ما هي الطاقة المظلمة؟

ما هي الطاقة المظلمة؟
صورة مركبة لمجرات متصادمة في عنقود أبيل 2744. يرمز اللون الأزرق إلى المادة المظلمة، وهي لغز كوني مشابه للطاقة المظلمة. وكالة ناسا/مركز تشاندرا للأشعة السينية/الجمعية الدولية للأنفاق والفضاء الجوفي/المعهد الوطني للفيزياء الفلكية/معهد مراصد علوم الفضاء.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يحتوي الكون على مادة وطاقة لا تتفاعلان مع الضوء، وهما المادة المظلمة والطاقة المظلمة. المادة المظلمة هي مادة غير مرئية تمتلك كتلة وتحيط بالمجرات، وقد حاول الفيزيائيون رصدها بمختلف الطرق من أحواض الجليد الضخمة إلى مصادمات الجسيمات وغيرها من التقنيات المعقّدة. ولكن ما هي الطاقة المظلمة؟

الطاقة المظلمة” اسم أُطلق على الطاقة التي تتسبب في توسّع الكون بسرعة تزداد بمرور الوقت. ويتمثّل اللغز الكبير الذي يجب على علماء الكون حله اليوم في تحديد ماهية هذه الطاقة.

تقول الأستاذة في جامعة كوينزلاند الأسترالية، تمارا ديفيس (Tamara Davis): “نعلم الكثير من المعلومات عن خصائص الطاقة المظلمة وسلوكها. ولكننا لا نعلم ما هي بالضبط. وهذا السؤال من أهم الأسئلة في الفيزياء”.

كيف نعلم أن الطاقة المظلمة موجودة؟

اكتشف علماء الفلك منذ زمن طويل أن الكون آخذ في التوسّع. رصد عالم الفلك الأميركي إدوين هابل (Edwin Hubble) في أوائل القرن العشرين حركة المجرات وتوصّل إلى ما يدعى قانون هابل الذي يبيّن العلاقة بين سرعة ابتعاد المجرات عن كوكب الأرض والمسافة التي تفصلها عن هذا الكوكب. مع ذلك، كشفت الأرصاد الجديدة التي أجريت في نهاية القرن العشرين للمستعرات العظمى الموجودة في المجرات البعيدة عن معضلة جديدة؛ لا يتوسّع الكون بسرعة ثابتة، بل يتوسع بسرعة متزايدة.

تقول عالمة الفلك في جامعة تكساس في مدينة أوستن الأميركية، كاثرين فريز (Katherine Freese): “فوجئ العلماء جميعهم باكتشاف تسارع توسّع الكون”. تضيف فريز قائلة إنه من المفترض أن “تولّد الطاقة المظلمة شكلاً ما من الأثر التنافري الذي يتسبب في ابتعاد الكتل بعضها عن بعض بسرعة متزايدة”، على عكس أثر قوة الجاذبية.

اقرأ أيضاً: في لعبة ناسا الجديدة: كن أنت التلسكوب الذي يبحث عن المادة المظلمة

أكّدت الأرصاد العديدة التي أجريت منذ تسعينيات القرن الماضي أن توسّع الكون يتسارع بالفعل. يبدو ضوء النجوم المتفجرة التي توجد في المجرات البعيدة أقل سطوعاً مما يجب أن يكون لو كان الكون يتوسع بسرعة ثابتة. ووجد العلماء أيضاً آثار الطاقة المظلمة في إشعاع الخلفية الكونية الميكروي، وهو عبارة عن بقايا الضوء الذي تشكّل في اللحظات الأولى من عمر الكون. تعتبر الطاقة المظلمة مكوّناً بالغ الأهمية في النماذج الرياضية في علم الكون التي تهدف لتفسير الكون المرصود.

صاغ عالم الفلك الأميركي مايكل تيرنر (Michael Turner) تعبير الطاقة المظلمة في عام 1998 توافقاً مع مجموعة المصطلحات التي تصف مفهوم الطاقة المظلمة. ويبيّن هذا الاسم أيضاً أن تسارع توسّع الكون يمثّل مسألة غامضة ومهمة لم يتم حلها بعد. ظن الكثير من العلماء عند اكتشاف توسع الكون أن الثابت الكوني، وهو حد رياضي تعديلي أضافه ألبرت أينشتاين (Albert Einstein) في معادلات نظرية النسبية العامة لزيادة اتساق الحسابات (ورمزه لامدا “Λ”)، هو التفسير الأمثل للطاقة المظلمة لأنه ينسجم تماماً مع النماذج التي وضعوها.

