يعد حزام كايبر، وهو حلقة من الأجسام الجليدية على شكل كعكة الدونات تمتد أبعد من مدار نبتون، موطناً لبعض أغرب الأجسام في نظامنا الشمسي. هناك تريليونات من المذنبات والكويكبات والبقايا السماوية من الأيام الأولى لنظامنا الشمسي داخل هذه الحلقة الجليدية، وبعضها تعرفه البشرية فعلاً، مثل بلوتو وإيريس وماكيماكي.
لكن أحد أكثر الأجسام الغريبة إثارة للاهتمام في هذا الحزام هو الكوكب القزم هوميا (Haumea).
الكوكب القزم هوميا
على الرغم من اكتشافه قبل أقل من عقدين من الزمن، لا تزال المعلومات حول هذا الكوكب القزم شحيحة نظراً لصعوبة إجراء قياسات دقيقة له بواسطة التلسكوبات الأرضية بسبب بعده الكبير عنها. لكن ما نعرفه عن كوكب هوميا، على الرغم من قلته، يوحي بأنه كيان غريب ومهم جداً. يبدو الكوكب على شكل كرة قدم مفلطحة تقريباً، ويدور دورة كاملة حول محوره بسرعةٍ أكبر من سرعة أي جسم آخر بحجمه في غضون 4 ساعات فقط. يمتلك هوميا قمرين حوله، بالإضافة إلى نظام حلقات خافت جداً ومغطىً بشكل رئيسي بجليد الماء البلوري، ما يجعل منه مرشحاً قوياً كي يدرسه العلماء لمعرفة ما إذا استضاف الحياة يوماً ما.
اقرأ أيضاً: رصد قزم أبيض يتغذى على الغلاف الجوي لكوكب جليدي بالقرب منه
تقول العالمة في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا في جرينبيلت بولاية ماريلاند، جيسيكا نوفيللو: «من منظور علم الأحياء الفلكي، هناك الكثير مما لا نعرفه حتى الآن عن كيفية نشأة الحياة، حتى على الأرض مع أننا نعيش عليها. في الواقع، ما زلنا نحاول معرفة ما هي بالضبط العناصر الضرورية لنشأة الحياة في المقام الأول، ونعلم أن الماء هو أحد أهمها».
الكشف عن مكونات نشأة الحياة وغيره من أسباب الاهتمام بهوميا
السبب الآخر لاهتمام الباحثين الشديد بمعرفة المزيد عن هوميا هو أنه الجسم الأكبر بين عشرات الأجسام "الشقيقة" الغنية بالماء، والتي يبدو أن لها مدارات متشابهة مع بعضها بعضاً. حتى الآن، يُعد هذا النظام "العائلي" فريداً من نوعه في حزام كايبر، لكن العلماء، ومن بينهم نوفيللو، يقولون إن أحد أكبر الألغاز في هذا الحزام يكمن في كيفية تشكّل هذا النظام الفريد، بما في ذلك تكوينه الغريب والمثير للاهتمام.
لتكوين صورة أوضح عن نشأة هذا الكوكب وتطوره، استخدمت نوفيللو وفريق من الباحثين محاكاة حاسوبية لنمذجة مليارات السنين من تاريخه لمعرفة ماهية الظروف التي أدت بـ "هوميا الطفل" إلى تشكيل هذا النظام الحديث الناضج.
محاكاة عملية تشكل الكوكب
من خلال تغذية حجم هوميا التقديري وكتلته ومعدل دورانه في نموذجهم، تمكن الباحثون من استخدام هذه المحاكاة لتفكيك الكوكب وإعادة بنائه من نقطة الصفر لدراسة العديد من العمليات الكيميائية والفيزيائية التي ساهمت في تطوره إلى ما هو عليه اليوم. بعد تغذية هذه المدخلات الثلاثة في النموذج، قاموا بحساب الزخم الزاوي للجسم (قدرته على الاستمرار في الدوران) عبر التاريخ، بافتراض أن الكوكب ظل ثابتاً. بعد إجراء العشرات من عمليات المحاكاة بمتغيرات مختلفة وتغييرات صغيرة لاختبار كيفية تأثير كل متغير على تطور الكوكب، توصل الفريق إلى بعض النتائج المقنعة التي بدت أنها تطابق ما هو عليه كوكب هوميا اليوم.
اقرأ أيضاً: ما تأثير نجاح مهمة دارت التابعة لوكالة ناسا على مستقبل الدفاع الكوكبي؟
يقول أستاذ استكشاف الأرض والفضاء في جامعة ولاية أريزونا، ستيفن ديش: «تتمثل إحدى الفرضيات الرئيسية في أن أفراد هذه العائلة نشأوا نتيجة اصطدام كبير. إذا نشأت أجزاء هوميا عن طريق اصطدامه بجسم آخر فعلاً، فسيكون هناك الكثير من الشظايا، وسيكون للعديد منها مدارات مختلفة. لكن ديش يقول إن الأمر لم يكن كذلك، إذ تفترض نماذجهم أنه في الوقت الذي كانت الكواكب لا تزال تتشكل فيه، اصطدم هوميا بجسم آخر، لكن القطع التي تناثرت منه في ذلك الوقت ليست ما نراه في نظام عائلة هوميا اليوم كما اقترح باحثون آخرون.
بدلاً من ذلك، يفترض الباحثون أن نظام الكوكب العائلي هذا قد تشكل في وقت لاحق، عندما استقر الهيكل الصخري الكثيف للكوكب في مركزه وأصبح يشكل لبّه، بينما ارتفع الجليد الأخف كثافة إلى طبقاته الخارجية. يقول ديش موضحاً: «نظراً لأن كل هذا الماء قد تسرب عبر اللب وتفاعل مع الصخور الكثيفة وحولها إلى طين أقل كثافة، فقد تضخم اللب، ونتيجة لذلك، انفصلت عنه بعض الكتل الموجودة على سطحه الخارجي مشكلةً أجزاء عائلة هوميا التي يدرسها العلماء اليوم».
كان النموذج قادراً أيضاً على التنبؤ بكمية الجليد على كوكب هوميا بالإضافة إلى حجمه. واعتماداً على رمزٍ برمجي آخر يُسمى "آيسي دوارف" (IcyDwarf) تمت تغذيته في النموذج، خلص الباحثون إلى أن هوميا كان كوكباً دافئاً في مرحلة ما بما فيه الكفاية ليحافظ على محيط هائل من الماء السائل في باطنه لفترة امتدت نحو 250 مليون سنة. على الرغم من أن هذا المحيط المائي قد تجمد منذ ذلك الحين، إلا أن نوفيللو تقول إن لاكتشاف كيف كان الكوكب يبدو في مراحل نشأته المبكرة أهمية كبيرة، لأن ذلك من شأنه مساعدة البشر على اكتشاف المزيد من العوالم الجليدية والغنية بالمياه في المستقبل.
اقرأ أيضاً: ناسا تنجح باختبار حرف كويكب عن مساره بما يتجاوز جميع التوقعات
وتضيف نوفيللو أخيراً: «يمكن أن تساعدنا زيادة معرفتنا بتنوع عوالم المحيطات وقدرتها على استضافة الحياة في النظام الشمسي على فهم المعلومات واستخدامها في سياقها الصحيح، وبالتالي التركيز على أهداف أفضل لعمليات الرصد المكثفة المستقبلية التي ستسعى لاكتشاف أي بصمة للحياة. نحاول اكتشاف وجود الحياة على المريخ من خلال البحث عن الماء، وينطبق الأمر نفسه على الكواكب الخارجية أيضاً».