في كل بضعة أسابيع، يمر روبوت للاتصال المرئي (روبوت مزود بوسيلة اتصال بالصوت والصورة مع طرف آخر) قرب مكتبي. وعادة ما يكون زميلاً في العمل من مكتب بعيد ذاهباً إلى اجتماع، أو يتفقد الوضع في المكتب وهو مرتاح في منزله.
في البداية، كان سماع صوت الروبوت ورؤية وجه مبتسم على شاشته مفاجئاً. ولكنه أصبح الآن أمراً اعتيادياً. وعلى مدى الأعوام الأربعين المنصرمة، تحولت تقنيات الاتصال المرئي من التعقيد، والضخامة، وحتى عدم الوجود، إلى مدى كبير من الانتشار والقوة، لدرجة أنها تستخدم في كل مكان، بدءاً من غرف العمليات الجراحية وانتهاء بالهواتف الذكية. إذاً، لم لا نرسلها إلى الفضاء؟
هذا هو السؤال الذي طرحته مقالة نشرت حديثاً في مجلة Science Robotics. ومع تصاعد النقاش حول أفضل الطرق لاستكشاف الكواكب الأخرى، يتساءل البعض عما إذا كان حتى من الضروري إرسال أشخاص إلى هناك بشكل فعلي. لم لا نكتفي بإرسال روبوت مع أداة اتصال مرئي، وكأننا نتصل مع المريخ ببرنامج سكايب؟
يقول دان ليستر، أحد مؤلفي المقالة، أنه حان وقت تنفيذ هذه الفكرة. لقد كان ليستر من الذين نادوا بهذه الفكرة لسنوات، وساعد على تنظيم لقاءات علمية حول هذا الموضوع، وجمع في هذه النقاشات ما بين العلماء الأخصائيين في الكواكب، والروبوتات، وخبراء الاتصال المرئي. وسيتم نشر تقرير أكثر طولاً في نهاية هذا الصيف بناء على هذه اللقاءات.
يقول ليستر: "من الناحية التقنية، فلم نحقق القدرة على فعل أشياء كهذه إلا مؤخراً. ومنذ أربعين سنة، لم تتوافر لدينا الإمكانات الموجودة حالياً، ببساطة".
يقوم أخصائيو ناسا حالياً بالتحكم بعربات المريخ الجوالة باستخدام أحد أنواع الاتصال المرئي. غير أن البعد بين الأرض والمريخ كبير لدرجة أنه يجب تأدية جميع الحركات بشكل تدريجي، حتى البسيطة منها. ويوجد تصميم لنظام جديد، يقوم على إرسال البشر إلى مدار الكوكب الذي ستستكشفه الروبوتات، وسيكون التأخير الزمني فيه صغيراً أو شبه معدوم، ما يسمح بتأدية أفعال بشرية سريعة على سطح الكوكب بدون الحاجة لهبوط البشر عليه هناك فعلياً.
يمكن تلخيص الفكرة الأساسية كما يلي: يتم إرسال الروبوتات القادرة على التحرك (وتحريك الأشياء) بسهولة وفعالية إلى سطح الكوكب المراد استكشافه، مثل المريخ أو الزهرة. وفي نفس الوقت، يتم إرسال طاقم بشري إلى مدار هذا الكوكب، وذلك للتقليل من التأخير الزمني. سيقوم الطاقم بالتحكم بالروبوتات على السطح عن بعد، بحيث يتم تحريكها لاستكشاف الكوكب في الزمن الحقيقي، مع القدرة على التعامل بشكل فوري مع أي طارئ.
يقول ليستر: "إنها نظرة مختلفة للغاية إلى الاستكشاف الفضائي. بالنسبة للكثيرين، يرتبط الاستكشاف بمفاهيم مثل الخطر، والمخاطرة، والشجاعة، والبطولة، ولا يكتمل الاستكشاف بالنسبة لهم بدون هذه الأشياء".
