اكتشف علماء الفلك باستخدام بيانات من تلسكوب كيك (Keck II) وجود شفق قطبي بالأشعة تحت الحمراء على كوكب أورانوس. قد يسلّط هذا الاكتشاف الضوء على بعض الخصائص غير المعروفة للحقول المغناطيسية التي تتمتّع بها كواكب مجموعتنا الشمسية، وقد يساعد أيضاً على تفسير ارتفاع درجة حرارة هذا الكوكب على الرغم من بُعده عن الشمس. وُصفت النتائج في دراسة جديدة نشرت بتاريخ 23 أكتوبر/تشرين الأول 2023 في مجلة نيتشر أسترونومي (Nature Astronomy).
استخدام العلماء أداة نير سبيك (NIRSPEC)، أو مطياف الأشعة تحت الحمراء القريبة (InfraRed SPECtrograph)، في مرصد كيك في جزر هاواي لجمع ما يقابل 6 ساعات من عمليات الرصد لكوكب أورانوس التي أجريت في عام 2006. فحص مؤلفو الدراسة 224 صورة بعناية بحثاً عن علامات تبيّن وجود الهيدروجين الثلاثي الذرات المؤيَّن بالجسيمات، وهو عنصر رمزه +H3.
اكتشف العلماء أدلة تبيّن وجود هذا النوع من الهيدروجين في البيانات التي تعود إلى حدث اصطدام الهيدروجين مع الجسيمات المشحونة. ولّد الانبعاث توهجاً شفقياً بالأشعة تحت الحمراء فوق القطب المغناطيسي الشمالي لأورانوس. الصورة نفسها هي عبارة عن تمثيل فني للشفق القطبي بالأشعة تحت الحمراء، متراكبة على صورة لكوكب أورانوس التقطها تلسكوب هابل الفضائي.
الشفق القطبي على كوكب أورانوس مقابل نظيره على الأرض
يتشكّل الشفق القطبي على كوكب أورانوس عندما تتفاعل الجسيمات المشحونة التي تنبعث من الشمس مع الحقل المغناطيسي للكوكب، وهي الطريقة نفسها التي تتسبب بتشكّل الشفق القطبي على الأرض. تتحرّك الجسيمات وفق خطوط الحقل المغناطيسي نحو الأقطاب المغناطيسية للكوكب. وتصطدم بجزيئات الغلاف الجوي لأورانوس عندما تدخله. يؤدي ذلك إلى توهّج هذه الجسيمات.
يتألف الغلاف الجوي لكوكب أورانوس بأغلبه من الهيدروجين والهيليوم، وتكون درجة حرارة الغازين أخفض بكثير مما هي على الأرض. يتوهّج الشفق القطبي لهذا الكوكب بأغلبه بالأشعة ذات الأطوال فوق البنفسجية وتحت الحمراء، ويعود ذلك إلى وجود الهيدروجين والهيليوم بدرجات الحرارة المنخفضة تلك. للمقارنة، يتشكّل الشفق القطبي على الأرض بسبب اصطدام ذرات الأوكسجين والنيتروجين بالجسيمات المشحونة، وتكون الألوان في أغلبها زرقاء وخضراء وحمراء ويمكن رؤيتها بالعين المجرّدة عادة عند خطوط العرض المناسبة.
أورانوس ونبتون هما كوكبان غير عاديين في المجموعة الشمسية، لأن حقليهما المغناطيسيين لا يحاذيان محوري دورانهما. لم يتوصّل علماء الفلك إلى تفسير لهذه الظاهرة، لكن يمكن أن تساعد دراسة الشفق القطبي لكوكب أورانوس على كشف بعض الأدلة.
اقرأ أيضاً: ما هي غرائب كوكب أورانوس التي تثير حماسة الفلكيين؟
قياس الإشعاع تحت الأحمر
استخدم فريق من علماء الفلك في الدراسة الجديدة أول قياسات للشفق القطبي تحت الأحمر في كوكب أورانوس أُخذت منذ بدء رصد الكوكب في عام 1992. وفقاً للفريق، رُصد الشفق فوق البنفسجي في كوكب أورانوس أول مرة في عام 1986، ولكن لم يُرصد الشفق تحت الأحمر من قبل.
تمكّن الفريق من خلال دراسة الأطوال الموجية المحددة للضوء المنبعث من الكوكب من تحليل الضوء الذي تصدره هذه الكواكب، الذي يحمل اسم خطوط الانبعاث، التي تشبه بدورها الباركود. تختلف مستويات سطوع جسيمات +H3 في طيف الأشعة تحت الحمراء اعتماداً على درجة حرارة الجسيمات وكثافة الطبقة من الغلاف الجوي التي تتشكّل فيها. يستخدم العلماء بعد ذلك هذه الخطوط على أنها مقياس لدرجة حرارة الكوكب.
