ما هي أهمية قشريات الكريل في الحلقة الغذائية لمخلوقات المحيط الأخرى؟

5 دقائق
ما هي أهمية قشريات الكريل في الحلقة الغذائية لمخلوقات المحيط الأخرى؟
تعيش مخلوقات الكريل في القطب الجنوبي حياة اجتماعية مذهلة. حقوق الصورة: ديبوزت فوتوز

تنجذب فقمة النمر ومجموعة كاملة من الحيوانات المفترسة البحرية الكبيرة الأخرى إلى المحيط الجنوبي للصيد. بشكل مباشر أو غير مباشر، فإن هذه الحيوانات تتغذى على قشريات الكريل، وهي قشريات صغيرة ولكنها وفيرة وترتبط بالقريدس. في الواقع، هناك ما يقرب من 85 نوعاً مختلفاً من الكريل منتشرة في جميع محيطات العالم. لكن ما يخطر في ذهن معظم الناس عندما يسمعون اسمه هو الكريل الذي يعيش في القطب الجنوبي. مقابل كل شخص على قيد الحياة اليوم، قد يكون هناك 10 آلاف من هذه المخلوقات في البحار الجنوبية شبه المتجمدة. على الرغم من أن حجم إحداها لا يتجاوز حجم إصبعك الصغير، إلا أنها مجتمعة تفوقنا عدداً وحجماً.

لماذا يُعد الكريل نوعاً رئيسيّاً؟

الكريل «نوع رئيسي» (keystone species) في المحيط الجنوبي. يُشتق هذا المصطلح البيئي من الدور الحاسم للحجر التويجي (keystone) المستخدم في بناء قمة الأقواس الحجرية، فإذا أزيل هذا الحجر، ينهار القوس. وكذلك الكريل بالنسبة للحيوانات التي تتشارك معها موطنها. من الأسماك إلى الحبار، ومن طيور البطريق إلى طيور القطرس، ومن الفقمة إلى الحيتان الكبيرة، يوجد الكريل في رأس القائمة. للعديد من هذه الحيوانات المفترسة نظام غذائي يحتوي على أكثر من 90% من الكريل في أوقات معينة من العام. إذا اختفى الكريل، فستختفي معه معظم الأنواع الأكثر شهرة وأهمية في القطب الجنوبي. بالنسبة للحيوانات المفترسة، فإن تغيير نظامها الغذائي إلى أنواع أخرى من الفرائس ليس خياراً ببساطة؛ فبدون الكريل، لن يعود النظام البيئي للقطب الجنوبي كما نعرفه اليوم: لن تعيش حيتان البالين ولا الفقمات أو طيور البطريق أو القطرس، ولا أي نوعٍ من الحيوانات التي تتغذى على الكريل.

الكثرة لا تعني الأمان

على الرغم من وفرتها، إلا أن قشريات الكريل في القطب الجنوبي قد تكون معرضة للخطر. منذ عشرين عاماً، على الجانب الآخر من الكوكب، أدى التغيير في الظروف المحيطية في بحر بيرنغ إلى تكاثر الطحالب بشكل هائل. إذاً تلك أخبار جيدة لهذه القشريات التي تأكل الطحالب؟ لا مطلقاً. في الحقيقة، كانت هذه الطحالب من الأنواع التي لا يفضلها كريل المحيط الهادئ المقيم، النوع الشقيق لكريل أنتاركتيكا؛ فلم تستطع أكلها. نتيجة لذلك، انخفضت أعدادها، وانخفضت معها أعداد هائلة من الطيور البحرية. واختفى سمك السلمون من الأنهار، وظهرت جثث الحيتان الهزيلة على الشواطئ. أعطت الآثار المدمرة لانخفاض الكريل في المحيط الهادئ لمحة عما يمكن أن يحدث إذا حدث الشيء نفسه للكريل في القطب الجنوبي.

اقرأ أيضاً: المنهج المتبع في حدائق الحيوانات والأحياء المائية يصب في مصلحة الحياة البرية

ومع ذلك، فهي مزدهرة في الوقت الحالي. عندما تتجمع في مجموعاتٍ كبيرة، يمكن رؤية تجمعات كريل القطب الجنوبي هذه من الفضاء. يمكن أن يغطي السرب العملاق مساحةً تزيد عن 100 ميل مربع من المحيط، ما يؤدي لتلون مساحات شاسعة من المياه السطحية باللون الوردي البرتقالي مع تجمعها بأعداد هائلة. يوفر التجمع للكريل بعض الحماية من الحيوانات المفترسة وقد يساعدها في الحفاظ على أعدادها. نظراً لكونها أثقل من المياه المحيطة، فإنها تبدأ في الغرق بمجرد توقفها عن السباحة. ولكن عندما تتجمع معاً، فإنها تنجرف مع التيارات الصاعدة التي تولدها حركة عدد لا يحصى من أطرافها الخافقة التي تدفع الماء للأسفل. وبذلك، فإن السرب هو في الأساس نظام دعم لحياة الكريل.

