بعض الزواحف المائية القديمة ازدادت أحجامها كثيراً وبسرعة فائقة

3 دقائق
الزواحف العملاقة
حقوق الصورة: متحف التاريخ الطبيعي في لوس أنجلوس.

قبل نحو 246 مليون سنة، جاب حيوان برمائي بحجم الحوت الأحدب تقريباً البحار في المنطقة التي تُعرف اليوم باسم ولاية نيفادا في الولايات المتحدة.

وفقاً لمجموعة من العلماء الذين قاموا مؤخراً بتحليل هيكل عظمي غير مكتمل وجد في جبال أوغوستا، لم يكن هذا "الإكتيوصور" مدهشاً فقط بسبب حجمه الهائل. عاش هذا النوع الجديد بعد بضعة ملايين من السنين من ظهور الإكتيوصورات الأولى، والتي كانت بحجم الكلاب تقريباً، في السجل الأحفوري. هذا يعني أن أحجام هذه الحيوانات السبّاحة ازدادت بسرعة أكبر بكثير من الحيتان، وذلك وفقاً لبحث نُشر في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021 في دورية "ساينس".

هذه الزواحف تعكس قدرة أشكال الحياة على التكيف

يقول "لارس شميتز"، المؤلف المشارك للدراسة الجديدة، وعالم الأحفوريات في قسم "دبليو. إم كيك" للعلوم في جامعة "كليرمونت مكينا" و"سكريبس" و"بيتزر": "تُعد هذه الأحفورة، بالإضافة إلى الحيوانات [الأخرى] التي نجدها في ولاية نيفادا دليلاً يبين مدى قدرة أشكال الحياة على التكيف، ومدى سرعة التطور إذا كانت الظروف البيئية مناسبة وكانت الفرصة متاحة"، ويضيف: "حتى بعد أحداث الانقراض الهائلة، حين يكون العالم بأكمله في حالة اضطراب، يمكن لأشكال الحياة أن تتنوع بسرعة كبيرة حقاً".

نشأت الإكتيوصورات لأول مرة من 249 مليون سنة، وانتشرت في محيطات العالم لمدة 150 مليون سنة قبل انقراضها. يقول شميتز إن أجسام هذه الحيوانات الانسيابية وزعانفها وعيونها الكبيرة منحتها مظهراً يشبه الدلافين قليلاً. في الواقع، تشترك الإكتيوصورات في بعض أوجه التشابه مع "الحيتانيات" (الحيتان والدلافين وخنازير البحر). تطورت كلتا المجموعتين من الحيوانات التي تعيش على الأرض والتي عادت إلى البحر وطوّرت سمات جسدية متشابهة، مثل الذيول القوية لدفع نفسها عبر الماء، وفي بعض الحالات، نمت إلى أحجام هائلة.

تتضمن أحفورة الإكتيوصور التي حللها شميتز وزملاؤه جمجمة يزيد طولها عن 1.8 متراً، بالإضافة إلى أجزاء من الذراع اليمنى والعمود الفقري والكتفين. يمتلك النوع الجديد، والذي أطلق الباحثون عليه اسم "سيمبوسبونديلوس يونغوروم" (أو "سي. يونغوروم" اختصاراً، Cymbospondylus youngorum)، جسماً نحيلاً وأنفاً طويلاً يحتوي على أسنان مدببة.

قدّر الباحثون بناءً على حجم الجمجمة أن طول سي. يونغوروم يمكن أن يصل إلى 17.6 متراً تقريباً، وأن وزنه أقل بقليل من 50 طناً. يقول شميتز: "هذا الحيوان أكبر بكثير من جميع الإكتيوصورات الأخرى التي عاصرته وعاشت قبله، لذلك [فهو] أول عملاق جاب المحيطات".

الزواحف العملاقة
جمجمة سيمبوسبوديلوس يونغوروم إلى جانب الباحث لارس شميتز للمقارنة. حقوق الصورة: مارتن ساندر.

