تعرف على الحالة الغريبة للقطط البرية المهددة بالانقراض وشجرة الفاكهة المختفية

4 دقائق
تعرف على الحالة الغريبة للقطط البرية المهددة بالانقراض وشجرة الفاكهة المختفية
حملت إعادة إدخال الوشق الإيبيري إلى مناطق في البرتغال وإسبانيا آثاراً غير متوقعة على الكمثرى الإيبيرية.

إنها قصة مألوفة لأي شخص مهتم بمصير الحياة البرية في العالم: إعادة إدخال الحيوانات المفترسة مثل الذئاب والقطط المفترسة إلى الحياة البرية أمر مهم جداً لاستعادة النظم البيئية البرية. قد يكون المثال الأشهر على ذلك إعادة الذئاب الرمادية إلى متنزه يلوستون الوطني عام 1995 وما تلاه من تأثيرات متعاقبة على الأنواع الأخرى، بما في ذلك تأثيرها على النباتات. أجبرت عودة الذئاب إلى مناطق معينة بعد 70 عاماً من غيابها قطعان الأيائل على الانتقال مرة أخرى، ما أعطى بدوره فرصة لأشجار الصفصاف والحور التي كانت تقتات عليها الأيائل بشكلٍ جائر للنمو والازدهار مرة أخرى، ما وفّر بدوره موارد كافية من العيدان وجذوع الأشجار للقنادس لبناء مستعمراتها، الأمر الذي أدى لعودة أعدادها إلى الارتفاع تلقائياً وزيادة مستعمراتها من 8 مستعمرات عام 1953 إلى 100 مستعمرة اليوم.

إنها قصة جميلة عن مرونة الطبيعة بلا شك. ولكن كما تعلّم علماء الأحياء الآن، فإن إعادة إدخال الحيوانات المفترسة الرئيسية إلى النظم البيئية التي غابت عنها لأجيال عدة يمكن أن تؤثر على الأنواع الأخرى بطرق غير متوقعة وربما تكون نتائجها سيئة.

الكمثرى الإيبيرية والوشق الإيبيري

لنأخذ على سبيل المثال الكمثرى الإيبيرية، وهي شجرة صغيرة مقاومة للحرارة والبرودة توجد فقط في إسبانيا والبرتغال والمغرب، وهي مناطق غنية بالتنوع البيولوجي النباتي. تنمو أنواع الكمثرى الإيبيرية حتى ارتفاع 10 أمتار، وتحمل ثماراً مستديرة صغيرة وصلبة جداً قبل نضجها لدرجة أن الرعاة استخدموها كمقذوفاتٍ بدلاً عن الحجارة في مقاليعهم. وفقاً للقائمة الحمراء للأنواع المهددة والمعرضة للخطر الصادرة عن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة والموارد الطبيعية، تعتبر الشجرة مستقرة، ولكن أعدادها تتناقص مع تجمّعات "مجزأة بشدة" بسبب التنمية الزراعية.

اقرأ أيضاً: الباندا لم تعد مهددة بالانقراض، لكن مشكلاتها لم تنته بعد

أعيد إدخال الوشق الإيبيري، وهو نوع من السنوريات المستوطنة في شبه الجزيرة الإيبيرية، إلى عدة مناطق في إسبانيا والبرتغال في السنوات الأخيرة. ألهمت نتائج إعادة الذئاب الرمادية إلى حديقة يلوستون فضول الباحثة في علم البيئة بجامعة راي خوان كارلوس في مدريد، تامارا بورغوس، لمعرفة كيف أثّرت عودة الوشق الأيبيري على الكمثرى على الجانب الإسباني من الحدود. تعلم بورغوس من دراسة أجراها زملاؤها عام 2009 أن هذه الأشجار تعتمد على الثدييات الصغيرة، مثل الثعالب والغرير، لنشر بذورها. حيث تأكل هذه الحيوانات الثمار الناضجة ثم تطرح البذور لاحقاً على مسافةٍ بعيدة بعض الشيء غالباً، لتنشر بذلك بذور الكمثرى إلى مناطق جديدة. قامت بورغوس وزملاؤها بنصب الكاميرات للمراقبة في متنزه سييرا دي أندوجار الطبيعي، أحد أكبر المناطق المحمية المتبقية للوشق الإيبيري. وضع الفريق بعض الكاميرات في مناطق تواجد الوشق وبعضها الآخر في المناطق التي لا يتواجد فيها لمعرفة ما إذا كان وجود الوشق يؤثر على مكان ووقت وكيفية تغذية الثعالب الحمراء والغرير الأوراسي وخزّ الزان على ثمار الكمثرى الإيبيرية في المنطقة.

