اصطدمت مجرة صغيرة بمجرتنا منذ نحو 10 ملايين سنة؛ ما أدى إلى تكوين بنية كونية على شكل نقانق. أدى حدث الاندماج هذا الذي يحمل اسم "حدث اندماج غايا-إنسيلادوس-النقانق" (Gaia-Enceladus-sausage merger)، أو "حدث اندماج جي إي إس" (GES Merger)، إلى اضطراب النجوم في مجرتنا؛ إذ قُذف بعضها إلى مدارات مستطيلة تشبه النقانق حول الثقب الأسود المركزي للمجرة، وانتفخ قرص مجرة درب التبانة حتى أصبح سميكاً واتخذ شكله الحالي الذي يشبه الفطيرة المحلّاة.
حدث اندماج غايا-إنسيلادوس-النقانق
الآن، يعتقد علماء الفلك أن حدث الاندماج هذا هو سبب تشكّل القضيب المميّز لمجرة درب التبانة؛ وهو مجموعة النجوم التي تقع على استقامة واحدة في مركز حلزون مجرتنا. قُدّمت النتائج الجديدة مؤخراً إلى مجلة الإشعارات الشهرية للجمعية الفلكية الملكية (Monthly Notices of the Royal Astronomical Society)، ويمكنك الاطلاع عليها في موقع أركايف (arXiv).
قال عالما الفلك في جامعة ليفربول جون مورس ومؤلفا الورقة البحثية الجديدة، أليكس ميرو وروبرت غراند، لبوبساي: "ورقتنا البحثية هي أول ورقة تبين أنه من المحتمل أن قضيب مجرة درب التبانة تشكّل مباشرة نتيجة أكبر حدث اندماج شهدته المجرة [حدث اندماج جي إي إس]، الذي تُمكننا ملاحظة تبعاته في حركات النجوم القريبة".
اقرأ أيضاً: ماذا سيحدث لمجرة درب التبانة بعد موتها؟
ما هي القضبان التي توجد في البنى المجرية؟
يحتوي نحو ثلثي المجرات الحلزونية على القضبان؛ وهي بنىً تؤدي دوراً مهماً في آلية تحرك النجوم والغاز وانتقال الطاقة في أنحاء المجرة جميعها نتيجة جاذبيتها. مع ذلك، لم يكتشف علماء الفلك بعد كيف تشكّلت هذه القضبان. لكن على الرغم من أننا لا نستطيع الرجوع بالزمن لرصد نشأة مجرة درب التبانة، يستطيع علماء الفلك دراسة النجوم القريبة التي لها أعمار متنوعة بتفصيل كبير؛ ما يساعدهم على جمع الأدلة حول ماضي مجرتنا. قال ميرو وغراند: "يمكننا العثور على الأدلة الرصدية في ضوء النجوم؛ تماماً كما نبحث عن أدلة حول تاريخ الأرض في الحفريات. وعلى وجه التحديد، تمنحنا مواقع النجوم وحركاتها وتركيباتها الكيميائية في مختلف أنحاء المجرة معلومات عن ماضي المجرة".
أشارت الأرصاد الحديثة إلى أن قضيب مجرة درب التبانة قد يكون قديماً للغاية؛ إذ من المحتمل أنه تشكّل قبل 10 ملايين سنة؛ أي في الوقت نفسه تقريباً الذي وقع فيه حدث اندماج جي إي إس. صمم الباحثون محاكاة حاسوبية لمجرة تشبه مجرة النقانق تصطدم بمجرة تشبه درب التبانة لتحديد إن كان من الممكن أن يدفع حدث الاندماج النجوم في الاتجاه الصحيح لتشكيل القضيب، ثم لاحظوا كيف تتحرك النجوم تحت تأثير الجاذبية بمرور الوقت.بيّنت المحاكاة أن النجوم شكّلت قضيباً بسرعة كبيرة؛ ما يشير إلى أن هذا النوع من أحداث الاندماج يمكن أن يتسبب بتشكيل القضبان المجرية.
اقرأ أيضاً: مرصد جايا يكشف أسراراً مذهلة عن مجرة درب التبانة
قال عالم الفلك في جامعة كاليفورنيا في مدينة ديفيس، براتيك غاندي، الذي لم يشارك في البحث الجديد لبوبساي: "إنها نتائج مذهلة، ولا سيّما أن هناك الكثير من الأدلة حالياً التي تبيّن أن حدث اندماج جي إي إس كان له تأثير كبير في عدد من خصائص مجرة درب التبانة التي نرصدها اليوم".
هل أثر قضيب مجرة درب التبانة على نشأة الحياة على الأرض؟
أدّت مجرة درب التبانة نفسها دوراً كبيراً في نشأة الكائنات الحية على الأرض. قال ميرو وغراند: "تقع المجموعة الشمسية في منطقة بعيدة للغاية عن قضيب المجرة؛ ولكنها ما تزال داخل منطقة تأثيره". من المحتمل أن القضيب غيّر موقع الشمس أيضاً عندما كان يحرّك النجوم، ويُعد موقع النجوم عاملاً مهماً للغاية في توفر الظروف الملائمة لتشكّل الحياة في الكواكب التي تدور حولها. أضاف الباحثان أيضاً إنه من المحتمل أن الشمس "تشكّلت في موقع مختلف تماماً عن موقعها الحالي في مجرة درب التبانة، وأنها تحرّكت بتأثير جاذبية القضيب المجري".
يساعدنا تعلم المزيد عن مجرتنا الأم على كشف أسرار نشأتنا؛ إذ إنه يفسر كيف وصلت المجموعة الشمسية إلى هذا الجزء المحدد من المجرة.
اقرأ أيضاً: العملاق الجميل: اكتشاف وتصوير أول ثقب أسود في قلب مجرتنا درب التبانة
يمكن أن تساعد هذه المعلومات على اكتشاف منشأ المجرات الأخرى أيضاً. ووفقاً لميرو وغراند: "سيوفّر هذا البحث وجهة نظر جديدة لتاريخ المجرات الأخرى ذات القضبان في الكون".