أصدرت وكالة ناسا أوضح صور جمعها الخبراء على الإطلاق للحزام الإشعاعي في الغلاف المغناطيسي الأرضي. لكن المركبة الفضائية التي حققت هذا الإنجاز ليست مصممة فقط لتصوير هذه المنطقة البالغة الأهمية من الغلاف الجوي والتي تحمي الأرض من الأشعة الكونية الضارة بالتفصيل، بل إنها تمر في المراحل الأولى من رحلة ستستغرق عدة سنوات وجهتها كوكب المشتري.
أطلقت وكالة الفضاء الأوروبية مسبار مستكشف أقمار المشتري الجليدية (أو مسبار "جوس" اختصاراً، JUICE) في 14 أبريل/نيسان 2023، وهو الآن يتوجّه إلى أكبر كوكب في المجموعة الشمسية. سيحلل هذا المسبار بمجرد وصوله إلى المشتري في يوليو/تموز 2031 الغلاف المغناطيسي للكوكب بينما يجمع أيضاً معلومات عن ثلاثة من أقماره البالغ عددها 79 قمراً، وهي كاليستو وأوروبا وغانيميد. سيحتاج هذا المسبار إلى تسخير قوى الجاذبية للعديد من الكواكب لضبط سرعته ومساره على النحو الصحيح حتى يتمكن من الوصول إلى المشتري. وفقاً لوكالة ناسا، رغب المهندسون في تحقيق أقصى استفادة من أول لقاء قريب للمسبار مع الأرض.
اقرأ أيضاً: أين يقع أقرب ثقب أسود إلى الأرض؟ إليك ما اكتشفه علماء الفلك
أول تحليق بالقرب من القمر والأرض
نشرت الوكالة في إعلان صدر بتاريخ 1 أكتوبر/تشرين الأول 2024 التفاصيل عن كل من الصور الجديدة وأول عملية تحليق بالقرب من القمر والأرض في التاريخ وعملية مناورة المقلاع الجاذبي المزدوج الأولى في التاريخ أيضاً. شغّل المهندسون أولى أداتي مسبار جوس في 19 أغسطس/آب 2024، وهي أداة إلكترونات المشتري النشطة (أو أداة "جو" اختصاراً، JoEE)، عندما مر المسبار بالقرب من القمر على ارتفاع نحو 748 كيلومتراً عن سطحه. جمعت الأداة خلال هذه الفترة التي دامت 30 دقيقة بيانات حول تأثير الوسط الفضائي المحيط بالقمر في هذا التابع الطبيعي الوحيد (الدائم) للأرض. مثّلت هذه التجربة القصيرة عملية تشغيل تجريبي ناجحة للمهام التي يأمل المهندسون أن تنجزها أداة جو على نطاق أوسع بكثير بمجرد اقترابها من كوكب المشتري.
لكن لم يكن هذا جلّ ما أنجزه مسبار جوس؛ إذ إنه عبر الغلاف المغناطيسي الأرضي على ارتفاع نحو 60 ألف كيلومتر فوق المحيط الهادئ بتاريخ 20 أغسطس/آب 2024. في هذه المرحلة، خضعت أداة أخرى على متن المسبار أنشأها مختبر جامعة جونز هوبكنز للفيزياء التطبيقية، وهي أداة المحايِدات والأيونات النشطة للمشتري (أو أداة "جيني" اختصاراً، JENI)، لاختبار يهدف إلى تحديد قدرتها على تحمّل الضغط. استخدمت أداة جيني أجهزة استشعار الكاميرا الشديدة الحساسية لرصد الذرات المحايدة النشطة التي تنبعث من الجسيمات المشحونة في أثناء تفاعل هذه الأخيرة مع غاز الهيدروجين في الغلاف الجوي الأرضي.
تصوير الغلاف المغناطيسي الأرضي للمرة الاولى
قال الباحث الرئيسي في فريق أداتي جو وجيني في مختبر جامعة جونز هوبكنز للفيزياء التطبيقية، بونتوس برانت، في إعلان صدر بتاريخ 1 أكتوبر/تشرين الأول 2024: "نجحت عملية التحليق القريب نجاحاً باهراً، وغِنى البيانات التي جمعها المسبار في أثناء عبوره أعماق الغلاف المغناطيسي الأرضي مذهل. صورة أداة جيني للنظام الأرضي الذي عبرته هي بمثابة إنجاز إضافي سار. وتكامل هذه الأدوات هو تركيبة فعالة للغاية سنستفيد منها في دراسة نظام المشتري".
اقرأ المقال: تلسكوب جيمس ويب الفضائي يكتشف كوكباً خارجياً جديداً أكبر من كوكب المشتري
الصمود في وجه سحب البلازما المحيطة بالأرض التي تصل درجات حرارتها إلى عشرات آلاف الدرجات المئوية سهل نسبياً بالنسبة للمسابر الفضائية غير المأهولة. لكن التأثيرات المحتملة لهذه المنطقة التي تحمل اسم "حزام فان ألين الإشعاعي" تمثّل عقبات كبيرة لأي رحلة بشرية طويلة الأمد إلى القمر والمريخ. وفقاً لناسا، ستساعد المعلومات التي جمعتها أداتا جيني وجو وحللها الباحثون على التخطيط بكفاءة أكبر للتغلّب على هذه العقبات وحل المشكلات الأخرى المتعلقة بمستقبل السفر إلى الفضاء.
أما بالنسبة لمسبار جوس، فهو يتحرك الآن بسرعة تجاه كوكب الزهرة، حيث سينفّذ في أغسطس/آب 2025 عملية مقلاع جاذبي شبيهة بتلك التي نفّذها بالقرب من الأرض والقمر. بعد ذلك، سيعود المسبار تجاه الأرض ويمر بالقرب منها في سبتمبر/أيلول 2026 ويناير/كانون الثاني 2029. وفي النهاية، سيتوجّه جوس إلى كوكب المشتري.