كيف تحتال الطيور الطفيلية على الطيور المضيفة وتجبرها على تربية صغارها؟

7 دقيقة
إذا نجح أحد أنواع طفيليات الأعشاش في وضع بيوضه في عش نوع آخر، قد يؤدي ذلك إلى نشوء صغار مختلفين للغاية عن الأم بالتبنّي.

تربية الطيور الصغيرة قد تكون مجهدة للغاية بالنسبة للطيور البالغة، إذ إنها تتطلب الطيران ذهاباً وإياباً لجلب اليرقات والحشرات إلى عش مليء بالصغار المتطلبين. لكن بعض الطيور تستطيع الامتناع عن رعاية الصغار مباشرة مع ضمان أن تحصل على الرعاية التي تحتاج إليها. تضع هذه الطيور بيوضها في أعشاش طيور أخرى تتبنى الصغار دون علمها وتغذيها وتحميها كما لو كانوا صغارها.

يلجأ نحو 1% فقط من أنواع الطيور إلى هذه الطريقة الماكرة في تخطيط الأسرة، التي تحمل اسم "تطفّل الأعشاش الإجباري"، ولكنها تطورت على الأقل سبع مرات منفصلة في تاريخ الطيور وهي طريقة حياة لما لا يقل عن 100 نوع. بما أن بعض متطفلات الأعشاش يعتمد على العديد من أنواع الطيور لتربية الصغار بالتبنّي، يرعى أكثر من سُدس أنواع الطيور في العالم صغاراً ليست من نسله في مرحلة ما من حياته.

اكتسبت هذه الطيور الطفيلية طرقاً مبتكرة لخداع المضيفين على مدى آلاف السنين، واكتسبت الطيور المضيفة طرقاً ذكية بالقدر نفسه لحماية نفسها وعائلاتها. تنخرط الطيور في كل مرحلة من مراحل التعشيش في لعبة خداع تنطوي على اكتساب الألوان والأصوات واتباع سلوكيات معينة.

يقول عالم البيئة السلوكية في جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز، بروس لايون، الذي يدرس البط الأسود الرأس (Heteronetta atricapilla)، وهو النوع الوحيد من البط الذي يتبع سلوك تطفل الأعشاش الإجباري: "تختلف السلوكيات كثيراً تبعاً للنوع، ونرصد دائماً نوعاً من الطيور يتّبع طريقة مختلفة قليلاً للتطفل".

على الرغم من أن العلماء يجهلون الكثير عن هذا النوع من التطفل، فهم يكتشفون دائماً أدلة تبيّن مدى شدة هذا الصراع التطوري.

اكتسب بعض طفيليات الأعشاش القدرة على تقليد شكل الحيوانات المفترسة، ما قد يخيف الطائر المضيف ويدفعه للطيران بعيداً وترك العش دون حماية من الدخلاء. ريش هذا الوقواق الطفيلي (على اليسار) شبيه للغاية بريش الباشق الأوراسي (على اليمين)، الذي يفترس طيور الغابات. حقوق الصورة: توم موراي (على اليسار)، تاتيانا فيسوتسكايا (على اليمين)/موقع آي ناتشورالست (iNATURALIST)

اقرأ المقال: دراسة جديدة تكشف القدرة الكبيرة على التكيف لدى بعض أنواع الطيور

من التقليد إلى القتل

اختراق عش طائر آخر هو الخطوة الأولى التي يأخذها الطفيلي. ويفعل الطائر الطفيلي ذلك أحياناً من خلال الخداع. على سبيل المثال، اكتسبت إناث طائر الوقواق الشرشور (Anomalospiza imberbis) شكل طيور غير ضارة وغير طفيلية تعيش في المنطقة نفسها، ما يُتيح لها التسلل إلى أعشاش الطيور المضيفة دون أن تنكشف. يتبع طائر الوقواق الشائع (Cuculus canorus) طريقة أخرى؛ إذ إنه اكتسب القدرة على تقليد شكل أحد الطيور الجارحة المفترسة، ما يمكّنه من تخويف إناث الطيور من النوع المضيف التي تطير بعيداً وتترك أعشاشها.

