ماذا يحدث عندما تتصادم مجرتان؟

3 دقيقة
ماذا يحدث عندما تتصادم مجرتان؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Allexxandar
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هل تعلم أن مجرة أندروميدا (Andromeda)، أقرب جارات مجرتنا درب التبانة، تسير نحونا بسرعة 113 كيلومتراً في الثانية. لا تخف ولا تصب بالذهول والهلع، فلن يحدث التصادم بين المجرتين قبل خمسة مليارات سنة من الآن، وربما في مرحلة ما من المستقبل سيتمكن البشر من السفر في الفضاء بين النجوم، والانتقال لنظام كوكبي آخر، وبجميع الأحوال لن يتمكن أي شخص على الأرض الآن من رؤية ما سيحدث. على الرغم من النتائج الكارثية لهكذا تصادم، فإن هذا النوع من عمليات الاندماج بين المجرات هو جزء طبيعي من تطور المجرات وفقاً لعلماء الفلك. فماذا يحدث عندما تتصادم مجرتان؟

ما هي المجرة ومما تتكون؟

في يوم 12 يوليو/ تموز عام 2022، أصدرت وكالة ناسا أعمق وأدق الصور التي التقطها تلسكوب الفضاء جيمس ويب بالأشعة تحت الحمراء وضمن نطاق الطيف المرئي. في إحدى الصور ظهرت آلاف المجرات في بقعة صغيرة من السماء، تماثل حجم حبة الرمل بالنسبة لشخص ما يحملها، فلك أن تتخيل الكم الهائل من المجرات في الكون الشاسع. فمما تتكون المجرات؟

تتكون كل مجرة من هذه المجرات من مليارات النجوم مع أنظمتها الشمسية والغبار والغازات وثقوب سوداء، والمادة المظلمة التي تربطها ببعضها وتجذبها وتشكل معظم كتلتها. تتفاعل هذه المكونات مع بعضها لإعطاء المجرة شكلها، فيوجد ثلاثة أنواع منها في الكون، وهي:

  • المجرات البيضاوية أو الإهليلجية: تأخذ هذه المجرات شكل كرة الركبي أو البيضة، وتضم النجوم القديمة “المسنة”، إذ توقف تشكل نجوم جديدة فيها منذ زمن طويل. تعد هذه المجرات الأضخم والأثقل وزناً، حيث تصل كتلتها غالباً إلى 100 تريليون ضعف كتلة الشمس على أقل تقدير.
  • المجرات الحلزونية: من الأمثلة عنها مجرتنا درب التبانة، والتي تأخذ شكلاً مفلطحاً وذات انتفاخ مركزي وأذرعاً لولبية من الغبار والغاز تتوزع فيها النجوم وتدور حول المركز. تصل كتلتها إلى نحو تريليون ضعف كتلة الشمس.
  • المجرات القزمة أو غير المنتظمة: تفتقر بنيتها إلى شكل منتظم، وغالباً ما تدور المجرات القزمة حول المجرات الأكبر حجماً. تقل كتلتها عن المجرات الحلزونية بكثير، وتتراوح ما بين 10 ملايين ومليار ضعف كتلة الشمس.

اقرأ أيضاً: في الفضاء لا أحد يسمع صراخك: لماذا لا ينتقل الصوت في الفضاء؟

قد يتساءل البعض الآن كيف تكونت هذه المجرات؟

تكوّن المجرات: اندماجات وتصادمات

وفقاً لتلسكوب هابل الفضائي والأدوات الأرضية، فإن أولى المجرات تشكلت بعد الانفجار العظيم بنحو مليار سنة، أي منذ نحو 13-14 مليار سنة، حيث كانت عبارة عن هيدروجين وهيليوم بالكامل تقريباً. واختلفت الآراء حول كيفية تشكل هذه المجرات وتطورها، إلا أن هناك نظريتين سائدتين حتى الآن، وهما:

  • بعد الانفجار العظيم تكوّنت سحب من الغاز والغبار بفعل الجاذبية وشكلت نجوماً فردية، ثم اقتربت هذه النجوم من بعضها بفعل الجاذبية لتكوّن المجرة.
  • احتوى الكون على كتل من المادة اجتمعت مع بعضها لتشكل المجرة قبل تكوين النجوم فيها.

