لبرنامج أرتميس أكثر مما طلبته ناسا في البداية.
لقد كانت المشكلات المتعلقة ببرنامج أرتميس معروفة جيداً ولطالما تمت مناقشتها مراراً في مجتمع الفضاء، كما يقول جون لوجسدون، الأستاذ الفخري في كلية إليوت للشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن، والذي أسس معهد سياسة الفضاء بالجامعة. قبل ثلاث سنوات، أعلن نائب الرئيس مايك بنس أن عام 2024 هو هدف أرتميس العاجل لإعادة البشر إلى القمر. لكن لوجسدون يقول إن ذلك التاريخ "لم يكن واقعياً على الإطلاق، لقد كان خدعة سياسية".
ووصف تقرير المفتش العام الذي نشر العام الماضي نفس الشكاوى التي أثيرت في اجتماع اللجنة في مارس/آذار. يقول متحدث باسم مكتب المفتش العام: «لقد أفاد المفتش العام لوكالة ناسا في نوفمبر/تشرين الثاني بأن برنامج أرتميس قد عانى ثلاث سنوات من التأخير وزيادة في التكاليف بقيمة 4.3 مليار دولار للبرامج الرئيسية الثلاثة؛ نظام الإطلاق الفضائي، والذي يمثل الصاروخ الذي سيحمل رواد الفضاء إلى القمر، ومركبة أوريون متعددة الأغراض، وهي المركبة الفضائية الجديدة التي ستُحمل على الصاروخ، بالإضافة لأنظمة استكشاف الأرض، والتي تنطوي على دعم تجميع الصواريخ وإطلاقها هنا على الأرض».
اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تحل هذه الروبوتات المبتَكرة مشكلة الحمولة المحدودة إلى الفضاء؟
خطط طموحة ولكن غير واقعية
لكن قلة من الناس خارج صناعة الفضاء لاحظوا هذا التقرير حتى صدور بيان المفتش العام الأخير، كما تقول مارسيا سميث، محررة موقع «سبيس بوليس أونلاين» ومحللة سياسة الفضاء منذ فترة طويلة، والتي عملت سابقاً في خدمة أبحاث الكونغرس. تقول سميث: «لا أعرف أحداً كان يعتقد بأن الجدول الزمني لهدف عام 2024 كان ممكناً. لقد ساعد ضغط هذا الوقت المحدد على الدخول في العصر الحالي لخصخصة الفضاء، حيث لم تستطع وكالة ناسا تلبية جميع الاحتياجات بمفردها».
وقع الرئيس دونالد ترامب مذكرة رئاسية تُعرف باسم «توجيه سياسة الفضاء -1» في أواخر عام 2017، والتي تطلبت مهمات قمرية جديدة من المقرر أن تبدأ في عام 2025 على أقرب تقدير. في الواقع، اعتقد معظم الناس أن عام 2028 كان أكثر ملاءمة لإطلاق المهمة الأولى، كما يقول لوجسدون. ثم في عام 2019، أعلن بنس أن المهمات ستبدأ حتى قبل ذلك، في عام 2024.
تقول سميث: «عندما أعلن بنس عنه، كان برنامج أرتميس مفاجأة كبيرة للجميع».
ومع ذلك، يقول لوجسدون: «يتعين على ناسا أن تحترم رؤساءها. فإذا قال بنس عام 2024... فعلى وكالة ناسا أن تقول نعم سيدي؛ سنعمل على تحقيق ذلك في عام 2024». وهو يشكك في أن أي شخص في ناسا يؤمن بإمكانية تحقيق هذا الجدول الزمني. يقول لوجسدون: «لقد وصل المفتش العام متأخراً بعض الشيء».
لكن قد لا يكون أرتميس متأخراً - من وجهة نظر معينة. يقول لوجسدون: «إذا التزمت بهدف 2028 الذي كان محدداً قبل بنس، فسنحقق هدفنا في الموعد المحدد. أما إذا التزمنا بهدف عام 2024، وهو هدف لا أعتقد أن أحداً في المجتمع الفضائي يؤمن بتحقيقه، فقد تأخرنا». لكن القول أن ناسا "متأخرة" عن جدول زمني لا يمكن تحقيقه هو نقد "لا معنى له نوعاً ما"، على حد قوله.