غير أن ليستر يقول أنه إذا كان الاستكشاف لا يهدف إلى صنع الأساطير، بل كسب المعرفة حول مكان معين، فإن الاتصال المرئي قد يكون طريقة أسهل وأكثر فعالية لهذا.
ولكن، لماذا يقطع البشر كل هذه المسافة إلى الكوكب بدون تنفيذ مرحلة الهبوط عليه؟ في الواقع، فإن
إلغاء هذه المرحلة النهائية يوفر الكثير من المشقة. وبوجود البشر في المدار حول الكوكب بدلاً من هبوطهم على سطحه، لن يواجهوا مشكلة من حيث المأوى. فقد أرسلنا البشر لقضاء سنة كاملة في محطة تدور حول الأرض. وعلى العكس من هذا، فلم يمض البشر من الوقت على سطح جسم آخر في النظام الشمسي أكثر من بضعة أيام. بالطبع، يجب أن يكون لدينا سفينة جيدة التجهيز وقادرة على تحمل صعوبات رحلة طويلة، مثل العواصف الإشعاعية، ونقص الجاذبية، والموارد المحدودة، ولكننا لن نضطر أيضاً لحمل المواد اللازمة لحياة البشر على السطح. ومع بقاء البشر في السفينة الفضائية بدون الهبوط على السطح، سينعدم احتمال وقوع حادثة شبيهة بما وقع مع شخصية مارك واتني في فيلم "The Martian".
يقول ليستر: "إننا نهدف إلى نقل الحواس البشرية والنشاط البشري إلى حيث يصعب نقل البشر". وعلى الرغم من أن المريخ يعتبر الهدف الأساسي للاستكشاف، فإن الاتصال المرئي يمكن أن يوسع آفاقنا إلى أماكن ذات ظروف أشد قساوة ويصعب الوصول إليها أكثر، مثل الزهرة ويوروبا، حيث يمكن لعملية استكشاف السطح أن تواجه مشاكل تتعلق بالسلامة أكثر مما قد يحدث على المريخ. يقول ليستر: "يمكن أن نرسل رواد الفضاء إلى المدار حول الزهرة، أو نقتحم بحيرات الميثان في تيتان بالغواصات. لا مشكلة".
إضافة إلى كون الروبوتات أكثر تحملاً لظروف الاستكشاف من البشر، فقد تحسنت هذه الروبوتات أيضاً في السنوات الماضية. وإذا كان طبيب قادراً على استخدام كاميرا وأدوات صغيرة بالتحكم عن بعد لاستئصال زائدة دودية في جراحة تنظيرية، فليس من المستغرب أن يكون روبوت على المريخ قادراً على ثقب صخرة بسهولة. كما أن المختصين في مجالات أخرى، مثل المسح المحيطي، بدؤوا بإرسال روبوتات الاتصال المرئي إلى ميدان العمل.
لا يعني هذا أننا لن نهبط إطلاقاً على كوكب آخر. يقول ليستر: "لا أقصد بهذا التوجه أنه يجب ألا نرسل البشر إلى هناك على الإطلاق". وإذا كان الهدف هو الاستيطان البشري لعوالم أخرى، يوافق ليستر على ضرورة وجود البشر. ولكن حتى هناك، قد تكون روبوتات الاتصال المرئي مفيدة للغاية، بحيث تساعدنا على تجهيز البنى التحتية الأساسية قبل بدء هبوط المستوطنين.
ليس من السهل تجميع وتنسيق التقنيات الموجودة حالياً لبناء نموذج أولي قادر على العمل على كواكب أخرى، غير أن ضمان إمكانية تحكم البشر به من الفضاء بأمان أمر مختلف تماماً. ليس ليستر متأكداً من الكلفة أو الزمن اللازمين لانطلاق العمل بالاتصال المرئي بشكل كامل. وبالتالي، قد نحتاج لبعض الوقت قبل أن ينطلق رواد الفضاء إلى كوكب آخر ليتحكموا بالروبوتات من داخل مركباتهم الفضائية. ولكن يوماً ما، قد يصبح هذا اعتيادياً، تماماً مثل روبوت يمر قرب مكتبك.