مع البدء في تنفيذ مهمة أرتميس 1، أصبحت وكالة ناسا جاهزة لاستئناف استكشاف القمر كما لم تكن من قبل. تتضمن خطة الوكالة استخدام أدوات جديدة واعتماد مواقع هبوط غير مسبوقة تحضيراً لإرسال جيل جديد من رواد الفضاء إلى القمر مجدداً.
لكن أصبحت المهمات الحديثة ممكنة التنفيذ فقط نتيجة الأبحاث الثورية التي أجريت في الماضي، والتي تشمل إجراء عمليات التجربة والخطأ لعقود من الزمن من قبل وكالات مثل ناسا بهدف الاقتراب أكثر فأكثر من القمر. وعلى الرغم من أن مهمة أبولو يُنسب لها القدر الأكبر من الفضل عادة، أجرت وكالة ناسا العديد من المحاولات قبل أن تتمكن من إطلاق صاروخ ساتورن 5 إلى القمر، كما أنها حققت العديد من النجاحات بعد الانتهاء من هذه المهمة. سنستعرض فيما يلي ما تعلّمه البشر من جميع هذه المحاولات.
مهمة بايونير 0 (أيبل 1)
أغسطس/ آب 1958
كانت القوات الجوية الأميركية أول مجموعة تحاول إطلاق صاروخ خارج مدار الأرض وإلى القمر في العالم. فشلت هذه المهمة بشكل كارثي؛ إذ انفجر معزز الصاروخ الذي كان من المخطط أن يحمل مسبار بايونير 0 بعد نحو دقيقة واحدة من الإطلاق. لحسن الحظ، لم تكن هذه المهمة مأهولة وحملت معدّات فلكية بدائية نسبياً. تم تأسيس وكالة ناسا بعد أشهر فقط من هذا الحدث. أدارت القوات الجوية الأميركية برامج المقذوفات الفضائية الخاص بها تحت أسماء عدة خلال العقد الأول من القرن الجاري، حتى أنشأت الحكومة الأميركية فرعاً عسكرياً جديداً يحمل اسم القوات الفضائية.
اقرأ أيضاً: هل سيكون المستكشف راشد أول إنجاز عربي يطأ سطح القمر؟
مهمة لونا 1
يناير/ كانون الثاني 1959
تفوّق الاتحاد السوفييتي السابق على الولايات المتحدة في خمسينيات القرن الماضي من خلال إطلاق أول مركبة فضائية قمرية بنجاح. كانت هذه المركبة السوفيتية في الأساس عبارة عن كرة فضية تحتوي على هوائيات وتفتقر لأي نوع من المحركات. وعلى الرغم من أنها كانت من المفترض أن تصطدم بالقمر، فإنها أخطأت هذا التابع بمسافة أكبر من قطره بـ 1.5 مرة وانتهى المطاف بها لتتخذ مداراً حول الشمس. مثّل هذا الخطأ إنجازاً كبيراً غير مسبوق بحد ذاته.
مهمة لونا 2
سبتمبر/ أيلول 1959
نجحت مهمة لونا 2 بما فشلت في تحقيقه مهمة لونا 1؛ إذ تمكّن العلماء السوفيتيون من صدم كرة معدنية غير مأهولة بالقمر، وكانت هذه هي المرة الأولى التي ينجح فيها البشر في الوصول إلى سطح القمر باستخدام مركبة. مثّلت هذه المهمة أيضاً المرة الأولى التي يلامس بها جهاز صنعه البشر أي جسم في الكون بخلاف الأرض. الوجهة النهائية لهذه المهمة غير معروفة، ولكن اصطدمت المركبة بالقمر في مكانٍ ما قريب من منطقة بالوس بوتريدينيس الشمالية (جملة تعني "مستنقع الخراب" باللاتينية)، والتي تشتهر بأنها المنقطة التي هبطت فيها مركبة أبولو 15 في عام 1971.
مهمة رينجر 7
يوليو/ تموز 1964
كانت مركبة رينجر 7، والتي صنعها مختبر الدفع النفاث الذي حول تخصصه حينها لتصنيع المركبات خارج الأرضية، أول مركبة صدمتها وكالة ناسا بنجاح بالقمر بعد 13 محاولة فاشلة متتالية. التقطت هذه المركبة الفضائية قبل صدمها بمنطقة سهول بحر الغيوم عن عمد 4300 صورة لسطح القمر. وتم استخدام هذه الصور في إيجاد مواقع مناسبة لهبوط رواد فضاء مهمات أبولو المستقبلية.
