عندما انفصلت قارتا إفريقيا وأميركا الجنوبية خلال العصر الجوراسي، وتشكل المحيط الأطلسي، ترك هذا الانفصال قاع المحيط ضحلاً قبالة الساحل الغربي لغينيا. يقول إيسدين نيكولسون، عالم الجيولوجيا البحرية في جامعة هيريوت وات في اسكتلندا، والذي يدرس المنطقة للتعرّف إلى نشأة المحيط الأطلسي: "إن جميع الرواسب مسطحة للغاية، تقريباً مثل كعكة ذات طبقات".
صورة غريبة
لذلك في عام 2017، عندما كان نيكولسون يفحص عمليات المسح الزلزالية للمنطقة والتي التقطتها سفن التنقيب عن النفط والغاز، ظهرت صورة غريبة وغير متوقعة: انخماص بعرض 5 أميال مدفون بعمق في تلك الرواسب.
قام نيكولسون بتحليل دقيق للموقع، نُشر بتاريخ 17 أغسطس 2022 في مجلة "ساينس أدفانسيس"، يقول فيه إن ذلك الانخماص هو حفرة ناتجة عن نيزك عرضه بطول برج إيفل. وإذا تم التأكيد على أن ذلك فوهة بركان (حفرة نيزكية)، فسيكون هذا النيزك قد اصطدم بالأرض في غضون مليون عام من انفجار نيزك "تشيكشولوب"، والذي تسبب في انقراض الديناصورات.
اقرأ أيضاً: نيزك ضرب الأرض منذ 200 عام يكشف أسراراً مذهلة عن تشكل المريخ
بحث نيكولسون عن طرق أخرى لشرح وفهم هذه الحفرة من خلال فقاعات غاز الميثان المتسرب أو النشاط التكتوني أو البركان. لكن لم توضح أي من الطرق حجم الحفرة وموقعها وشكلها. لذلك لجأ إلى خبراء التأثير الكوني للحصول على المساعدة. يقول شين جوليك، الخبير في ضربات النيازك في معهد الجيوفيزياء بجامعة تكساس، والمؤلف المشارك في البحث: "كل أسبوع تقريباً، يرسل لي شخص ما دوائر اكتشفها على جوجل إيرث أو في البيانات الزلزالية". لكن الانخماص، الذي يسميه الفريق فوهة نادير (فوهة الحضيض)، نجح في كل الاختبارات التي تعزز فكرة أنه ناتج عن اصطدام نيزك، من حيث الأشكال والأحجام وحتى التشكيل".
وللمزيد من تأكيد التفسير، قامت فيرونيكا براي، عالمة الكواكب في مختبر القمر والكواكب في توكسون وعضوة في الفريق، بمحاكاة ضربات نيزك متعددة في أعماق مختلفة للمحيط بصخرة يبلغ قطرها أكثر من 1000 قدم ضربت المحيط بعمق نصف ميل، وأحدثت نتيجة تقريبية جداً للحفرة الفعلية. وفقاً للمحاكاة، في الثواني القليلة الأولى بعد الاصطدام، كانت الصخور قد غاصت إلى نحو ميل تقريباً في قاع المحيط، مسببةً تبخر الصخور والمياه، واندفاع أمواج تسونامي في جميع الاتجاهات.
يقول نيكولسون، إن الاهتزازات الناتجة عن الاصطدام ستكون شديدة لدرجة أن "الصخور أو الرواسب تحت قاع البحر تصبح سائلاً وسوف تتحطم الصخور حول الحفرة، ويتشكل هذا العمود الرأسي الضخم، وكأنك أسقطت شيئاً ما في بركة، هذا يحصل عادة مع الماء، لكنه في هذه الحالة يحدث أيضاً مع الصخور في الأسفل"، تاركاً حفرة فيها ركام من الصخور الصلبة في المنتصف، تشبه ما هو مدفون تحت قاع البحر الغيني.
يقول جوليك: "الطاقات الناتجة عن هذا الاصطدام هائلة وهي تفوق ثوران بركان تونغا بألف مرة، الشيء الذي سيولد زلازلاً بقوة 7.5 أو 8".
يوافق لودوفيك فيرير، خبير الحفرة الصدمية من متحف التاريخ الطبيعي في فيينا، والذي لم يشارك في العمل، على أن شكل الحفرة مثير للاهتمام ويستدعي مزيداً من التحقيق، لكنه يشكك في قرار الإعلان عن أصل الحفرة على أساس الصور الزلزالية وحدها. يقول: "إنه فرضية جيدة للغاية لكنها مبدئية ومؤقتة. في النهاية قد يكون الباحثون على حق، ولكنهم قد يكونون مخطئين تماماً".