الكثرة لا تعني الأمان
بإذن من «هاتشت بوك جروب».

الكريل: مخلوقات اجتماعية

على الرغم من أننا غالباً ما ننظر إلى اللافقاريات على اعتبار أنها مخلوقات غريزية وفطرية، لا تملك أي ردود فعل باستثناء ردود الفعل الأساسية، إلا أن قشريات الكريل تحمل سمة أساسية تشترك فيها جميع الحيوانات الاجتماعية، بما في ذلك نحن، فهي تكره أن تكون بمفردها. إذا عُزلت، فإنها تبدي رد فعلٍ سيئ. من الصعب معرفة شكل الذعر في حيوان ليس له وجه، ولكن يمكننا قياس شيء مشابه له من خلال النظر إلى ما يجري داخل جسده. بما أن جسد الكريل شفاف إلى حد كبير، فمن الممكن القيام بذلك دون صعوبة كبيرة؛ إذ يمكننا أن نرى قلوب الكريل الصغيرة وهي تنبض. بعد فصل الكريل عن السرب، تتسارع نبضات قلبه. وتُظهر مخلوقات الكريل استجابة مماثلة إذا اكتشفت وجود الحيتان حولها. النبض المرتفع مؤشر أساسي على الإجهاد، لذلك من الواضح أنها تفضل البقاء مع بعضها بعضاً. 

نادراً ما تتحدث أفلام الطبيعة الوثائقية عن الكريل، ولكن عندما تفعل ذلك، فإنها تُظهره ككبش فداء. قد نرى لمحة سريعة عن هذه القشريات الصغيرة، والتي عادة ما يتم تصويرها على أنها غذاء إجباري عائم عندما تبتلعها الحيوانات البحرية الأكبر حجماً. بعبارة أخرى، فإن الكريل ليس أكثر من غذاءٍ للحيتان بالنسبة لمنتجي هذه الأفلام الوثائقية. لكن هناك ما هو أكثر من ذلك بكثير. لسبب واحد، إنها لن تكون سعيدةً باختفائها داخل بطن الحوت. على الرغم من برودة المياه الشديدة التي تعيش فيها، فإنها تبدي استجابة سريعة عند تعرضها للتهديد. لا يستغرق الحدث المهدد في محيط الكريل إلا نحو 50 مللي ثانية فقط لتحفيز استجابة الهرب لديها، وتلك الاستجابة أسرع من استجابة العداء الأولمبي عند سماعه صوت مسدس الانطلاق بمقدار الضعف. استجابة الهروب بحد ذاتها مثيرة؛ ففي الثانية الحاسمة الأولى بعد اكتشاف التهديد، قد يتحرك الكريل لمسافة تزيد عن متر. مرة أخرى، بالمقارنة مع عداء بشري، وبنسبة حجم الكريل إلى حجم العداء البشري، فهذا يعني أن الكريل سينهي سباق 100 متر في أقل من ثانيتين. مع قليل من التحذير، يمكن للكريل أن يراوغ حتى الحوت ويهرب من فمه الكبير.

ليست فريسة سهلة كما تصورها الأفلام الوثائقية

باختصار، اصطيادها ليس بالسهولة التي قد تتصورها، حتى بالنسبة لأكبر الأفواه على هذا الكوكب. تحدياً للفكرة الشائعة المتمثلة في قدرة الحيتان على جذب الكريل وابتلاعه ببساطة، أظهرت دراسة حديثة عن الحيتان الحدباء في الأيام التي لا تغيب فيها الشمس في صيف القطب الجنوبي الجهد الكبير الذي يتعين عليها بذلها كي تتغذى. كانت الحيتان تنقض على القشريات المحتشدة كل 15 ثانية أو نحو ذلك، دقيقة بعد دقيقة، وساعة بعد ساعة. مع كل امتلاء لفمها، تأسر عدداً من مخلوقات الكريل، ولكن الكثير منها يهرب بعيداً، ما يقلل من كمية الكريل التي تتناولها الحيتان. لذلك فإن إشباع الحيتان لشهيتها الهائلة عملٌ مجهد للغاية. 