اقرأ أيضاً: دراسة تكشف التغيرات التي تحدث لدماغ البشر بعد بقائهم في الفضاء لفترة طويلة
ماذا عن الجزء الزائد عن الميزانية والمخصص لبرنامج أرتميس؟
تقول سميث إن المبالغ الزائدة عن الميزانية والمشاريع المتأخرة هي في الواقع "شائعة جداً" في جميع برامج البحث والتطوير الحكومية الكبيرة. لدى وكالاتٍ أخرى، مثل وزارة الدفاع الأميركية ووزارة الطاقة، نفس المشكلة.
وبالمقارنة مع تلسكوب جيمس ويب الفضائي الذي تم إطلاقه مؤخراً، والذي انتهى به الأمر بتكلفة بلغت 10 مليارات دولار بعد أن بدأ بهدف متفائل يتراوح بين 1 مليار دولار و3.5 مليار دولار، فإن هذه ليست سوى "ميزانية زائدة قليلاً" كما يقول لوجسدون.
تقول سميث: «أعتقد أن المفتش العام كان لديه نقطة أكثر تعقيداً، وهي أن وكالة ناسا ليست شفافة بشأن تكاليف أرتميس».
لا توجد تكلفة واحدة كبيرة وواضحة للبرنامج، أو حتى تكلفة صريحة للذهاب إلى القمر. وبدلاً عن ذلك، تم تقسيم جميع التكاليف بين المشاريع المختلفة التي تدعم المهمة. تقول سميث عن المفتش العام: «إنه مدقق حسابات، ويحاول تجميع كل الخيوط معاً». وتضيف: «في الواقع، لا تتفق وكالة ناسا مع كيفية حساب التكاليف، ولكن مع وجود مشروع بهذه الضخامة، فمن حق الكونجرس أن يعرف كيفية التصرف بالميزانية».
اقرأ أيضاً: أجمل صور الفضاء من عام 2021
ليس من الواضح مدى تأثير هذا التقرير. تقول سميث إن مكتب المفتش العام يصدر "تقارير ممتازة ... لكنها لا تغير الكثير". لبرنامج أرتميس تاريخ طويل ومعقد، ولكن في الوقت الحالي، فإن الكونجرس ملتزم بالتحقيق، وما لم يتم إطلاق صاروخ نظام الإقلاع الفضائي، فمن غير المرجح أن يتغير شيء، كما تقول سميث.
تعد مهمات أرتميس امتداداً لبرنامج الفضاء الذي يعود إلى حقبة بوش والذي بدأ في عام 2004 وأصبح فيما بعد برنامج كونستليشن، والذي أصبح بدوره برنامج أرتميس فيما بعد. لم تكن الأهداف هي نفسها دائماً. يقول لوجسدون: «كان البرنامج يهدف إلى الذهاب إلى المريخ بين عامي 2011 و2016».
كان بإمكان الولايات المتحدة إعطاء مهمة مأهولة إلى المريخ الأولوية. في يونيو/حزيران عام 2019، تحدث ترامب عن الذهاب إلى المريخ بدلاً من القمر. ولكن الأشخاص الذين كان يستشيرهم بشأن الفضاء كانوا أغبياء وعلى قناعةٍ بأن القمر يجب أن يكون الوجهة الأولى، على حد وصف لوجسدون.
يقول لوجسدون: «لقد قرر ترامب إعادة إدراج القمر "كوجهة" عندما وقع على توجيه سياسة الفضاء -1. وقد أوعز هذا التوجيه لناسا لاستكشاف القمر وأجزاء النظام الشمسي الأخرى، والتركيز على أقرب جار سماوي لنا مع خطط طويلة الأجل لاستخدامه كنقطة انطلاق إلى المريخ».