يضيف فيرير، الذي يقول إنه ناقش موضوع الحفرة مع جوليك في حانة قبل أيام من نشر التحليل في المجلة، إنه وجد حفراً مماثلة. لكنه لا يعتقد أن الباحثين سينجحون بالتدقيق العلمي من أجل نشر ذلك ما لم يكن هناك دليل مادي. ويتابع: "للعثور على القاتل في جريمة قتل، تحتاج إلى حمض نووي أو دم".
وهذا ما ينطبق على الحفرة الصدمية: الدليل الثابت الوحيد على وجود نيزك هو وجود معادن "صدمية" تتشكل فقط تحت ضربة مطرقة كونية، أو رذاذ حقيقي من جسم من الفضاء الخارجي.
إن الحفر من سفينة على بُعد مئات الأقدام في قاع البحر هو الطريقة الوحيدة للتأكد. ومع ذلك، فإن هذا يولد المعضلة السببية أو ما يسمى مشكلة الدجاجة جاءت أولاً أم البيضة.
اقرأ أيضاً: كم يجب أن تبلغ ضخامة النيزك حتى يقضي على البشرية؟
البحث عن الإجابة
كتب نيكولسون عبر البريد الإلكتروني أن البرنامج الدولي لاكتشاف المحيطات والمؤسسة الأكاديمية الأفضل تجهيزاً لأخذ عينة "بتكلفة تصل إلى عدة ملايين من الدولارات" لن تقوم بذلك إلا بعد أن يتم التأكيد على أنها مرشح جيد للقيام بذلك من خلال خضوعها لعملية تقييم من الأقران والمؤسسات المعنية الأخرى.
ستتفقد سفينة البرنامج الدولي لاكتشاف المحيطات، والتي يمكنها جمع عينات أساسية تحت آلاف الأقدام من المياه ومئات الأقدام الأخرى من الصخور، المنطقة في عام 2023. وقد قدم الفريق طلباً للحصول على وقت كافٍ لإنجاز عملية الحفر، ويأمل في تحليل عينات من الحفرة في السنوات القليلة المقبلة.
سيوضح هذا الإجراء أيضاً عمر الحفرة المقترح، استناداً إلى الرسوبيات التي تم حفرها على بعد ما يزيد قليلاً على 100 ميل من الحفرة المقترحة. يقع الموقع مباشرة حول حدود (العصر الطباشيري الباليوجيني)، وهو الخط الذي يشير إلى الانقراض الجماعي للديناصورات والتيروصورات والزواحف البحرية العملاقة، منذ 65 مليون سنة. حدث هذا الانقراض عندما اصطدم نيزك تشيكشولوب الذي يبلغ عرضه أميالاً بما يعرف الآن بشبه جزيرة يوكاتان.
لكن الموجات الصوتية التي يعتمد عليها الفريق في غينيا تنتج صورة غامضة بعض الشيء، والتي لا يمكنها تحديد التاريخ تماماً. يقول نيكولسون: "على حد علمنا أننا على حدود المكان الذي ضربه نيزك تشيكشولوب، ولكن يمكن أن يكون عمر هذه الفوهة أكبر بمليون سنة أو أصغر من الفوهة التي شكلها النيزك".
إذا كانت الفوهة تقع عند تلك الحدود تماماً، فمن المحتمل أن يكون سببها جزء من نيزك تشيكشولوب الذي تحطم خلال رحلته الأخيرة بالقرب من الأرض. على الرغم من أن جوليك يعتقد أن هذا غير مرجح. وكاحتمال بديل، يمكن أن يكون جزءاً من سرب كويكبات اعترض كوكبنا على مدار آلاف السنين. من جانبه، يسمي فيرير هذه الفرضيات بــ "التكهنات ويشبهها بقلعة كبيرة مبنية من الحجارة على أساس غير ثابت أو مستقر" وذلك لأنه لا يوجد تأكيد أن حفرة نادير هي حقاً فوهة بركان.
اقرأ أيضاً: لماذا كان حزيران شهراً أسود بالنسبة للديناصورات؟
يضرب نيزك بحجم مماثل الأرض كل 700,000 عام تقريباً، لذلك حتى لو كان فوهة بركان، فليس بالضرورة أن يكون مرتبطاً بتأثير نيزك تشيكشولوب. لكن جوليك يقول إن الفوهات الموثقة نادرة جداً، هناك ما يزيد قليلاً على 200 حفرة مؤكدة أو محتملة على الأرض، بحيث إن العثور على واحدة في غضون مليون سنة من تشيكشولوب سيكون مفاجأة.