ما هو ضغط الضوء؟ وكيف يساعد العلماء على تعزيز رصد الموجات الثقالية؟

تحديث جديد لمرصد ليغو يعزز حساسيته في رصد الموجات الثقالية
صورة لثقبين أسودين يندمجان تبلغ كتلة كل منهما نحو 30 ضعفاً من كتلة الشمس، كما يظهر في محاكاة حاسوبية

مراصد الموجات الثقالية مثل مرصد الموجات الثقالية بالتداخل الليزري ليغو (LIGO)، هي بمثابة مخابر يتدرّب فيها العلماء على الحساسية الشديدة في الرصد. يتحسس مختبرا هذا المرصد التجريبيان، الواقع أحدهما في ولاية لويزيانا الأميركية والآخر في ولاية واشنطن، التموجات في نسيج الزمكان التي تخلّفها الأجسام مثل الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية. ولفعل ذلك، يراقب المرصد بحذر التقلّبات الدقيقة في أشعة الليزر التي تمتد عبر العديد من الكيلومترات.

يكمن التحدّي الرئيسي في علمية الرصد هذه في أن مختلف المصادر، من الجرارات الهادرة إلى العوامل الجوية إلى الضوضاء الكمومية، يمكن أن تتسبب باضطرابات تشوّش أشعة الليزر هذه. علم التخلّص من الضوضاء غير المرغوب فيها هو جزء مهم جداً من جهود رصد الموجات الثقالية.

تحديث قدرة النظام على إزالة الضوضاء الكمومية وتحسس الأحداث بصوة أفضل

والآن، أصبح مختبرا المرصد قادرين على تحسس عدد من الأحداث أكبر بنسبة 60% من أي وقت مضى بعد خضوعهما لجولة من التحديثات. يعود الجزء الأهم من هذه القدرة إلى النظام الذي يزيل الضوضاء الكمومية الصعبة التحسّس من خلال ضغط أشعة الضوء حرفياً.

يختبر الفيزيائيون والمهندسون تقنيات ضغط الضوء في المختبر منذ عقود، وبدأت نتائج عملهم تظهر في التجارب الحقيقية. يقول عالم الفيزياء في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، لي ماكولر: "لم يعد عملنا مجرد عرض توضيحي؛ إذ إننا بدأنا بتطبيق هذه التقنيات بالفعل". سينشر ماكولر وزملاؤه نتائجهم في مجلة فيزيكال ريفيو إكس (Physical Review X) في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

اقرأ أيضاً: للمرة الأولى: الكشف عن جسيمات دون ذرية تخترق أجسامنا دائماً دون أن نعلم

ما هي الموجات الثقالية وكيف يتم رصدها؟

الموجات الثقالية هي ظاهرة غامضة تتعلق بآثار قوة الجاذبية، وهي ظاهرة تنبأت بها نظرية النسبية العامة. تتسبب الأحداث على المقاييس الكبيرة بما يكفي، مثل اندماج ثقبين أسودين أو نجمين نيوترونيين، بتوليد موجات في نسيج الزمكان، تماماً كما يتسبب رمي الصخور في الماء بتموجات في السطح. يتيح رصد الموجات الثقالية لعلماء الفلك دراسة الأجسام الضخمة بطريقة غير مباشرة، مثل الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية التي يصعب رصدها بوضوح. ولا يمكن للعلماء تحقيق ذلك إلا بفضل المراصد مثل ليغو.

يتألف مختبرا المرصد من ذراعين على شكل حرف "L" كبير جداً، ويبلغ طول كل ذراع 4 كيلومترات. يتحرّك شعاعٌ ليزري يُفصل إلى شعاعين عبر كل ذراع. وينعكس الشعاعان عن مرآتين موضوعتين في نهاية كل ذراع، ثم يعودان إلى نقطة بداية الذراع مجدداً، حيث يمكن دمجهما في شعاع واحد مجدداً. يمكن أن تمدّد التقلبات الطفيفة في نسيج الزمكان؛ أي الموجات الثقالية، الذراعين وتقلّصهما، ما يؤدي إلى تشكّل أنماط مميزة في الشعاع الضوئي المعاد تجميعه.

التغيرات في طول كل ذراع دقيقة وطفيفة جداً لدرجة أنه لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة. تزداد صعوبة رصد هذه التغيرات عندما تكون الحسّاسات في مرصد ليغو عرضة للزلازل والعوامل الجوية والنشاطات البشرية، وهي عوامل تولّد الضوضاء التي تهز المرايا أو أشعة الليزر.

طوّر الفيزيائيون طرقاً لتخفيف هذه الضوضاء. يستطيع هؤلاء الاحتفاظ بالأذرع في الفراغ، خالية من أي مادة لمنع الموجات الصوتية. كما يستطيعون تثبيت المرايا لعزلها عن الاهتزازات. ويمكنهم أيضاً قياس الضوضاء الخارجية وضبط الأجهزة وفقاً لذلك، وكأن المرصد سماعة رأس كبيرة مُلغية للضوضاء.

أحد أجهزة العصر الكمومي في مرصد ليغو قيد التشغيل.
أحد أجهزة العصر الكمومي في مرصد ليغو قيد التشغيل.