ولكن على الرغم من أن الكريل ماهرةٌ جداً بالهروب، إلا أن احتشادها معاً هو ما يشجع الحيتان على تركيز انتباهها عليها. إذاً لماذا تتجمع بهذه الأعداد الهائلة؟  السبب هو أن العديد من الحيوانات المفترسة المختلفة تلاحق الكريل، وتجمّعها يوفر دفاعاً ممتازاً ضد معظمها. في الواقع، أي مفترس يعتمد -كما تفعل معظم المفترسات- على انتقاء فريسته بشكل فردي يواجه نوعاً من الحمل الحسي الزائد عندما يواجهه عدد لا يحصى من الكريل. 

غياب المفترس لا يعني ازدهار الفريسة

وهناك خدعةٌ أخرى في جعبة هذه القشريات الصغيرة. وفقاً لإحدى الروايات، إذا واجهت قشريات الكريل حيواناً مفترساً هائجاً، مثل سمكة أو بطريق، فإنها تتخلص من جلدها بشكلٍ عفوي. يتوقع المفترس أنها لحظة انتصاره، ولكن ما يحصل عليه ليس أكثر من قوقعة جوفاء من جسد الكريل، بينما الضحية المستهدفة تندفع بعيداً إلى بر الأمان. الميزة الفريدة الأخرى هي قدرة الكريل على إصدار ضوء من الخلايا الحيوية الموجودة على جوانبها السفلية. حتى الآن، لم يتضح بعد ما إذا كان هذا الأمر بمثابة وسيلة اتصال بين بعضها بعضاً أم أنه يستخدمها لإرباك المهاجمين بنبضات الضوء، أو ربما لإخفاء حدود سرب الكريل في أعماق المحيط عند مهاجمته من الأسفل. مهما كان السبب، فإن إصدار الضوء يضيف المزيد من الغموض حول هذه المخلوقات الصغيرة المذهلة.

اقرأ أيضاً: ما علاقة حجوم الحيوانات بطول عمرها؟

على الرغم من أن التفاعلات بين الحيتان والكريل تتناسب إلى حد كبير مع نمط العلاقة بين المفترس والفريسة، إلا أنها ليست علاقة وحيدة الاتجاه دائماً. للتوضيح، يمكننا النظر في كيفية تأثير صيد الحيتان على الكريل. قتل صائدو الحيتان نحو مليوني حوت في المحيط الجنوبي خلال 55 عاماً فقط، تحديداً بين عامي 1915 و1970. في معظم الشبكات الغذائية، عندما تزيل حيواناً مفترساً رئيسياً، فسوف تزدهر الفريسة. لكن هذا لم يحدث لكريل أنتاركتيكا. وفقاً لبعض التقديرات، انخفض عدد الكريل جنباً إلى جنب مع انخفاض أعداد الحيتان. إن كون الكريل طعاماً للحيتان يمكن أن يساعده على الازدهار، وهذا قد تفسير هذه العلاقة الغريبة.   تأكل الحيتان كمية هائلة من الطعام؛ فالحيتان الزرقاء تأكل نحو 4 أطنان يومياً، وما يدخل في جوفها يجب أن يخرج منها. عادة ما تتغوط الحيتان بالقرب من سطح البحر. إذا كنت قد تساءلت يوماً كيف تبدو قاذورات الحوت، يمكنني أن أخبرك: فمخلفاتها ليست قطعاً كبيرة بحجم الحوت، ولكنها أقرب إلى كتلة من الملاط التي تنتشر عبر رقعةٍ واسعة.  لقد عرفت هذا وأنا أشاهده من القارب. لقد شعرت بمزيج غريب من البهجة والرعب عندما غمرت إحدى هذه البقع العملاقة من براز الحيتان زميلاً لي في الغطس. على أية حال، فإن القطع الصغيرة الموجودة داخل هذه الرقعة الرهيبة تطفو وتبقى بالقرب من سطح الماء. روث الحوت غني بالعناصر الغذائية، مثل الحديد والفوسفور والنيتروجين، حيث يُعتبر بدوره غذاءً للنباتات الدقيقة -العوالق النباتية- والتي تأكلها الكريل بدورها. لذا فإن الحيتان والكريل مرتبطان في دورة بيئية، ونجاح أحدهما يدعم الآخر.

المحتوى محمي