مزايا مرافقة لزيادة الحجم

يضيف شميتز أنه تم اكتشاف بقايا العديد من الإكتيوصورات الكبيرة الأخرى التي يبلغ طولها نحو 10 متراً بالقرب من أحفورة سي. يونغوروم. على الأرجح أن تكون الزيادة في الحجم مصحوبة بالعديد من المزايا، إذ أن الحيوانات الكبيرة تميل لأن تكون صيادة ماهرة في المحيطات، ومحمية من الحيوانات المفترسة الأخرى، ويمكنها بسهولة تنظيم درجة حرارة أجسامها.

قارن الباحثون سي. يونغوروم بالإكتيوصورات الأخرى من مختلف الأعمار والسمات التشريحية، وكشفوا وجود ذروتين للنمو السريع حدثتا في وقت مبكر من التاريخ التطوري للمجموعة. يقول شميتز: "لقد ساعدنا ذلك في فهم أن حجم أجسام الإكتيوصورات تطورت بسرعة فائقة".

قارن شميتز وفريقه بين شجرتي عائلة الإكتيوصورات والحيتان، واستنتجوا أن الإكتيوصورات أصبحت عملاقة خلال الملايين الثلاثة الأولى من تاريخها البالغ 150 مليون سنة، بينما استغرقت الحيتان 45 إلى 50 مليون سنة من تاريخها التطوري البالغ 56 مليون سنة لتصل إلى أحجام أجسام مماثلة تقريباً.

يقول "بنجامين مون"، عالم الأحفوريات في جامعة بريستول في إنجلترا، والذي درس أيضاً تطور الإكتيوصورات: "تتفوق الإكتيوصورات دون شك في الوصول إلى هذا الحجم في وقت مبكر".

يعتبر سي. يونغوروم والإكتيوصورات الأخرى التي وجدت أحفورياتها بجانبه أكثر إثارة للإعجاب لأنه ظهر بعد فترة وجيزة من حدث انقراض جماعي، ذلك الذي قضى على 81% من جميع الأنواع البحرية منذ نحو 252 مليون سنة. لم تكن موجودة آنذاك العديد من العوالق النباتية والطحالب التي تغذي سلاسل الغذاء البحرية اليوم، ما يثير التساؤل حول الطريقة التي سمح فيها النظام البيئي بتطور مثل هذه الحيوانات المفترسة الكبيرة.

لحل هذا اللغز، قام الباحثون بمسح الأحفورات المعروفة من النظام البيئي الترياسي الذي ينتمي إليه سي. يونغوروم، وهو يشمل الإكتيوصورات الأصغر والأسماك والآمونيات الشبيهة بالحبار. استخدم الفريق نموذجاً حاسوبياً للتحقيق فيما إذا كان هناك ما يكفي من الطاقة لتطور سي. يونغوروم، بافتراض أن الحفريات الموجودة تمثّل السلسلة الغذائية القديمة.

يقول شميتز إنه من المدهش إلى حد ما أن الباحثين وجدوا أن النظام البيئي المحفوظ في السجل الأحفوري كان "مستقراً ويعمل بشكل جيد" بما يكفي للسماح بتطور عدد كبير من الزواحف البحرية الكبيرة. قد يكمن أحد الأدلة في حقيقة عدم وجود عدد كبير من أحافير الأسماك في المنطقة. يقول شميتز: "نحن نستثني عدة خطوات من تلك السلسلة الغذائية، لذلك [هناك] المزيد من النقل المباشر للطاقة حتى المستويات العليا منها".

اقرأ أيضاً: هل كانت الديناصورات أنواعاً اجتماعية؟

يقول شميتز إن الخطوة التالية هي استكشاف ما إذا كان حجم الجسم قد تغير بمرور الوقت بطرق مماثلة بين مجموعات أخرى من الحيوانات المنقرضة والحيوانية التي عادت إلى الماء، ومنها البليزوصورات والسلاحف.

يقول مون: "ما فعله الباحثون لمحاولة إعادة بناء هذا النظام البيئي هو أمر رائع للغاية"، ويضيف: "هذا مثير للاهتمام من وجهة نظر التساؤل ما إذا كان هناك ما يكفي من الطعام للسماح بتطور هذه الحيوانات التي تكبر وتتنوع".

وفقاً للباحثين، أحد الأسئلة الأخرى التي يجب الإجابة عنها في المستقبل هو مدى تأثير المتغيرات الأخرى مثل درجة الحرارة على نمو الإكتيوصورات.

المحتوى محمي