تعرّف إلى مذنب هالي الموجود في أساطير البشر منذ آلاف السنين

4 دقيقة
مذنّب هالي في طريقه للعودة إلى الأرض
صورة لمذنّب بي/هالي التقطها ويليام ليلر بتاريخ 8 مارس/آذار 1986 في جزيرة الفصح ضمن نشاطات شبكة الظواهر ذات المقاييس الكبيرة التابعة إلى مشروع مشاهدة هالي الدولي. أرشيف بيانات علوم الفضاء المنسق، وكالة ناسا.

يتوجّه أحد أشهر المذنبات نحو كوكب الأرض مجدداً. وصل مذنّب هالي بتاريخ 9 ديسمبر/كانون الأول 2023 إلى نقطة الأوج؛ وهي النقطة الأبعد له عن الشمس، ثم توجّه نحو كوكبنا حيث سنتمكن من رؤيته في العقد السابع من القرن الجاري. لا قلق من اقتراب هذا المذنّب من الأرض؛ إذ إنه لن يصطدم بها لأن مساره بعيد للغاية عنها. مثل المذنبات جميعها التي نعرفها؛ يتألف مذنّب هالي من الجليد المغبر الذي سيحترق بعضه مشكّلاً ذيلاً جميلاً عندما يقترب هذا الجرم السماوي من الشمس.

يتجاوز بعد مذنّب هالي حالياً بعد كوكب نبتون عن الشمس؛ إذ إنه يبعد ما يزيد قليلاً على 4.8 مليارات كيلومتر؛ ما يجعل رصده باستخدام أكبر التلسكوبات التي صنعها البشر مستحيلاً، وهذه هي الحال منذ عام 2003. سيقترب المذنّب من الأرض بتاريخ 29 يوليو/تموز 2061؛ ما يتوافق مع دورته التي تدوم 76 عاماً.

اقرأ أيضاً: تاريخ موجز لمذنّب هالي

ما سبب شهرة مذنب هالي؟

ما سر شهرة هذه الصخرة الفضائية التي تعد واحدة من بين ملايين الصخور في المجموعة الشمسية؟ ولماذا فتنت البشر للغاية عبر التاريخ؟

أصبحت المركبة الفضائية الأوروبية جيوتو واحدة من أولى المركبات الفضائية التي رصدت نواة مذنب وصورتها في عام 1986؛ إذا إنها صوّرت نواة مذنب هالي في أثناء ابتعاده عن الشمس.
فريق كاميرا مذنّب هالي المتعددة الألوان، مشروع جيوتو، وكالة الفضاء الأوروبية

رصد البشر مذنّب هالي منذ زمن طويل؛ إذ تعود الأرصاد الموثقة إلى عام 240 قبل الميلاد. لم يعرف البشر خلال معظم تاريخهم ما هو هذا الزائر الغامض القادم من الفضاء الخارجي. ما لا يعد غريباً إلى حد ما هو أن البشر كانوا يخافون من هذه الظاهرة المجهولة التي لا يمكن التنبؤ بها (كما كانت حينها) وينظرون إليها على أنها نذير شؤم أو نذير تغيير مزعزع.

افترض الكثيرون أن مذنّب هالي بشّر بهزيمة أتيلا الهوني في عام 451 والفُتوح الواسعة للإمبراطورية العثمانية في عام 1456. رأى جنكيز خان أن المذنب علامة تبين له الوجهة التي سيحرّك جيوشه وفقها في عام 1222؛ ما أدى إلى توسيع الأراضي التي سيطر عليها كثيراً بينما أنجب العديد من الأطفال (إلى درجة أن شخصاً واحداً من بين كل 200 شخص في العالم قد يكون من نسله).

يقول ريتشارد غودريتش، مؤلف كتاب "جنون المذنب: كيف كادت عودة مذنب هالي عام 1910 أن تدمّر الحضارة " (Comet Madness: How the 1910 Return of Halley’s Comet (Almost) Destroyed Civilization): "بطبيعة الحال، لم يعلم أحد حينها أن هذه المشاهدات تعود لمذنّب واحد، وذلك حتى اكتشف هالي ما اكتشفه".

اقرأ أيضاً: كتل جليدية تعبر الفضاء: كيف تشكلت المذنبات؟

كيف اكتشف إدموند هالي مذنب هالي؟

لاحظ العالم البريطاني، إدموند هالي، قرابة عام 1705، 3 مذنبات ذات مدارات متشابهة على نحو لافت للنظر، شوهدت في عام 1531 و1607 و1682. استنتج هالي أن هذه المذنبات هي في الواقع مذنّب واحد يمر كل 76 عاماً، وتنبّأ بأنه سيظهر في عام 1758. على الرغم من أنه لم يعش ليرى المذنّب، فإن تنبؤه تحقق وغيّر منظورنا للكون تماماً.

