عندما أطلقت وكالة ناسا مهمة إعادة إمداد محطة الفضاء الدولية مساء الخميس، لم يحمل الصاروخ الأدوات المخصصة لدراسة الحياة في الفضاء أو النجوم البعيدة فحسب، بل حمل معه أيضاً الأدوات لدراسة الأرض، والتي تضمنت مجموعة من مستشعرات الضوء فائقة الحساسية مصممة خصيصاً لدراسة خصائص دوامات الغبار في غلافنا الجوي.
للغبار تأثير قوي، لكن دوره في دورات المغذيات على الأرض غير مفهوم تماماً. على غرار كيفية تبخر الماء وتشكيل السحب وهطول الأمطار، للغبار أيضاً أنماطه الخاصة. يُجرف الغبار من صحارى العالم باستمرار، وعندما يستقر على الأرض، فإنه يخصّب تربة غابات الأمازون المطيرة ويعزز الحياة البحرية في أعماق المحيطات ويرفع درجة حرارة الثلوج فوق جبال كاليفورنيا.
اقرأ أيضاً: حبيبات قديمة من الغبار الكوني قد تخبرنا تاريخ نشأة مجرتنا
يؤثر الغبار على المناخ أيضاً. يمكن لرواسب الغبار ذات الألوان الفاتحة أن تعكس الحرارة إلى الفضاء مجدداً، بينما يمتص الغبار الغني بأكاسيد الحديد الحرارة لأنها تضفي عليه لوناً داكناً. عندما اجتاحت سحابة من غبار الصحراء الكبرى جنوب الولايات المتحدة هذا الصيف، صبغت السماء باللون البرتقالي، على غرار ضباب الدخان الناجم عن حرائق الغابات. لكن النتيجة التراكمية لتأثير الغبار لا تزال غير معروفة.
يقول كبير العلماء في مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا (JPL) والمحقق الرئيسي في مشروع التحقيق في مصدر الغبار المعدني السطحي (EMIT)، روبرت جرين: «لا نعلم حقاً ما إذا كان الغبار المعدني يسخّن أو يبرد كوكبنا».
بعد أن يتم تثبيت مستشعرات مشروع EMIT الجديدة على محطة الفضاء الدولية وتصبح جاهزة للعمل في غضون أسابيع قليلة، ستقوم بإجراء أكثر من مليار قياس وترسله إلى الأرض، ما سيمنح علماء المناخ أول نظرة شاملة على دورة الغبار على الكوكب. يمكن لهذه البيانات تحسين الأدوات الأساسية التي يستخدمها الباحثون لفهم كوكبنا، حيث تعتقد اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن التأثيرات غير المعروفة للغبار هي المسؤولة عن الاختلافات بين النماذج المناخية والواقع.
يشرح جرين في مقابلة لاحقة مع مجلة العلوم للعموم (Popular Science) آلية عمل هذه المستشعرات.
اقرأ أيضاً: من الغبار وإلى الغبار: كيف يعمل أكثر المراصد تطوراً في الأرض على كشف أسرار نشأتنا
الفجوة المعرفية الكبيرة للغبار
إذا أراد العلماء دراسة الغبار في الغلاف الجوي حالياً، غالباً ما يستخدمون الأدوات البدائية إلى حد ما. قد تلتقط الأقمار الصناعية بعض الصور لعاصفة رملية، لكنها لا تستطيع رسم صورة واضحة للغبار على مستوى الكوكب. يستخدم المصممون تمثيلاً مبسطاً للغبار أيضاً. تفترض العديد من النماذج المناخية أن كل أنواع الغبار، سواء كان مصدره الساحات الشاسعة الملحية والكلسية في ولاية يوتا أو من الصحراء الكبرى، لونها أصفر ولا تمتص إلا جزءاً قليلاً من طاقة الشمس.
