عندما ترى نجماً بعيداً في السماء ليلاً، قد يتلألأ ويبدو على شكل نجمةٍ خماسية الرؤوس. إنه مجرد خداعٍ بصري. في الحقيقة، معظم النجوم عند رؤيتها عن قرب هي عبارة عن مجرد كراتٍ من الغازات والغبار. مع تقدم عمرها وتسخّنها وابتلاعها مواد أخرى، وفي بعض الأحيان انفجارها، تتخذ أشكالاً مجردةً أكثر وغير متكافئة على النقيض من النجمة الخماسية التي ترسمها على دفتر ملاحظاتك.
لنبدأ الآن في التصغير مرة أخرى، إلى ما هو أبعد من مجال رؤية الأرض. تشكِّل بصمات النجوم الفردية مجموعاتٍ أو عناقيد نجمية -أكثر تعقيداً من الأبراج التي نعرفها- وتلك تشكل بدورها الأنظمة الهائلة التي يقوم عليها الكون. هذه التشكيلات شاسعة جداً لدرجة أنك لا تستطيع حتى تخمين أين تقع خطوطها العامة.
لذلك كان علماء الفلك يحتاجون إلى تلسكوب "جايا". يقوم المرصد الفضائي، والذي يتكون من تلسكوبين دوارين وثلاثة "مستشعراتٍ للحركة"، برسم خرائط للنجوم والأجرام السماوية الأخرى عبر مجرة درب التبانة. منذ إطلاقه في عام 2013، حدد جايا 1.8 مليار كائن في الفضاء، بما في ذلك اكتشاف "تيارٍ نجمي" عمره نحو مليار سنة. أنتجت المهمة خريطةً ثلاثية الأبعاد شبه كاملة لمجرة درب التبانة عام 2018، وتواصل توفير البيانات للباحثين للعمل عليها.
اقرأ أيضاً: ناسا تعتزم إرسال مركبة فضائية للتحرّي عن “الفقاعة” التي تحمي نظامنا الشمسي
اكتشافات جديدة
في أحدث إنتاج معرفي له، يقدم تلسكوب جايا معلومات أكثر تفصيلاً للنجوم التي وثقها. فقد نشرت وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) أحدث الاكتشافات من المشروع في 13 يونيو/حزيران، بما في ذلك مجموعة من صور التحليل الطيفي لضوء النجوم وتسجيلاتٍ لاهتزازات نجمية تشبه التسونامي عبر مجرة درب التبانة.
وكتبت وكالة الفضاء الأوروبية على موقعها على الإنترنت: «يتضمن إصدار البيانات الجديد معلومات جديدة، مثل التركيبات الكيميائية ودرجات الحرارة النجمية والألوان والكتل والأعمار والسرعة التي تتحرك بها النجوم نحونا أو بعيداً عنا (السرعة الشعاعية). حيث تم الكشف عن كثير من هذه المعلومات من خلال بيانات التحليل الطيفي المنشورة حديثاً».
لم يدرس المرصد الفضائي مئات الآلاف من الأنظمة النجمية الثنائية والكويكبات والكوازارات (النجوم الزائفة) والجزيئات الضخمة وحسب، بل اكتشف أيضاً حركات متذبذبة صادرةٍ عن سطح النجوم. يطلق علماء الفلك على هذه الذبذبات "الزلازل النجمية".
وتضيف وكالة الفضاء الأوروبية موضحةً: «اكتشف تلسكوب جايا في السابق بالفعل اهتزازات شعاعية تسبب تضخم النجوم وتقلصها بشكل دوري مع الحفاظ على شكلها الكروي. لكن جايا الآن رصد أيضاً اهتزازات أخرى تغير الشكل الكروي للنجم، ما يصعب اكتشافه أكثر». لاحظ أحد المتعاونين في المشروع أن القياسات يمكن أن تكون ذات أهمية حاسمة أيضاً في مجال علم دراسة تذبذب النجوم (علم السيزمولوجيا النجمية).
اقرأ أيضاً: اكتشاف نجم «مقلوب» نادر مغطّى ببقايا نجم ميت
في غضون ذلك، تقدم بيانات التحليل الطيفي تحليلاً لضوء النجوم على غرار الموشور لتكشف عن خصائصها مثل محتواها وبعدها والأصول المحتملة لأقارب الشمس. كما عثر جايا على مادة بدائية من الانفجار العظيم في بعض التواقيع النجمية، جنباً إلى جنب مع وفرة من المعادن في النجوم الموجودة في قلب مجرة درب التبانة.
تقول عالمة آثار المجرات في مرصد لا كوت دازور في فرنسا، أليخاندرا ريسيو بلانكو، في بيان لها: «مجرتنا هي بوتقة جميلة من النجوم. هذا التنوع مهم للغاية، لأنه يخبرنا قصة تكوين مجرتنا، ويكشف عن عملية هجرة وتراكم الكواكب الضخمة في نظامنا الشمسي. كما يُظهر بوضوح أن شمسنا، ونحن أيضاً، جزء من نظام دائم التغير نشأ بفضل تجمع النجوم والغازات من أصول مختلفة».
تعرف في الفيديو التالي على المزيد عن معلومات جايا الجديدة، بالإضافة إلى إعلان مشوق حول الأهداف القادمة للمهمة.