يقول تيرنر، وهو حالياً أستاذ زائر في جامعة كاليفورنيا في مدينة لوس أنجلوس: “لطالما اعتقدت أن تفسير الطاقة المظلمة لن يكون بهذه البساطة”. يعتقد تيرنر أن تسارع توسّع الكون هو “المشكلة الأعمق” و”اللغز الأكبر في العلم ككل”.

ما هي أهمية الطاقة المظلمة؟

يقول عالم الفلك في جامعة ييل، ويل تيندل (Will Tyndall) إن نموذج لامدا-سي دي إم (Lambda-CDM model) (نموذج لامدا للمادة المظلمة الباردة)، الذي ينص على أن الكون يتألف من المادة العادية بنسبة 5% (تتضمن كل شيء رأيته أو لمسته في حياتك) والمادة المظلمة بنسبة 27% والطاقة المظلمة بنسبة 68%، هو “الإطار النظري الأفضل حالياً في علم الكون، وهو محاولة طموحة لجمع أحداث تاريخ الكون كافة في إطار واحد وتفسيرها”. مع ذلك، لا يفسّر هذا النموذج الظواهر الكونية جميعها، ويشمل ذلك طبيعة الطاقة المظلمة. يضيف تيندل قائلاً: “في النهاية، كيف يمكن أن نكون جاهلين لهذه الدرجة بنوع من الطاقة يفترض أن يشكّل 68% من الكون الذي نعيش فيه؟”.

تعتبر الطاقة المظلمة أيضاً أحد العوامل الحاسمة التي ستحدد مصير الكون النهائي. هل سيتمزّق الكون بفعل ما يدعى بالتمزّق الأعظم (Big Rip)، حيث يتفكك كل شيء فيه إلى جسيمات دون ذرية؟  أم أنه سيواجه مصيراً أقل إثارة؟

اقرأ أيضاً: العلماء يصممون أدق خريطة لتوزع المادة في الكون حتى الآن

يعتمد الجواب على تغيّر الطاقة المظلمة في الكون مع مرور الزمن أو ثباتها؛ إذا كانت الطاقة المظلمة ثابتاً كونياً لا أكثر، سيستمر الكون بالتوسع إلى الأبد ويتحول إلى مكان فارغ نسبياً. وفي هذا السيناريو، ستصبح النجوم في عنقود المجرات المحلي الذي يحتوي على مجرة درب التبانة غير مرئية، أي أن الضوء المنبعث منها سيتمدد نحو الأحمر لدرجة تمنعنا من رصده.

أما إذا ازدادت قوة الطاقة المظلمة، فقد تؤدي إلى الحدث الذي يحمل اسم التمزّق الأعظم. وقد تضعف الطاقة المظلمة بمرور الزمن وينكمش الكون على نفسه مجدداً، ما سيؤدي إلى دخوله في دورة تبدأ بانفجار عظيم جديد. لن يعلم الفيزيائيون أياً من هذه السيناريوهات هو مصير الكون حتى يعمّقوا فهمهم لطبيعة الطاقة المظلمة.

ماذا يمكن أن تكون ماهية الطاقة المظلمة؟

تظهر الطاقة المظلمة في المعادلات الرياضية التي تصف الكون كالثابت الكوني الذي تحدّث عنه آينشتاين، ولكن لا يمثّل هذا الثابت السبب الفيزيائي الذي يؤدي إلى تسارع توسّع الكون. إحدى الفرضيات الرائدة في هذا المجال هي فرضية فرعية من ميكانيكا الكم تحمل اسم فرضية طاقة الخلاء؛ تتولّد طاقة الخلاء عندما تتشكّل الأزواج من الجسيمات والجسيمات المضادة بسرعة ثم تفنى، وهذه ظاهرة تحدث في كل مكان وزمان.

تبدو هذه الفرضية وكأنها تفسير رائع للطاقة المظلمة، ولكنها تعاني مشكلة كبيرة تتمثّل في التفاوت الكبير وغير المفهوم بين قيمة طاقة الخلاء التي يقيسها العلماء في التجارب والقيمة التي يتنبؤون بها رياضياً. تحمل هذه المشكلة اسم مشكلة الثابت الكوني، ويقول تيرنر بتعبير آخر إن النماذج التي وضعها علماء فيزياء الجسيمات تتنبّأ بأن ما نعتقد أنه “خلاء” له وزن في الواقع. لكن تبين التجارب أن هذا الوزن منخفض للغاية، إن وُجد في المقام الأول. يضيف تيرنر قائلاً: “ربما يكون وزن الخلاء صفري”.

