عندما مر مذنب "سي/2022 إي 3 زد تي إف" (Comet C/2022 E3 (ZTF)) آخر مرة بالقرب من الأرض، كان أبناء عمومتنا من النياندرتال ما يزالون يجوبون الأرض.
اكتُشف المذنب، والذي يتميز بهالة خضراء زمردية، في مارس/ آذار عام 2022 بواسطة علماء فلك من الولايات المتحدة يعتقدون أنه مر عبر النظام الشمسي الداخلي منذ 50 ألف عام تقريباً. بلغ المذنب أقرب نقطة له من الشمس في 12 يناير/ كانون الثاني، وسيقترب من الأرض بمسافة 44 مليون كيلومتر فقط في الأول من شهر فبراير/ شباط قبل أن يتابع طريقه ويخرج من النظام الشمسي. لذلك، فإن طالبة الدراسات العليا في علم الفلك بجامعة ميريلاند، كاري هولت، وأستاذ علم الفلك في الأكاديمية البحرية الأميركية، ماثيو نايت، ذهبا الأسبوع الماضي إلى فلاغستاف في أريزونا، حيث يوجد مرصد لويل، لمراقبة المذنب من هناك.
مذنب يزور الأرض لأول مرة منذ 50 أل عام
تقول هولت في هذا الصدد: "يوفر اقتراب المذنب من الأرض فرصة رائعة لنا لدراسة هالته، والتي تحيط بنواته وتتكون من سحابة من الغاز والغبار، بمزيد من التفصيل".
تتكون المذنبات من خليط من مواد متطايرة جليدية -مثل الماء وثاني أوكسيد الكربون- تتجمع حول نواة صخرية تشكلت من قرص الكواكب الأولية التي شكّلت الكواكب منذ مليارات السنين. وقد يصعب على علماء الفلك اكتشافها ما لم تقترب بدرجة كافية من الشمس حتى تذيب المواد المتطايرة الجليدية التي عليها، وتحولها إلى غاز يخلق سحابة حول المذنب تسمى الهالة وتشكّل ذيله.
يقول عالم الفلك في معهد كارنيغي للعلوم، سكوت شيبارد: "تصبح المذنبات أكثر سطوعاً عندما تُذيب الشمس الجليد على سطحها وتبخره، ولكن معظم المذنبات لا ترتفع حرارتها بدرجة كافية لإطلاق الغازات إلى أن تصل إلى مدار زحل تقريباً".
وفقاً لهولت، يمكن لمحتويات جليد المذنب أن تحدد مظهره أيضاً. فاللون الأخضر لمذنب "سي/2022 إي 3 زد تي إف" شائع بين مذنبات هذا النوع، ويعود إلى وجود مركبات الكربون ثنائية الذرة فيه، والتي تصدر الضوء الأخضر عندما تتفاعل مع الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس.
كيف تُكتشف المذنبات اليوم؟
كان علماء الفلك المحترفون والهواة في الماضي يستخدمون أدوات متشابهة لاكتشاف المذنبات في السماء ومراقبتها، لكن معظم المذنبات تُكتشف اليوم بواسطة مسوحات السماء الرقمية، وأحد الأمثلة على ذلك هو مذنب "سي/2022 إي 3 زد تي إف" الذي اكتشفه مرفق زويكي العابر (ZTF) في كاليفورنيا، وهو مرصد يقوم بمسح السماء الشمالية بأكملها كل يومين بحثاً عن التغييرات، مثل ظهور مذنب ساطع فجأة.
اقرأ أيضاً: كيفية مشاهدة مذنّب «ليونارد» أكثر مذنبات هذا العام سطوعاً
تقول هولت موضحةً: "يتم اكتشاف معظم المذنبات بواسطة علماء الفلك المحترفين باستخدام مسوحات السماء الرقمية، ولكن بعض المذنبات التي لا تغطيها هذه المسوحات عادةً، كالمناطق القريبة من الشمس، يمكن أن يكتشفها الفلكيون الهواة. على سبيل المثال، اكتشف عالم الفلك الهاوي، مايكل ماتيازو، مذنب "سي/2020 إف 8 سوان" (C/2020 F8 (SWAN)) من خلال النظر في بيانات القمر الصناعي "سوهو" (SOHO) الذي بنته وكالة ناسا بالتعاون مع وكالة الفضاء الأوروبية.