لم يستطع العلماء تحديد المسار السائد لتشكل المجرات، إلا أن ما أجمعوا عليه أن الاندماجات والتصادم بين المجرات هو المسار الأساسي لتكونها، فكثيراً ما تدور المجرات الصغيرة حول المجرات الكبيرة بفعل الجاذبية ثم تندمج معها. على سبيل المثال، تشير عمليات المحاكاة إلى أن مجرة درب التبانة قد تحتوي على بقايا مجرات صغيرة التهمتها منذ بدء تكونها. إذاً، فما زال كوننا في تطور وما زالت تحدث الاندماجات والتصادمات بين المجرات.

اقرأ أيضاً: شاهد قلب مجرة درب التبانة كما لم تره من قبل

ما الذي يحدث حين تتصادم مجرتان؟

قد يكون مصطلح التصادم بين المجرات مبالغاً به، لأن ما يحدث فعلياً هو اندماج للمجرات، بينما لا يسمح التوزع الكبير للمادة في المجرات، والمسافة الشاسعة بين الكواكب والنجوم باصطدامها. تتفاعل المجرات مع بعضها بتأثير الجاذبية، إذ غالباً ما تجذب المجرة الكبرى المجرة الصغرى. قد يحدث التصادم في طرف إحدى المجرتين، بحيث تتابع المجرة التي تمتلك زخماً كافياً للتحرك والابتعاد مسارها، أما عندما لا تمتلك أيٌّ من المجرتين الزخم الكافي للتغلب على شد الجاذبية، فهنا يحدث الاندماج بين المجرتين.

إذا كانت إحدى المجرتين أكبر حجماً بكثير من الأخرى، فغالباً ما تلتهم الكبيرة المجرة الصغيرة، بحيث تبقى الكبيرة محافظة على شكلها. أما إذا تماثلتا في الحجم مثل مجرتي درب التبانة وأندروميدا، فسيحدث الاندماج التام بين المجرتين بحيث يتم تدمير البنية الحلزونية، وتأخذ المجرة النهائية شكلاً إهليليجياً.

عندما تتصادم أو تندمج المجرات فإن سحب الغازات المكونة لكل منها تتفاعل مع بعضها، فتتعرض لضغط شديد وتبدأ بالتكاثف والانهيار مكونة نجوماً جديدة، إلا أنه قد تموت أصغر النجوم حديثة التكوين بعد فترة وجيزة من تكونها لنفاد الوقود اللازم لمتابعة تفاعلات الاندماج في نواتها، فتنفجر على شكل مستعرّات أعظمية (Supernovae)، وتبقى النجوم الحمراء الأقدم والأكثر برودة.

صورة المستعر الأعظم
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Allexxandar

ينتج عن اندماج المجرات تغيير في شكلها، ويحدث ما يمكن تشبيهه برقصة كونية، نتيجة ما يُعرف بقوى المد والجزر بينهما، إذا تبدأ المجرتان بالتمدد والابتعاد ثم تعودان للانضمام مرة أخرى بفعل الجاذبية وتستقران على شكل جديد، قد يكون إهليليجياً كما يحدث لدى اصطدام مجرات كبرى ببعضها، أو تأخذ شكلاً حلزونياً نتيجة دفع التصادم للمواد بعيداً نحو أطراف المجرة، أو غير منتظم في بعض الأحيان.

قد تتغير مواقع النجوم ضمن المجرة العملاقة الجديدة، ما يغيّر من التوازن القديم بين الكواكب مع بعضها وأنظمة النجوم الأخرى، ثم تبدأ النجوم والمواد الأخرى بالاستقرار في مدارات جديدة في المجرة الجديدة.

ضع في اعتبارك أن هذه الرقصة الكونية قد تستمر لمليارات السنين، ولا تحدث برفة عين، إلا أنه مع الحواسيب العملاقة وبرامج النمذجة، يمكن محاكاة سيناريو اصطدام المجرات، كما يوضح الفيديو التالي الذي نشره معهد علوم تلسكوب الفضاء (Space Telescope Science Institute):

اقرأ أيضاً: دليل المبتدئين للتعرف على مجرة درب التبانة