اكتشف علماء الفلك أن هناك زيادات واضحة في كثافة جسيمات +H3 في الغلاف الجوي لكوكب أورانوس ترافقت مع تغيّر طفيف في درجة الحرارة. هذه النتيجة متسقة مع تأثير عملية التأيّن التي تنتج عن وجود الشفق تحت الأحمر. يمكن أن تساعد هذه القياسات علماء الفلك على فهم الحقول المغناطيسية للكواكب الأخرى التي توجد في المنطقة الخارجية من المجموعة الشمسية. ويمكن أن تساعدهم أيضاً على تحديد إن كانت الكواكب الأخرى تلائم الحياة.
اقرأ أيضاً: العلماء يؤكدون أخيراً أن أورانوس محاط بغيوم من الغازات الكريهة
قالت طالبة الدكتوراة في جامعة ليستر والمؤلفة المشاركة في الدراسة الجديدة، إيما توماس، في بيان صحفي: "درجة حرارة الكواكب الغازية العملاقة جميعها، ومنها أورانوس، أعلى بمئات الدرجات بالكلفن أو المئوية مما تتنبأ به النماذج التي تفترض أن الشمس فقط هي التي تسخّن هذه الكواكب، ما يطرح تساؤلاً كبيراً حول سبب ارتفاع درجة حرارة هذه الكواكب فوق ما يتنبأ به العلماء. تشير إحدى الفرضيات إلى أن الشفق المرتفع الطاقة هو سبب ذلك؛ إذ إنه يولّد الحرارة وينقلها إلى خط الاستواء المغناطيسي".
دلائل للعثور على الحياة في الكواكب الخارجية
وفقاً لتوماس، تنتمي أغلبية الكواكب الخارجية التي اكتشفها علماء الفلك إلى الفئة دون النبتونية، ما يعني أن أحجامها تقارب أحجام الكواكب مثل نبتون وأورانوس. يمكن أيضاً أن تتمتّع هذه الكواكب بخصائص مغناطيسية متشابهة، كما يمكن أن تتشابه أغلفتها الجوية. يرتبط الشفق القطبي لأورانوس مباشرة بحقله المغناطيسي وغلافه الجوي، ما يعني أن دراسته يمكن أن تساعد علماء الفلك على وضع تنبؤات حول الأغلفة الجوية للكواكب الخارجية وحقولها المغناطيسية ومدى ملاءمتها للحياة.
قد تقدّم هذه النتائج أيضاً رؤى حول ظاهرة نادرة على الأرض تحمل اسم انعكاس مغناطيسية الأرض. تحدث هذه الظاهرة عندما ينعكس موقعا القطبين المغناطيسيين الشمالي والجنوبي في نصفي الكرة الأرضية. وفقاً لوكالة ناسا، ظاهرة انعكاس مغناطيسية الأرض هي ظاهرة متكررة في تاريخها الجيولوجي، وحدثت آخر مرة منذ نحو 780 ألف عام. تبيّن السجلات المغناطيسية القديمة أن القطبين المغناطيسيين انعكسا 183 مرة على مدى الـ 83 مليون سنة الماضية. كما أنهما انعكسا عدة مئات من المرات على الأقل خلال الـ 160 مليون سنة الماضية. تتفاوت الفترات الزمنية بين هذه الانعكاسات، ولكنها تبلغ متوسطاً قدره نحو 300 ألف سنة.
اقرأ أيضاً: كوكب جليدي عملاق غير مكتشف قد يفسّر عدم الانتظام في حركة كواكب المجموعة الشمسية
قالت توماس: "لم نجر الكثير من الدراسات حول هذه الظاهرة، وبالتالي، لا نعرف ما تأثيراتها في الأنظمة التي تعتمد على الحقل المغناطيسي الأرضي مثل الأقمار الاصطناعية والاتصالات والملاحة. مع ذلك، تحدث هذه العملية يومياً في كوكب أورانوس بسبب عدم المحاذاة الفريدة لمحور دورانه ومحوره المغناطيسي. ستوفّر دراسة الشفق القطبي لأورانوس بيانات تساعدنا على وضع تنبؤات حول آثار أحداث الانعكاس القطبي المستقبلية وتبعاتها على الحقل المغناطيسي".