حرارة حارقة وأعمدة من الرماد الأسود ونوافير الحمم المنبثقة. الثورانات البركانية على الأرض هي مفارقات من الحياة والموت، على الرغم من أنها لا تُقارن بتلك التي تغمر بعض الكواكب الأخرى.
تعتبر الكواكب الحممية والأجسام النشطة بركانياً من أكثر الوجهات الكونية الآسرة التي اكتشفها علماء الفلك على الإطلاق، ولا تزال غير مفهومة علمياً بشكل جيد. والآن، يمكن أن تساعد الدفعة الأولى من البيانات التي جمّعها تلسكوب جيمس ويب الفضائي العلماء في الكشف عن أسرار هذه العوالم بتفصيل أكبر، وذلك عند استخدامها في أبحاث قيد الإعداد. درس فريق من العلماء من جامعة كورنيل البيانات المتعلقة بتركيب الأغلفة الجوية لهذه الكواكب وأسطحها لفهم طبقات الوشاح، أو الطبقات الداخلية، لـ16 كوكباً خارجياً من خلال تصميم نماذج لوصف هذه الكواكب وتصنيع المواد التي تتألف منها على الأرض. ستنشر النتائج الجديدة في العدد القادم من مجلة الأخبار الشهرية للجمعية الفلكية الملكية. تمكّن الباحثون من تشكيل وتبريد الحمم الاصطناعية التي توجد في أماكن بعيدة في الكون داخل المختبر، دون الحاجة إلى الثورانات البركانية.
تصنيع الحمم البركانية مخبرياً
وفقاً لإستيبان غازيل (Estaban Gazel)، المؤلف الرئيسي للدراسة وأستاذ الهندسة في جامعة كورنيل، والذي يدرس الكيمياء الأرضية وعلم البراكين، نظراً لصعوبة الوصول إلى الكواكب الخارجية حتى باستخدام أبعد المسابر الفضائية التي تمكّن البشر من إرسالها، لا يوجد الكثير من الدراسات التجريبية التي أجريت على هذه العوالم البعيدة. تعتبر الدراسة الجديدة التي شارك غازيل في تأليفها الدراسة الأولى التي توفر "مكتبة" لتركيب أسطح الكواكب الخارجية الغريبة، وهي بمثابة دليل يحتوي على المواد الأساسية التي يستطيع العلماء الذين يبحثون عن الكواكب الخارجية الرجوع إليه في بحثهم عن الكواكب البعيدة والبيئات الفضائية الحارة.
مزج غازيل وزملاؤه في المختبر بين البيانات المتعلقة بنسب العناصر الثقيلة في النجوم وخوارزميات النمذجة الترموديناميكية والتجارب الفيزيائية لتشكيل الحمم البركانية الاصطناعية باستخدام كميات مختلفة من المواد الكيميائية الأولية مثل أوكسيد المغنيزيوم وأوكسيد الحديد وثنائي أوكسيد السيليكون. تمكّن الباحثون من تشكيل عدد من الصخور البركانية المسامية بالإضافة إلى الحمم المتبلورة التي تحتوي على الزجاج والمعادن، والتي يمكنك لمسها دون حرق أصابعك.
اقرأ أيضاً: لقد تمكنا من إلقاء نظرة قريبة على أكبر بحيرة حمم بركانية في النظام الشمسي
فهم المكونات الداخلية لمختلف الكواكب الخارجية
في النهاية، يستطيع علماء الفلك استخدام بيانات هذه الدراسة التي نتجت عن التجارب التي أجريت على الحمم لفهم المكونات الداخلية لمختلف أنواع الكواكب الخارجية. في المستقبل، يمكن استخدام هذا الدليل الكوكبي لفهم المراحل الحارة من بداية تشكّل الأرض. يقول غازيل: "هناك العديد من الكواكب الخارجية في الكون، والتي تمر بمراحل تطورية مختلفة"، ويضيف: "إذا تمكّنا من اكتشاف تركيب هذه الكواكب، سيعطينا ذلك الكثير من المعلومات عن تطور كوكبنا".