اقرأ أيضاً: هل تنجح ناسا في استخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لصناعة الطوب من الغبار القمري؟
مهمة لونا 9
فبراير/ شباط 1966
عندما هبطت المحطة القمرية الأوتوماتيكية السوفيتية على سطح القمر، كانت أول جسم اصطناعي لم يتحطّم نتيجة الوصول إلى هذا التابع. ساعدت الوسائد الهوائية في التخفيف من شدة الاصطدام عند هبوط المركبة بالقرب من فوهة يبلغ عمقها 25 متراً. وعلى الرغم من ذلك، فهي ارتدت قليلاً عن السطح قبل أن تستقر. على مدى الأيام القليلة التي تلت الهبوط، أرسلت المركبة بعض الصور التي التقطها نظام الكاميرا التلفازية الخاص بها، والتي تم تجميعها لاحقاً لتشكيل صورة بانورامية للقمر، تبعت هذه المهمة بوقت قصير مهمة لونا 10، والتي تضمنت مركبة كانت أول مركبة تتخذ مداراً حول القمر.
مهمة زوند 5
سبتمبر/ أيلول 1968
كانت أول الكائنات الحية التي تجولت في أرجاء القمر سلحفاتان من نوع سلاحف السهوب الروسية (وبعض الديدان) على متن كبسولة سويوز التي دارت حول هذا التابع لمدة 6 أيام. نجت هذه الزواحف من الرحلة، وهبطت في المحيط الهندي قبل أن يتم استرجاعها من قبل مركبات الإنقاذ السوفيتية. منذ ذلك الحين، أرسل البشر الكلاب وقرود الشمبانزي وصغار الحبار قصير الذيل إلى الفضاء.
اقرأ أيضاً: ما علاقة حبيبات القمر الزجاجية بتصادم الكويكبات بالأرض؟
مهمة أبولو 8
ديسمبر/ كانون الأول 1968
بعد مهمة زوند 5 بوقت قصير، تمكن علماء وكالة ناسا من وضع أول البشر في مدار حول القمر ضمن مهمة أبولو 8. أمضى كل من فرانك بورمان (Frank Borman) وجيمس لوفيل (James Lovell) وويليام أندرس (William Anders ) ليلة عيد الميلاد في الدوران حول القمر 10 مرات في كبسولة يبلغ قطرها نحو 4 أمتار. التقط أندرس أيضاً الصورة الشهيرة التي تحمل اسم شروق الأرض في هذه الرحلة.
مهمة أبولو 11
يوليو/ تموز 1969
تتابعت مهمات أبولو التابعة لوكالة ناسا بسرعة، وتُوجت جهود الوكالة بهبوط البشر لأول مرة على سطح القمر. قام رواد الفضاء نيل أرمسترونغ (Neil Armstrong) وباز ألدرن (Buzz Aldrin) ومايكل كولينز (Michael Collins) بتسجيل بعض الاقتباسات المختارة في هذه اللحظة التاريخية ضمن رحلة تم توثيق كل ثانية منها. (حقيقة طريفة: نظراً لأن علماء وكالة ناسا لم يكونوا متأكدين مما إذا كان القمر يحتوي على الميكروبات، تم إخضاع طاقم المهمة للحجر الصحي لمدة 3 أسابيع بعد عودتهم إلى الأرض).
مهمة شاندرايان-1
أكتوبر/ تشرين الأول 2008
حظيت أول مهمة هندية في الفضاء العميق بشهرة كبيرة. حملت مركبة شاندرايان-1 الفضائية، والتي أطلقت برنامجاً فضائياً جديداً طموحاً، أداة تحمل اسم مُخطط علم المعادن القمري، والتي بيّنت مجموعة من الدراسات التي نُشرت في مجلة ساينس في عام 2009 أنها أكّدت وجود جزيئات الماء في فوهات القمر. فقد مهندسو المهمة الاتصال بالمركبة بعد 10 أشهر من بدء رحلتها، وذلك بعد فشل أحد المستشعرات الذي تسبب بارتفاع درجة حرارة المركبة وتعطّل مصادر طاقتها. بحلول ذلك الوقت، أكلمت المهمة 95% من أهدافها البحثية.
اقرأ أيضاً: كيف تتابع مباشرة بعثة أرتميس إلى القمر من التحضيرات الأولية وحتى الإطلاق؟
مهمة تشانغيه 4
ديسمبر/ كانون الأول 2018
تعتبر مركبة تشانغيه 4 الهابطة التابعة لإدارة الفضاء الوطنية الصينية أول مركبة تهبط على الجانب البعيد من القمر. هبطت هذه المركبة في فوهة بازلتية في يناير/ كانون الثاني من عام 2019، ونقلت عربة جوالة صغيرة تحمل اسم يوتو-2 لا تزال تستكشف القمر حتى يومنا هذا. احتوت المركبة أيضاً على حمولة أخرى، وهي شتلة من القطن نمت بنجاح في حجرة على القمر. وتعتبر هذه الشتلة النبتة الأولى والوحيدة التي تنمو على القمر.