اقرأ أيضاً: لغز جديد: علماء «المادة المظلمة» يرصدون نشاط زائد

توصّل علماء الكون إلى تفسيرات محتملة أخرى للطاقة المظلمة على مر السنين. ينص أحدها، وهو نظرية الأوتار (string theory)، على أن الكون يتألف من أجزاء صغيرة للغاية تشبه الأوتار، وأن القيمة التي نرصدها للطاقة المظلمة هي إحدى القيم من عدد لا منته من القيم التي توجد في عدد لا منته من الأكوان. يعتقد الكثير من الفيزيائيين أن هذا التفسير متمحور حول الإنسان بطبيعته، أي أنه ينص على أنه ليس من الممكن أن يكون لنا وجود في كون تختلف فيه قيمة الثابت الكوني، ولذلك وُجدنا في هذا الكون على الرغم من أن قيمة الثابت الكوني فيه مختلفة عن قيمها في الأكوان الأخرى.

فكّر فيزيائيون آخرون في تغيير معادلات النسبية العامة تماماً، ولكن استبعد العلماء هذا الاحتمال بعد القياسات الرائدة التي أجريت من خلال رصد مختبر لايغو (LIGO، مرصد مقياس التداخل الليزري لموجات الجاذبية) للأمواج الثقالية. تقول فريز: “باختصار، نحن بحاجة إلى فكرة عبقرية جديدة”.

كيف يمكن أن يحل العلماء لغز الطاقة المظلمة؟

قد تساعد الأرصاد الجديدة للكون علماء الفيزياء الفلكية على قياس خصائص الطاقة المظلمة بتفصيل أكبر. على سبيل المثال، يعلم علماء الفلك بالفعل أن توسّع الكون يتسارع، ولكن هل كان معدل التسارع ثابتاً دائماً؟ إذا كان الجواب لا، فهذا يعني أن تأثير الطاقة المظلمة في الكون ليس ثابتاً، وسيتعينّ على الفيزيائيين النظريين حول العالم البحث عن تفسيرات جديدة.

يُنفّذ أحد مشاريع دراسة الطاقة المظلمة بالفعل في مرصد كيت بيك (Kitt Peak Observatory) في ولاية أريزونا الأميركية، ويحمل اسم مشروع أداة التحليل الطيفي للطاقة المظلمة (Dark Energy Spectroscopic Instrument، أو دي إي إس آي). يبحث العلماء في هذا المشروع عن علامات تبين تفاوت التسارع في الكون من خلال علم رسم الخرائط الكوني. تقول ديفيس: “يشبه العمل في هذا المجال وضع ورقة شبكية على الكون وقياس توسعه وتسارع توسعه بمرور الزمن”.

سيُجرى المزيد من التجارب في المستقبل القريب، مثل مهمة إقليدس الأوروبية التي يُخطط لإطلاقها صيف عام 2023. سيقوم العلماء في هذه المهمة بإنشاء خرائط للمجرات التي يصل بعدها عن مجرتنا إلى 10 مليارات سنة ضوئية، وسيرصدونها كما كانت قبل 10 مليارات سنة. وفقاً لموقع المهمة على الويب، “هذه الفترة هي التي أدت الطاقة المظلمة فيها دوراً بالغ الأهمية في تسريع توسّع الكون”. سيستخدم العلماء التلسكوبات الراديوية لإنشاء الخرائط بطريقة مختلفة قليلاً تنطوي على تتبع توزّع الهيدروجين عبر الفضاء، كما هو الحال في تجربة تشايم (CHIME) الكندية لتخطيط كثافة الهيدروجين.

اقرأ أيضاً: لماذا يصعب نفي وجود المادة المظلمة بسبب وجود مجرة بدون مادة مظلمة

مع ذلك، لن تحل الأرصاد الجديدة مشكلات الطاقة المظلمة جميعها. تقول ديفيس: “حتى لو تمكنا من قياس خصائص الطاقة المظلمة بدقة لا متناهية، فهذا لا يعطينا معلومات عن ماهيتها. والإنجاز الثوري الحقيقي الذي نحتاج إليه هو إنجاز نظري”. سيجري علماء الفلك الكثير من التجارب الجديدة المخطط لها التي لن تتوقف عن التقدم والتوصل إلى قياسات أكثر دقة، لكن الاكتشافات الثورية النظرية لا يمكن التنبؤ بها؛ إذ إنها قد تستغرق سنة أو عقداً أو حتى قرناً أو أكثر من الزمن. يقول تيرنر: “في العلم، ثمة عدد قليل من الألغاز الحقيقية، التي لا نعلم حلولها حقاً. وأعتقد أن الطاقة المظلمة هي أحد هذه الألغاز”.