أحياناً، تتأخّر الطيور الطفيلية وتعجز عن العثور على أعشاش تضع بيوضها فيها؛ إذ تكون البيوض في العش جاهزة تقريباً لتفقس، أو تكون فقست بالفعل. في هذه الحالة، قد ترمي هذه الطيور فراخ النوع المضيف خارج العش، وقد تخرّب العش أحياناً. يمكن أن يدفع ذلك الطيور المضيفة إلى بناء عش جديد، ما يمنح الطفيلي فرصة جديدة للتطفل على هذه الطيور.

اكتشف العلماء بعض الأدلة على هذه الاستراتيجية، التي تحمل اسم "الاستزراع" لأن الطيور "تستزرع" أعشاشاً جديدة، ولكنهم رصدوا مؤخراً الطيور الطفيلية مباشرة وهي تتطفل على الأعشاش الجديدة أيضاً.

أجرى عالم الطيور، جينغانغ جانغ، دراسة طويلة الأمد على طيور الحميراء الشرقية (Phoenicurus auroreus) في شمال شرق الصين. اعتنى طيران من هذا النوع بأسرة مكونة من سبعة أفراد في أحد صناديق التعشيش، وعندما كان عمر الصغار خمسة أيام فقط، ظهر طائر الوقواق الشائع وألقى بالمواليد الجدد إلى حتفهم في أقل من دقيقة. يقول جانغ: "فوجئت وشعرت بالارتباك". بعد يومين، بنى الوالدان من نوع الحميراء الشرقية عشاً جديداً على بُعد نحو 4 أمتار من العش القديم، ووضع الوقواق إحدى بيوضه في هذا العش. وفقاً لجانغ، الذي نشر ورقة بحثية عن هذا الرصد مؤخراً في مجلة علم البيئة والتطور (Ecology and Evolution)، كانت هذه أول مرة يوثّق فيها العلماء استزراع صغار الطيور بالكاميرا.

اكتسبت الطيور المضيفة استراتيجيات للدفاع عن أعشاشها وصغارها؛ إذ يثبت بعضها في مكانه ويحرس العش، بينما قد يهاجم البعض الآخر الدخيل، كما أن الطيور الهازجة الصفراء تُطلق نداءً فريداً من نوعه يحذّر الطيور القريبة من وجود طفيلي في الجوار.

مقطع الفيديو: تتمتّع طيور أبو الحنّاء الأميركي الشمالي بقدرة استثنائية على تمييز بيوضها؛ إذ إنها تتخلص من البيوض التي لا تعود لها، وهي آلية دفاعية تظهر في هذا الفيديو القصير. حقوق الفيديو: أناليا لوبيز

قد يحاول بعض الطيور المضيفة الوقاية من خطر الطيور الطفيلية. تعتقد عالمة البيئة السلوكية في جامعة ميلبورن، إليانا ميدينا غوزمان، أن الضغط التطوري الذي تمارسه الطفيليات دفع بعض الطيور المضيفة، مثل شوكي المنقار الأصفر الردف (Acanthiza chrysorrhoa)، إلى التكاثر في وقتٍ أبكر من العديد من أقرانه، ما يمكّنه من التكاثر في فترة مختلفة عن فترة تكاثر الأنواع التي تتطفل عليه.

يقول جانغ إن التكاثر في وقتٍ أبكر ربما حفّز تطوّر سلوك الاستزراع الطفيلي لدى الطيور باعتباره استراتيجية مضادة لوجود الأعشاش الممتلئة بالبيوض بالفعل.

اقرأ أيضاً: تعرف إلى اللغز الوراثي الذي يتسبب في اكتساب الطيور الطنانة ألوانها الزاهية

البيوض المقلدة وكشف الدخلاء

عندما يتمكن الطفيلي من الوصول إلى عش عائلة أخرى، فإنه يدفع عادة بيضة أو اثنتين من بيوض المضيف خارج العش لإفساح المجال لبيضته. وفي حين أن عملية وضع البيوض لدى الطيور غير الطفيلية تستغرق نحو 20 دقيقة، فإن الطيور الطفيلية مثل طيور الوقواق ومرشدات العسل تضع بيوضها بسرعة أكبر. تقول عالمة البيولوجيا التطورية في جامعة سيدني، روزالين غلوغ: "تنقضّ هذه الطيور على العش وتضع بيضة خلال 3 ثوانٍ فقط". اكتسب بعض الطفيليات أيضاً بيوضاً تتمتّع بقشرة أكثر سماكة وأقل عرضة للتشقق عند وضعها على عجل.