كانت الأرض أيضاً كوكباً حممياً منصهراً وغير قابل لإيواء الحياة قبل ظهور المحيطات الزرقاء اللامعة والغابات الخضراء الواسعة. في مرحلة ما من عمر الأرض الذي يبلغ 4.5 مليار سنة، من المحتمل أن تضاريسها كانت تشبه التضاريس الجهنمية للكواكب التي تحمل اسم الأراضي الفائقة، مثل كوكب السرطان إي 55 (55 Cancri e) الذي يبعد نحو 41 سنة ضوئية عنّا. اليوم، نعلم أن البراكين ضرورية في تشكّل الحياة واستدامتها؛ إذ إن هذه العمليات المتفجّرة تساعد في تبريد الغلاف الجوي وتشكّل الأراضي وتحويل التراب الميت إلى تربة خصبة.
اقرأ أيضاً: في آخر أخبار التلسكوبات: صور مذهلة لطبقة الكرموسفير الشمسية
البحث عن منشأ كوكبنا
في حين أن دراسة الكواكب الأخرى للبحث في منشأ كوكبنا ليست مقاربة جديدة، سيكون من المنطقي توقّع احتواء الكواكب الخارجية على عناصر غريبة، وهي المواد الكيميائية التي لا نستطيع تركيبها على الأرض. مع ذلك، تقول ليسا كالتينيغر (Lisa Kaltenegger)، المؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة ومديرة معهد كارل ساغان التابع لجامعة كورنيل والأستاذة المساعدة لعلم الفلك، إن هذا التوقّع لا يعكس الحقيقة. تشرح كالتينيغر قائلة إنه على الرغم من أن الكواكب الخارجية تبدو مختلفة بالنسبة لنا، فإن العديد من الكواكب والنجوم القريبة نسبياً تحتوي على نفس المواد التي تحتوي عليها الأرض، ولكن بترتيب مختلف.
تقول كالتينيغر: "عندما ننظر إلى النجوم الأخرى، فإننا نرى الأقراص المحيطة بها والتي تشكّلت منها الكواكب"، وتضيف: "لحد الآن، لم نجد أي مواد لم نستطع تفسير وجودها في هذه الأقراص". يعني ذلك أن فريق غازيل تمكّن من تصنيع المواد السطحية لجميع الكواكب الـ16 باستخدام مواد كيميائية يمكن إيجادها بسهولة على الأرض. تقول كالتينيغر إن هذه الدراسة هي بداية محاولات الباحثين في تشكيل صورة أكثر شمولاً للكون. وإن فريق البحث سيستمر في تحسين دقة النماذج التي صممها، خصوصاً مع ازدياد دقة البيانات التي يوفّرها تلسكوب جيمس ويب الفضائي.
على الرغم من بعض مشكلات المعايرة التي واجهها تلسكوب جيمس ويب منذ إصدار بياناته الأولية، يقول كارل غوردون(Karl Gordon)، عالم الفلك في معهد علوم التلسكوبات الفضائية إن مثل هذه النكسات الصغيرة متوقعة في أي مهمة. يضيف غوردون قائلاً إن الفرق الوحيد هذه المرة هو سرعة العلماء في البدء بدراسة البيانات الجديدة. يقول غوردون: "الطريقة الأفضل لوصف عملية المعايرة هي أنها أسية"، ويضيف: "لا تكون كفاءة هذه العملية مرتفعة في البداية، ولكنها تتحسن بسرعة".
توافق كالتينيغر على أن المشكلات المتعلقة بعملية المعايرة تمثّل مشكلات بسيطة يمكن الاستفادة منها وستبدأ بالزوال مع استمرار مهمة تلسكوب جيمس ويب الفضائي.
إذ تقول: "أعتقد أنه كلما طالت فترة دراستنا للبيانات، ستزيد كفاءتنا في كشف التفاصيل الدقيقة التي نراها حالياً".