لكن الظواهر الكمومية هي من الظواهر التي لا يمكن إلغاء أثرها بهذه الطرق؛ إذ إن العشوائية المتأصلة في الكون في أصغر مقاييسه، التي تتمثّل في الجسيمات التي تظهر وتختفي لحظياً، لها تأثير حتى في الخلاء المثالي.

يقول عالم الفيزياء الفلكية في جامعة كارديف والعضو في تعاون ليغو-فيرغو (LIGO-Virgo)، باتريك ساتون، الذي لم يشارك في الدراسة الجديدة: "هناك تقلّب طبيعي على مستوى القياس يمكن أن يخفي إشارة الموجة الثقالية الضعيفة".

اقرأ أيضاً: علماء الفلك يستخدمون النجوم الميتة لرصد الأمواج الثقالية وفهم تاريخ المجرة

ضغط الضوء بالاعتماد على تردده

اكتشف مرصد ليغو الموجات الثقالية الأولى المرصودة في عام 2016. وكان مشغّلو هذا المرصد يحاولون التوصل إلى طرق للتخلص من الاضطرابات الكمومية في الوقت نفسه تقريباً. يستطيع الفيزيائيون التلاعب بالضوء من خلال حبسه داخل بلورة و"ضغطه". ركّب الخبراء بلورتين على كاشفي المرصد عند بدء الجولة الثالثة من عمليات الرصد، التي بدأت عام 2019.

ومنح هذا التحديث المرصد القدرة على العمل باستخدام ضوء الليزر الذي يتمتّع بترددات أعلى. لكن ضغط الضوء بهذه الطريقة له عواقب؛ إذ إنه جعل تحسس الضوء الذي يتمتّع بتردد منخفض أصعب. هذه مشكلة كبيرة، لأن الموجات الثقالية الناتجة عن الأحداث التي يمكننا رصدها، مثل اندماج الثقوب السوداء، تميل إلى إطلاق قدر كبير من الضوء المنخفض التردد في مرصد ليغو.

لذلك، بعد إغلاق المرصد في منتصف عام 2020 بسبب جائحة كوفيد-19، أضاف مشغلوه حجرة جديدة إلى إعداد ضغط الضوء الذي طوروه. تتيح هذه الحجرة تطبيق نهج أكثر تكيفاً يتلاعب فيه العلماء بخصائص مختلفة للضوء الذي يتمتّع بترددات مختلفة. لتحقيق ذلك، يجب أن تحبس الحجرة الضوء مدة 3 ميلي ثانية، وهي مدة زمنية يستطيع الضوء قطع مئات الكيلومترات خلالها. بدأ العمل باستخدام هذه الحجرة عند بدء جولة الرصد الرابعة المستمرة حالياً في مرصد ليغو في وقت سابق من عام 2023.

يقول مكولر: "تطلّب ذلك التفكير بعناية وإجراء الكثير من الأعمال الهندسية والتصميمية لضمان أن يؤدي هذا التحديث دوره ويعزز كفاءة عملية ضغط الضوء دون أن يؤدي إلى توليد ضوضاء جديدة".

يستطيع مختبرا المرصد حالياً رصد الموجات الثقالية التي تولّدت في مواقع أبعد في الكون وفي مساحة أوسع من الفضاء. ووفقاً لساتون، أصبح المرصد الآن قادراً على رصد عدد من الأحداث أكبر بنحو 60-70%. يتيح تعزيز حساسية المرصد للعلماء قياس الموجات الثقالية بدقة أكبر بكثير، ما يمكّنهم من اختبار نظرية النسبية العامة. ويقول ساتون: "إنه تحديث كبير".

اقرأ أيضاً: الكيلونوفا: حدث ناتج عن اصطدام نجمين نيوترونيين تتردد أصداؤه خارج المجرة

يطبّق مشغّلو مرصد فيرغو الأوروبي، وهو المرصد الشقيق لليغو، عملية ضغط الضوء نفسها المعتمدة على التردد التي طورها العلماء فيه بأنفسهم. يقول ماكولر: "ليس لدينا حالياً أي تقنية أخرى أكثر كفاءة من التي نطبّقها الآن. وهذه التقنية هي الأفضل من بين التقنيات الجديدة التي نعرف كيفية تطبيقها".

تولّدت الموجات الثقالية جميعها التي رصدناها حتى الآن من ثقبين أسودين أو نجمين نيوترونيين ناشئين، وهي أحداث شديدة وصاخبة لها آثار شديدة بالقدر نفسه. يرغب الباحثون في استخدام الموجات الثقالية لرصد أحداث أخرى أيضاً، مثل المستعرات الأعظمية وتدفقات أشعة غاما والنجوم النابضة. لم يتمكّن الباحثون من فعل ذلك بعد، ولكن قد يساعدهم ضغط الضوء على ذلك لأنه يتيح لهم استخدام الأجهزة المتوافرة حالياً للحد الأقصى.

يقول ساتون: "السر هنا هو زيادة حساسية أجهزة الرصد أكثر وإزالة أكبر قدر ممكن من الضوضاء حتى نتمكن في النهاية من رصد أحداث مختلفة. وأعتقد أن الفترة التي نتمكن فيها من فعل ذلك ستكون مثيرة جداً".

المحتوى محمي