هناك أيضاً طيور طفيلية تتخذ إجراءات إضافية لتضمن ألّا تكتشف الطيور المضيفة بيوضها وتمتنع عن الرقود عليها. تتمتّع هذه الطيور ببيوض يشبه شكلها شكل بيوض الطيور المضيفة. تنتقل سمة لون البيوض هذه من الأمهات إلى صغارهن الإناث في بعض أنواع الطيور، مثل طيور وقواق الشرشور. تضع إناث هذا النوع بيوضاً لها شكل البيوض التي وضعتها أمهاتها. يضع بعض الإناث من هذا النوع بيوضاً زرقاء اللون ومرقطة باللون البني، بينما يضع بعضها الآخر بيوضاً مبقّعة بالأحمر، ويعتمد ذلك على العش المضيف الذي نشأت فيه.

مع ذلك، يقول عالم الطيور في مركز الدراسات العليا في جامعة سيتي في مدينة نيويورك، مارك هاوبر، إن هذه الحيل لا تنجح دائماً. بحث هوبر منذ زمنٍ طويل في الأسباب التي تجعل بعض الطيور أمهر في تمييز بيوض الطيور الطفيلية، وتشير البيانات التي جمعها إلى أن بعض الطيور المضيفة تضع بيوضاً تتمتّع بألوان وأحجام غير اعتيادية.

أتقنت طيور مضيفة أخرى، مثل طيور الحبّاك والطيور المغردة، وضع البيوض المرقطة بألوان تتميّز بأنماط وخطوط فريدة يبدو تقليدها مستحيلاً ويسهل تمييزها عن بيوض الطيور الطفيلية.

يقول هاوبر: "تتمتّع هذه العلامات، هذه العشوائية في التبقّع، بأنماط متسقة أكثر مع بيوض النوع المضيف نفسه". هذه الأنماط دقيقة للغاية لدرجة أن هاوبر لم يتمكّن من محاكاتها في مختبره على الرغم من أنه صنع المئات من البيوض المرقطة اصطناعياً.

تبدو بيوض الطيور الطفيلية مختلفة للغاية عن بيوض الطيور المضيفة غالباً، كما تبين هذه الصورة التي تحتوي على بيوض شحارير البقر المرقطة بين مجموعة من بيوض طيور أبو الحنّاء الأميركي الشمالي (على اليسار). لكن تمييز بيوض شحارير البقر عن بيوض طيور قبرة المروج (على اليمين) أصعب. حقوق الصورة: مارك هاوبر (الصورة على اليسار)، سارة وينيكي (الصورة على اليمين).

يشير بحث جديد أجراه هاوبر إلى أن الطيور الأكبر سناً التي تتمتع بخبرة أكبر في التكاثر أمهر من الطيور الأصغر سناً في التمييز بين بيوضها والبيوض الدخيلة. وضع هاوبر بيوضاً اصطناعية مصنوعة بتقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد في أعشاش طيور أبو الحنّاء الأميركي الشمالي (Turdus migratorius)، وكانت البيوض مطلية باللون الأزرق المخضر أو بظلال اللونين الرملي والبني التي تتمتّع بها بيوض شحارير البقر الطفيلية. أفاد هاوبر وزملاؤه عام 2023 بأنهم لاحظوا بالمراقبة أن الطيور المضيفة تستطيع التعلم واكتساب مهارة إزالة البيوض الدخيلة من أعشاشها.

اقرأ أيضاً: الطيور الآكلة للفواكه تؤدي دوراً بالغ الأهمية في استصلاح الغابات الاستوائية

التفوق على المنافسة

بمجرد وضع البيوض بأمان في العش، تفقس بيوض العديد من أنواع الطفيليات قبل بيوض الطيور المضيفة، ما يمنح الغزاة الأفضلية.