وفقاً لشيبارد، هناك مجموعتان رئيسيتان من المذنبات في النظام الشمسي. الأولى هي مذنبات عائلة المشتري، والتي لها مدارات قصيرة تبلغ 20 عاماً تقريباً أو نحو ذلك ونادراً ما تسافر بعيداً عن مدار الكوكب الغازي العملاق، والأخرى مذنبات طويلة المدى، وهي الفئة التي ينتمي إليها مذنب "سي/2022 إي 3 زد تي إف".
مدارات كبيرة للمذنبات
يقول شيبارد: "لهذه المذنبات مدارات ممتدة تصل إلى ما بعد مدار نبتون، ويمكن أن تستغرق آلاف السنين لتكتمل. بالمقارنة مع المذنبات ذات المدارات القصيرة، فإن المذنبات طويلة المدى تنتقل بسرعة أكبر بالنسبة للأرض خلال وجودها في النظام الشمسي الداخلي، حيث تصل سرعتها إلى 65 كيلومتراً في الثانية. بينما تصل سرعة المذنبات القصيرة المدى إلى 16 كيلومتراً في الثانية وسطياً.
عندما يتم اكتشاف مذنب جديد مثل "سي/2022 إي 3 زد تي إف"، تُرسَل إحداثياته إلى مركز الكواكب الصغيرة، وهي مؤسسة دولية مكرسة لتتبع المذنبات والكويكبات والأجسام الصغيرة الأخرى في النظام الشمسي. وفقاً لنايت، يستخدم المركز برنامجاً لحساب مسار مدار المذنب الجديد وطوله بناءً على موقعه، حيث يمكن لهذه المعلومات أن تساعد العلماء أيضاً في التنبؤ بموعد اقتراب المذنب من الشمس والأرض.
ويضيف نايت: "يتطلب الأمر قدراً كبيراً من البيانات لتحديد طول مداره بشكل موثوق، حيث تعتمد كمية البيانات المطلوبة على المذنب، ولكن عادةً ما نحتاج إلى أسابيع أو أشهر من المراقبة كي نتمكن من التوصل إلى طول مداره".
بعد رصد علماء الفلك لمذنب سي/2022 إي 3 زد تي إف منذ مارس/ آذار العام الماضي، باتوا متأكدين تماماً من أنه مذنب طويل المدى ويستغرق 50 ألف عام تقريباً لإكمال مدار واحد. هذا يعني أنه من المحتمل أن يكون قد نشأ من سحابة "أورت"، وهي غمامة بعيدة من الأجسام الجليدية تحيط بنظامنا الشمسي على مسافة أكبر بألفي مرة من بعد الشمس عن الأرض.
لماذا تدخل هذه المذنبات نظامنا الشمسي؟
يقول هولت: "لم يتم رصد غمامة أورت بشكل مباشر مطلقاً، ولكن يُعتقد أنها تتكون من العديد من المذنبات ذات المدارات الدائرية. يمكن أن تؤثر تفاعلات الجاذبية للنجوم العابرة أو المد والجزر المجرّي على هذه المذنبات وتدفعها للدخول في النظام الشمسي في مدار إهليلجي".
اقرأ أيضاً: حجر نيزكي عمره 4.5 مليار سنة قد يحل لغز أصل الماء على الأرض
وتوضح هولت أن المذنبات مواضيع مهمة لأبحاث العلماء بسبب أصول نشأتها التي تعود إلى محيط نظامنا الشمسي. تقول: "ندرس المذنبات لأنها تتكون من بقايا اللبنات الأساسية التي شكّلت الكواكب، وتقضي معظم وقتها في المناطق الباردة خارج النظام الشمسي. عندما يدخل مذنب إلى النظام الشمسي الداخلي ويبدأ في إطلاق الغازات، يمكننا الحصول على نظرة ثاقبة للظروف التي كانت موجودة في أثناء تشكيل الكوكب، فنحن في النهاية نريد أن نفهم كيفية نشأة نظامنا الشمسي".
إذا كنت محظوظاً بما يكفي لرؤية مذنب سي/2022 إي 3 زد تي إف (C/2022 E3 (ZTF))، فسيبدو كضوء أخضر متوهج في السماء إلى الشمال بعد غروب الشمس، حيث يمكنك رؤيته بمنظار أو تلسكوب صغير. إذا رأيت هذا المذنب، تذكر أنك تشاهد تكشّفاً بطيئاً لكبسولة زمنية من قبل تشكل الأرض.