تتمثل مهمة علماء الآثار في اكتشاف قصصنا من الأشياء التي نتركها وراءنا. حيث يمكن للممتلكات والآثار أن تقدم لمحة عن الحضارات القديمة وحتى الحياة العصرية. ولكن بينما يغامر البشر خارج كوكبنا، كيف يمكن الاستفادة من علم الآثار في الفضاء؟ يوجد بالفعل ملعبٌ واحد حيث يمكن لعلماء الآثار الإجابة عن هذا السؤال؛ محطة الفضاء الدولية.
في أول مسح أثري من نوعه، يقوم علماء من المشروع الأثري لمحطة الفضاء الدولية (ISSAP) بدراسة العناصر التي يستخدمها رواد الفضاء على متن المختبر البالغ من العمر 23 عاماً وفي هذا المجتمع الصغير. لكن محطة الفضاء الدولية لا تشبه موقع التنقيب العادي الذي تُستخدم فيه أدوات التنقيب مثل الأزاميل والفُرش. فبدلاً عن التنقيب عن الأدلة، يتعامل الباحثون مع محطة الفضاء الدولية مثل الأرشيف، حيث يقومون بمسح مكتبة الصور القديمة والحديثة الخاصة بها. سينتهي التحقيق من جمع البيانات في وقت لاحق من هذا الشهر، ولكن بمجرد نشرها، يمكن أن توفر النتائج نافذة على الشكل الذي تبدو عليه الحياة في الفضاء لكل من علماء الاجتماع ومؤرخي الفضاء.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن للخس المعدل وراثياً حماية رواد الفضاء من هشاشة العظام؟
العلوم الاجتماعية تشقّ طريقها نحو النجوم
بدأ مشروع ISSAP، والذي أُنشئ في عام 2015، كطريقة تثبت من خلالها ناسا أن العلوم الاجتماعية لها أيضاً مكان بين النجوم. منذ إنشائه، استضافت محطة الفضاء الدولية العديد من التخصصات العلمية، كما يقول جاستن والش، أحد قادة المشروع والأستاذ المساعد في جامعة تشابمان.
يقول والش: «حتى الآن، تم تجاهل العنصر الاجتماعي والثقافي للسفر إلى الفضاء طويل المدى إلى حد كبير، لذلك قمنا بتصميم تقنية تسجيل لجمع البيانات الأثرية لإثراء دراستنا الأثرية».
يعد علم آثار الفضاء مجالاً جديداً، حيث يتبع فيه الخبراء مجموعة متنوعة من الأساليب. يستخدم العلماء هذا المصطلح لوصف النشاط البشري في الفضاء، أو النشاط البشري الذي يتم بهدف استكشاف الفضاء، مثل منشآت الإطلاق أو المراصد أو الصواريخ. ولكن وفقاً لما يقوله والش، فإن المشروع الأثري لمحطة الفضاء الدولية يتمحور بشكلٍ أساسي حول كيفية تفاعل رواد الفضاء مع الأشياء والمساحات وتغييرها في محطة الفضاء الدولية، على غرار كيف يمكن للفقد أو المعتقد تشكيل البيئة.
تقول شانتال بروسو، طالبة الماجستير في التاريخ بجامعة كارلتون في كندا، والتي ساعدت في تطوير أداة للمساعدة في تجميع البيانات الأثرية للمشروع: «تم توثيق جميع حضاراتنا بطريقة أو بأخرى، سواء كان ذلك عبر التاريخ الشفوي أو الوثائق المكتوبة. لكن ليس لدينا أي نوع من الوثائق حول الحياة في الفضاء كما هي الآن».
اقرأ أيضاً: تعرف على الأطعمة التي لا يمكنك تناولها على متن محطة الفضاء الدولية
تختلف الحياة في المحطة كثيراً عن الحياة على الأرض. في الواقع، تسترشد هذه المرآة المصغرة لمجتمعنا بقوانينها وتراثها. على سبيل المثال، هناك تسلسل هرمي بين أعضاء الطاقم يؤثر على ديناميكيات الفريق. بعد وصول رواد الفضاء إلى المحطة، تقوم المنظمات الشريكة لمحطة الفضاء الدولية بتعيين أحد أفراد الطاقم كقائد يتحمل المسؤولية الأساسية عن جميع القرارات على متن المحطة. بالإضافة إلى ذلك، من المفترض أن يفهم جميع رواد الفضاء اللغتين الإنجليزية والروسية، ولكن في الواقع، هناك درجات متفاوتة من المهارة اللغوية بينهم.
لاحظ فريق ISSAP أيضاً أن القواعد تؤثر على حمل الأشياء الدينية والأشياء الشخصية. هناك نقص واضح في الرموز الدينية في الجزء الأميركي من المحطة، وهذا اختلاف واضح عن الجانب الروسي. ومع ذلك، هناك نصب تذكاري للزملاء المتوفين، والذي يتم استبعاده غالباً في الصور العامة.
عندما وصل أول المقيمين على المدى الطويل إلى المحطة في عام 2000، كانت صور المحطة وسكانها محدودة في كثير من الأحيان بعدد عبوات الأفلام التي يمكن للمهمة وضعها في الحمولة. لكن التصوير الرقمي الحديث سمح لرواد الفضاء ببناء مخزون أكبر بكثير من الصور. حيث يقول والش إنهم كانوا قادرين على الاستفادة من مئات الآلاف من الصور والبيانات الوصفية المرتبطة بها لرسم خريطة كاملة "للسلوكيات والارتباطات عبر تاريخ محطة الفضاء الدولية".