في عام 2015، حاول فريق من جامعة كورنيل تصنيف الغبار عن طريق دمج مجموعتين من البيانات الموجودة. الأولى قاعدة بيانات تضم 5 آلاف عينة من التربة تم تحليلها لمعرفة محتواها من المعادن، والثانية عبارة عن أطلس عالمي للتربة أنتجته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة ويصنف الترب حسب لونها وقوامها فقط. كانت الفكرة هي أنه، ومن الناحية المثالية، يمكن لخبراء المعادن مطابقة لون وقوام الغبار مع المعادن الفعلية الموجودة في التربة. يقول جرين في هذا الصدد: «إنها بيانات معيارية، ولكن كان عليهم البدء من مكانٍ ما».
تبين أن النتيجة كانت مجرد تقدير تقريبي غير مثالي لما هو موجود بالفعل في الهواء. في الحقيقة، معظم عينات التربة التي يبلغ عددها 5 آلاف عينة تم جمعها من الأراضي الزراعية وليس من الصحاري التي تُعتبر المصدر الرئيسي للغبار. ومن ناحية أخرى، اتضح أنه من الصعب جداً معرفة تكوين التربة بناءً على شكلها ولونها. يقول جرين: «عندما قام العلماء بمقارنة التنبؤات حول تكوين الغبار بعينات الغبار في العالم الحقيقي، وجدوا أنها لا تتفق مع القياسات. لذلك لا نعلم حقاً المعادن التي تتكون منها التربة السطحية».
اقرأ أيضاً: ماذا تعلم عن العاصفة الغبارية التي غطت كوكب المريخ بأكمله؟
عين في السماء
سيقوم مشروع (EMIT) بمسح الأماكن الجافة والمتربة في العالم مباشرة باستخدام التحليل الطيفي، وهي تكنولوجيا تستفيد من الضوء المرتد عن الأسطح لفهم بنية الترب الجزيئية.
في أثناء دوران محطة الفضاء الدولية حول الكوكب، سيقوم المشروع بتوجيه تلسكوب عبارة عن جهاز تحليل طيفي إلى سطح الأرض. سيمر الضوء المنعكس من الأرض عبر شقّ ضيق ثم يتحلل إلى جميع الألوان المكونة له، حيث تستطيع مستشعرات الجهاز اكتشاف 12410 نطاقاً مختلفاً من الألوان.
يقول جرين: «تتكون الصخور من معادن، وتتكون المعادن من جزيئات مختلفة بشكلٍ عام تتفاعل كل منها مع الضوء بشكل مختلف، وبالتالي فإن معدن بصمة طيفية مختلفة». لن يقيس مقياس الطيف الغبار الجوي مباشرة، فعندما يطفو الغبار في الغلاف الجوي، فإنه يعمل على تشتيت الضوء. بدلاً من ذلك، يركز الجهاز على الأرض ليزود مصممي النماذج المناخية بمعلومات كافية لإعادة بناء سحب الغبار فوقها.
بعد تصحيح تأثيرات الغلاف الجوي والغطاء النباتي، يمكن للمستشعر تمييز الوحدات البنائية الحبيبية لكل رقعة من الأرض يقوم بمسحها، والتي تبلغ مساحة كل منها 60 متراً مربعاً.
اقرأ أيضاً: الغبار الفضائي يثير حساء البلازما الخاص بهذا النجم
من المفترض أن يستغرق الحصول على صورة كاملة لصحاري العالم أقل من عام، حيث ستساعد في تحسين نماذج المناخ العالمي. بمجرد الانتهاء من ذلك، يمكن استخدام المقياس الطيفي للمستشعر لإجراء عمليات رصد جديدة.
لقد تم استخدام مقاييس طيفية مماثلة أو متطابقة على متن الطائرات لدراسة مخاطر الحرائق في غابات أميركا الشمالية والتنوع البيولوجي في الغابات المطيرة في البيرو، بالإضافة إلى دراسة مصادر التلوث البلاستيكي ومصادر غاز الميثان في الغلاف الجوي ومكان وجود العناصر الأرضية النادرة. يقول جرين: «نقوم بنقل هذه التكنولوجيا إلى الفضاء الآن، حيث إن مراقبة العواصف الغبارية ليست سوى البداية».