يقول عالم الفلك في جامعة فالدوستا الحكومية، كينيث رمستاي: "أسهمت عودة المذنب هالي المتنبأ بها الكثير في استبدال العلم بالخرافات". ازداد عدد الأجسام المكتشفة في المجموعة الشمسية بسرعة في تلك الفترة؛ إذ اكتُشف كوكب أورانوس بعد فترة وجيزة في عام 1781، ورُصد أول كويكب، وهو سيريس، في عام 1801.

على الرغم من اكتشاف مذنّب هالي وتفسير وجوده على أنه جرم سماوي طبيعي في الكون، تسبب ظهوره في عام 1910 بذعر واسع النطاق. قال أحد علماء الفلك إن الأرض ستتعرض إلى آثار الذيل الغازي للمذنّب ، المليء بغاز السيانوجين السام. يقول عالم الفلك في المعهد الهندي للفيزياء الفلكية، راميش كابور: "تاجَر الباعة المتجولون بالحبوب المضادة للمذنّبات والأقنعة الواقية من الغازات".

ولكن كما نعلم، لم يتدمّر الكوكب عندها. عاد مذنب هالي مرة أخرى في عام 1986، وكان عندها موضع فضول علمي في عصر استكشاف الفضاء اقتربت منه عدة مركبات فضائية لالتقاط صور قريبة. كما أن القطع الصغيرة منه تسقط تجاه الأرض كل عام في حدث وابل الشهب الذي يحمل اسم "إتا الدلويّات". من الواضح أن مذنب هالي هو أحد أكثر المذنبات المدروسة، علاوة على أنه عاصر البشرية عبر تاريخها وأثر فيها تأثيراً بليغاً؛ ولكن معدل ظهوره هو أحد الأسباب التي تجعله مميزاً للغاية.

اقرأ أيضاً: صور جديدة مذهلة للشمس من أكبر تلسكوب شمسي في العالم

عمر الإنسان: دورة واحدة لمذنب هالي

يتراوح عمر الإنسان بين 70 و90 عاماً، ويُعد زمن دورة واحد لمذنب هالي البالغ 76 عاماً قريباً للغاية من هذا المجال الزمني. تقول مؤلّفة كتاب الأطفال "العجائب الكونية: مذنب هالي والجنس البشري "، آشلي بنهام-يزداني: "يمكنك تتبّع حياة البشر من خلال مدار مذنب هالي، وأعتقد أن هذه الحلقة الزمنية المشتركة تربطنا على نحو أوثق بهذا المذنب على وجه التحديد". استخدم البشر هذا المذنّب "لقياس مرور الزمن؛ ما حوّله إلى مقياس ثقافي. علاوة على أنه أثار أقصى درجات المشاعر الإنسانية، وهيّج مشاعر الرهبة لدى البعض والجنون لدى البعض الآخر".

من المرجّح ألا يشعر أحد بالذعر عندما يظهر مذنّب هالي في ستينيات القرن الحالي. يقول غودريتش إن هذا المذنّب "لم يكن ساطعاً في ظهوره عام 1986؛ ما قد لا يبشّر بالخير بالنسبة للمشاهدات المستقبلية". حتى لو لم يكن الظهور التالي مشهداً مذهلاً للغاية بالنسبة إلى البشر الذين يشاهدونه بالعين المجردة، سيكون علماء الفلك مهتمين به دون شك؛ إذ إنهم يسعون إلى تتبع انخفاض كتلة المذنب من خلال مراقبة معدّل فقدانه للمادة، بالإضافة إلى أنهم قد يرسلون المزيد من المركبات الفضائية لتصويره عن قرب وبتفصيل أكبر. يقول كابور أيضاً إنه من المحتمل أن يرسل العلماء "مهمة تهبط على المذنّب وتجمع العينات من نواته المشتعلة وتعيدها إلى الأرض".

بالنسبة إلى معظمنا، لا شك في أن ظهور مذنّب هالي سيمثّل حدثاً كونياً يقع مرة واحدة في الحياة (أو مرتين في أحسن الأحوال) ويستحق التقدير. تقول بنهام-يزداني: "سيشارك البشر الذين شاهدوا المذنّب في عام 1986 ذكرياتهم. وعندما يظهر هذا المذنّب أخيراً، سنخصص على الأرجح الوقت للخروج من المنزل، ربما مع الأصدقاء أو أفراد العائلة، والمشاركة في الطقس القديم المتمثّل في رصد السماء. "هذا التواصل مع الكون نادر بالنسبة إلى معظم الأشخاص في زمننا هذا؛ ولكنني آمل أن يلهم هذا المذنّب لديهم شعوراً بالعجب عندما يشاهدونه".

المحتوى محمي