يستخدم مشروعهم الأول، والمسمى «التجربة البحثية لتجميع العينات الرباعية الزوايا»، (SQUARE) اختصاراً، ستة مواقع على المحطة كمناطق تجميع للعينات لتقييم كيف تتغير العناصر والمناطق بمرور الوقت من الناحية البصرية.
تم اختيار خمسة من هذه المواقع بعناية من قبل الباحثين، بينما تمكن رواد الفضاء من اختيار مكان "التنقيب" الأخير. على الرغم من أن مشروع ISSAP سيجمع البيانات النهائية من التجربة في وقت لاحق من هذا الشهر، فقد تمكن والش وفريقه بالفعل من إجراء بعض الملاحظات الأولية. كان هناك نشاط بشري أقل في مناطق مثل وحدة تجربة كيبو اليابانية- حيث يجري رواد الفضاء تجارب طبية وتعليمية- وهي أماكن لم يزرها رواد الفضاء كثيراً.
وفي الوقت نفسه، شهدت الغرف الأخرى، مثل المطبخ ومقصورة النظافة، قدراً أكبر من النشاط البشري. يقول والش إن تحديد المناطق الأكثر استخداماً يمكن أن يخبر العلماء كثيراً عن أنماط الطاقم، وحتى أنواع المعدات الأكثر استخداماً.
حول تحديات علم الآثار في الفضاء، يقول والش إنه في بعض الحالات يكون من الأسهل دراسة البيئة لأنه يمكن دائماً سؤال رواد الفضاء عن محيطهم، على عكس علماء الآثار الذين يدرسون الحضارات القديمة.
يقول والش: «لم يحاول أحد من قبل أن يسجل بشكل منهجي الثقافة المادية لموئلٍ فضائي من قبل».
ISSAP: نحو تأسيس إرث فضائي
ووفقاً لوالش، فإن المشروع أتى في الوقت المناسب. لقد تم الإعلان عن خطط لتقاعد محطة الفضاء الدولية في العقد المقبل. لذلك، وقبل أن يحدث هذا الأمر، فإن تعلّم كيف يتفاعل رواد الفضاء مع محيطهم- ومع بعضهم بعضاً- داخل هذه العوالم المصغرة يمكن أن يساعد في معرفة الشكل الذي سيبدو عليه الجيل القادم من المحطات الفضائية.
يقول والش: «نحن في وضع مثالي لإعطاء رؤى قائمة على البيانات حول الطريقة التي يتم بها استخدام الموائل الفضائية للأشخاص الذين يصممون ويبنون موائل الفضاء». يمكن لهؤلاء المصنِّعين في النهاية الاستفادة من هذه البيانات في تصميماتهم، ما قد يؤثر على كيف نرى هياكل تتمحور حول الإنسان في الفضاء الخارجي ونبنيها.
ولكن للقيام بذلك، يعمل فريق والش مع متعاونين مثل شانتال بروسو لمعرفة كيفية تفسير هذه الرؤى الأثرية، حيث طوّرت بروسو تطبيق ويب مستقل للمساعدة في تسجيل جميع المعلومات التي تم جمعها من التجربة.
بعد تعديل أداة التعليق التوضيحي للصور المتاحة، تمكنت بروسو من تعديل ترميزها للمساعدة في إنشاء قاعدة بيانات متاحة لكل من فريق المحطة الدولية والمشروع الأثري الخاص بها (ISSAP). في النهاية، يهدف المشروع الأثري إلى تحويل هذه المعلومات إلى إرث من البيانات، مثل نظام الملفات العام لتدريب نماذج الكمبيوتر، الذي يمكن استخدامه أيضاً من قبل علماء الآثار الآخرين.
تقول بروسو: «لتنفيذ التعلم الآلي، تحتاج إلى إعطاء أمثلة للكمبيوتر حتى يتمكن من التعلم». بعد أن يقوم الفريق بالتعليق على صور محطة الفضاء الدولية ووسمها وفقاً لذلك، يمكنهم مزامنة قواعد بيانات صور متعددة باستخدام التطبيق الذي أنشأته بروسو. تقول: «أفكر في تطويره بشكل أكبر إلى أداة لعلوم البيانات».
بينما تستعد البشرية لمواصلة استكشاف الكون، من المهم أن نفهم الجوانب الأساسية لكيفية تغييرنا لبيئتنا كما يقول والش. ويضيف أن هذا المشروع هو أكثر من مجرد غذاءٍ للفكر لمهندسي محطات الفضاء في المستقبل.
يتعلق الأمر بفهم أين كنا، وإلى أين قد يأخذنا هذا المسار التصاعدي بعد ذلك.
اقرأ أيضاً: شاهد محاكاة لثقب أسود يلتهم النجوم
تقول بيث أوليري، أستاذة علم آثار الفضاء في جامعة ولاية نيو مكسيكو: «لدينا التزام بالنظر في تطوير تقنيتنا».
من منظور علم الآثار، يجب على الباحثين والجمهور أن يتذكروا أن كل ثقافة على وجه الأرض لها علاقة بالنجوم والقمر. إن الدفع بعلم الآثار التقليدي ليتجاوز حدوده هو مجرد طريقة أخرى للتواصل.
تقول أوليري: «مستقبل الفضاء عالمي حقاً. هذا هو السبب في أنه من المهم حقاً التفكير فيما هو مهم للحفاظ عليه من أجل البشرية».