بينما لا تتوقع وكالة ناسا أن يطأ رواد الفضاء أرض المريخ حتى أواخر الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات من القرن الحالي، لا يزال أمام الوكالة العديد من العقبات التي تحول دون التفكير في الاستقرار طويل الأمد على الكوكب الأحمر. لقد أعطت عملية زراعة المحاصيل على كوكب المريخ، والتي تم تخيلها في رواية الخيال العلمي وفيلم "المريخي" (The Martian)، للناس فكرةً عن الشكل الذي يمكن أن تبدو عليه الزراعة الفضائية. لم تكن عملية الزراعة على المريخ في الفيلم وفي الواقع أيضاً سهلة؛ نظراً لأن تربة المريخ (أو الحطام الصخري "الريغوليث" بشكل أكثر تحديداً) تحتاج إلى مغذيات إضافية.
وفقاً لدراسة حديثة، أجراها فريق من الباحثين في جامعة أيوا ونُشرت في مجلة "بلوس ون"، فإن نبات البرسيم هو أول النباتات التي يجب على رواد الفضاء زراعتها على المريخ في المستقبل. ووجد الفريق أن هذا المحصول العلفي يمكن أن يعيش في الترب البركانية القاسية التي تشبه التربة الموجودة على المريخ. كما يمكن الاستفادة منه كمخصب إضافي لتنمية محاصيل أخرى مثل الخس واللفت والفجل.
اقرأ أيضاً: لماذا تعلق ناسا الكثير من الآمال على الزراعة الفضائية؟
يقول الباحثون: «نظراً لانخفاض المحتوى الغذائي لتربة المريخ بالإضافة إلى ملوحة المياه العالية، لا تصلح تربة أو مياه المريخ لزراعة المحاصيل الغذائية بشكل مباشر. لذلك من الضروري البحث عن استراتيجيات لتعزيز المحتوى الغذائي في تربة المريخ وتحلية المياه المالحة من أجل البعثات الطويلة الأجل».
أول النباتات في المريخ
في الواقع، إنتاج تربة شبيهة بتربة المريخ، والتي تتكون من طبقة من تربة مفككة غير متماسكة على صخر الأساس، هنا على الأرض يمثل تحدياً كبيراً. حاول الفريق ابتكار تربة شبيهة قدر الإمكان بتربة المريخ، ثم قاموا باختبار زراعة بذور مختلفة فيها. يشكل البازلت جزءاً كبيراً من تربة المريخ، وتُظهر الدراسات السابقة أن التربة البازلتية تحتوي على العديد من العناصر الكبرى (مثل الكربون والهيدروجين والأوكسجين وغيرها) والعناصر الصغرى (مثل المنغنيز والكروم والنيكل وغيرها).
وجد الفريق أن نبات البرسيم لا يحتاج إلى إضافة أي سماد لينمو بشكلٍ صحي كما هو الحال عند زراعته في تربة الأرض. ثم استخدموا النبات كمخصب للتربة في محاكاة الزراعة على المريخ ونجحوا بتنمية الخس واللفت والفجل. هذه الأنواع من النباتات مناسبة تماماً للزراعة في الفضاء لأنها لا تتطلب الكثير من الماء أو العناية ويمكن أن تنمو بسرعة.
لكن نتائج هذه الدراسة لا تعني أن رواد الفضاء باتوا مستعدين لزراعة المريخ. لقد تطلبت التجربة استخدام المياه العذبة، ولكنها لا تتوفر في المريخ بسهولة. يعتقد الفريق أنه يمكن معالجة المياه المالحة على المريخ بنوع من البكتيريا البحرية وتنقيتها باستخدام الصخور البركانية الوفيرة في المريخ لإنتاج المياه العذبة.
يقول الفريق: «لأول مرة، نقدم تقريراً عن استخدام متكامل لسماد حيوي وبكتيريا في المعالجة الفعّالة للتربة البازلتية والمياه المالحة في المحاكاة لتوفير الموارد الملائمة لنمو مستدام للنبات».
اقرأ أيضاً: ما أهمية نجاح أول زراعة نباتات في تربة القمر للبعثات الفضائية المستقبلية؟
أحد الأسئلة المهمة التي تبقى دون إجابة هي إلى أي مدى من الدقة يمكن محاكاة تربة المريخ هنا على الأرض؟ كانت تربة المحاكاة تفتقد أيضاً إلى بعض أملاح البيركلورات السامة، والتي يجب أن تغسلها المياه المحلاة من تربة المريخ بطريقة ما. ومع ذلك، توفر التجارب الموصوفة في هذا البحث للعلماء ورواد الفضاء خيارات محتملة بسيطة وفعّالة لاستكشاف أفضل طريقة لمحاكاة تربة المريخ.
يقول الفريق: «تُظهر دراستنا إنه من الممكن معالجة موارد تربة ومياه المريخ على المدى الطويل من أجل الزراعة ودعم البعثات المأهولة والاستقرار الدائم هناك».