على سبيل المثال، تفقس طيور الوقواق البرونزية الأسترالية قبل يومين وتخرج من بيوضها وهي تبدو تماماً مثل الطيور الأخرى في العش (وذلك إن لم ترمِ الطيور الطفيلية بيوض المضيف من العش في المقام الأول). لا تُثير هذه الطيور أي شكوك عادة.

مع ذلك، لا تحتاج أغلبية أنواع الطيور إلى خداع الطيور المضيفة بالسمات الدقيقة المتعلقة بالشكل. تقول غلوغ إن الطريقة الأساسية التي تتعرف وفقها الطيور على صغارها هي أنها "ترى أن الصغار في عشها. كيف تعجز هذه الطيور عن تمييز الصغار الدخلاء؟ إن حجم هذه الصغار أكبر بخمس مرات من حجمها!".

يخدع الصغار الطيور المضيفة لإطعامها أكثر من أشقائها، وهذه هي الأفضلية الحقيقية التي تتمتّع بها. تقول غلوغ إن السيناريو الأكثر فائدة للنوع في عش يحتوي على طيور تقرب بعضها جينياً هي أن يبقى الجميع على قيد الحياة؛ إذ إن تمتّع الكائنات بجينات مشتركة يعني أن الأفراد يميلون لأن يكونوا غير جشعين. لكن الأمر مختلف في حالة الطفيليات التي تشارك العش مع طيور غريبة عنها تماماً.

تقول عالمة الطيور وطالبة الماجستير في جامعة ولاية ساو باولو في البرازيل، رافاييلا فيتي فيرنيدا، إن التظاهر بالجوع الشديد والبكاء والتوسل بكثرة هو استراتيجية ناجحة في استغلال مجموعة كبيرة من أنواع الطيور الأخرى.

أمضت فيرنيدا عامين في البحث فيما إن كانت طيور السمنة السوداء (Turdus leucomelas) تدرك أنها تغذي صغار شحارير البقر اللمّاعة (Molothrus bonariensis). توقعت فيرنيدا أن هذه الطيور قادرة على تمييز صغارها. ولكنها فوجئت عندما كشفت أدلة تناقض ذلك. أفادت فيرنيدا في يونيو/حزيران 2024 بأن صغار شحارير البقر الطفيلية حصلت على الطعام بسرعة أكبر ووتيرة أعلى من صغار السمنة السوداء، التي لم يحاولوا حتى التوسل للحصول على الطعام بالشدّة التي توسل فيها الصغار الدخلاء. تقول فيرنيدا إن السلوك الدرامي الذي اتبعه صغار شحارير البقر اللماعة، الصراخ المفرط والتوسل وإمالة الرأس، ربما هو الذي يُكسب هذا النوع القدرة على التطفل على مجموعة واسعة من الأنواع المضيفة دون اكتساب شكل تخصصي أو أصوات تخصصية.

على الرغم من أن سلوك التطفل هذا قد يبدو فظيعاً، فإنه ليس مضراً للغاية للأنواع المستغلَّة. يقول ويليام فيني، عالم البيئة السلوكية في معهد محطة دونيانا البيولوجية في إسبانيا والمؤلف المشارك لورقة بحثية عن التطور المشترك للطفيليات ومضيفيها نشرتها مجلة المراجعة السنوية لعلم البيئة والتطور والنظاميات (Annual Review of Ecology, Evolution, and Systematics): "الطفيليات مزعجة للغاية وقد تُفشل محاولات تكاثر المضيف، لكن الطيور تُصاب بهذه الطفيليات أكثر من مرة في حياتها".

العلاقة بين شحارير البقر والسمنة، أو مرشدات العسل والسنونو، أو الوقواقيات ومضيفيها العديدين والمتنوعين، هي علاقة متغيرة باستمرار. تخوض الطفيليات حرباً تطورية طويلة مع الكائنات المضيفة، أي أن ما يرصده العلماء الآن ليس سوى لقطة سريعة في معركة طويلة الأمد. في مرحلة ما من هذه المعركة، اكتسبت الطيور سلوكيات وسمات تحقق التوازن، وهي آليات وتنازلات تتيح لكل من المضيف والطفيلي البقاء.

المحتوى محمي