شجرة كمثرى ايبيرية صغيرة ومورقة في الطبيعية المفتوحة مع حفرة قليلة العمق تحتها.
ربما يساعد حيوان الغرير على انتشار شجرة الكمثرى الإيبيرية (من المحتمل أن تكون الحفرة الموجودة تحتها بمثابة مكان تقضي فيها الثدييات حاجتها). تامارا بورغوس

نثر الفريق ثمار الكمثرى الإيبيرية تحت الأشجار المثمرة، وقاموا بمراقبة المواقع بالكاميرات لمعرفة تواتر زيارة هذه الحيوانات التي تنشر البذور ومقدار الثمار التي تأكلها والمدة التي تقضيها في البحث عنها. في داخل مناطق تواجد الوشق الإيبيري، كان الثعلب الأحمر يزور المواقع بتواتر أقل، ويأكل كمياتٍ أقل من الثمار، ويبحث عنها بكفاءةٍ أقل. بينما لم يظهر خزّ الزان في المواقع المرصودة على الإطلاق، وبدا أن حيوانات الغرير لم تتأثر مطلقاً. بالمقابل، كانت الحيوانات تزور مواقع الكمثرى الإيبيرية خارج مناطق تواجد الوشق الإيبيري، في منطقة الدراسة بأكملها، تمت 70% من زيارات الثعالب و100% من زيارات خزّ الزان لأشجار الكمثرى خارج نطاق تواجد الوشق.

اقرأ أيضاً: شاهد مجموعة من صور الماكرو تكشف روعة الحشرات والخطر الذي يهددها بالانقراض

خلصت بورغوس وزملاؤها إلى أن الوشق دفع هذه الحيوانات آكلة اللحوم إلى البقاء في حالة من التنقل ومن المحتمل أن ذلك أثّر على انتشار بذور الكمثرى.

تقول بورغوس: «كانت نتائجنا مثيرة للاهتمام حقاً. لا نعتقد أن للحيوانات آكلة اللحوم أي تأثير على النباتات لأنها تعيش على افتراس الحيوانات الأخرى. ولكن هذه الحيوانات مهمة جداً للنباتات في العديد من النظم البيئية مثل هذا النظام البيئي. تتمثل الخطوة التالية في معرفة كيفية تأثير وجود الوشق على انتشار الكمثرى، وهي ديناميكية يمكن أن تكون لها آثار على جهود استعادة الكمثرى الإيبيرية».


تقول بورغوس إنه في حين أن مواقع الدراسة كانت في مناطق الوشق حيث لم تكن هناك حاجة لإعادة إدخاله، فإن سلوكيات ناشري البذور تشير إلى أنه قد يكون هناك تأثير مماثل في المناطق التي أعيد إدخال القطط البرية إليها.

يتداخل موطن الوشق في شبه الجزيرة الإيبيرية بشكل أساسي مع الملكيات الخاصة، لذلك، كان على بورغوس اعتماد بعض الأساليب غير العادية للوصول إلى مناطق الدراسة. تقول بورغوس عن المزارعين وملاك الأراضي الآخرين في المنطقة: «كان علينا أن نتوصل إلى اتفاق معهم، لأنهم اضطروا إلى السماح لنا بالعمل داخل ممتلكاتهم. كان ذلك الجزء الأصعب من الدراسة في الواقع، كان هناك العديد من الاجتماعات على العشاء وفي الحانات. لقد استغرق بناء علاقة طيبة مع المزارعين سنة كاملة».

عوامل أثرت في سلوك الوشق

يصف عالم البيئة في جامعة أوريغون، بيل ريبل، الدراسة التي تم تمكينها من خلال الاتفاق مع المزارعين بأنها "مبتكرة"، وتشجع المزيد من الخبراء في هذا المجال على استكشاف هذه الأنواع من التأثيرات. ولكن ريبل، وبصفته مؤلفاً مشاركاً في دراسة تمت عام 2012 حول "الاستعادة التلقائية" للنظم البيئية في يلوستون بعد إعادة إدخال الذئب الرمادي إليها، يحذر من أن هناك عوامل أخرى ربما أثرت على سلوك التغذية في نطاق تواجد الوشق، مثل النشاط البشري أو وجود الذئاب التي تعيش في محمية سييرا دي أندوجار أيضاً.

يقول ريبل: «لقد أثارت هذه الدراسة اهتمامي حقاً، ولكن أود التأكيد على أن الطبيعة معقدة أكثر مما نتصور. نحن لا نعرف إلا القليل عنها، لذلك يجب أن نكون متواضعين».

لقد ركز علماء البيئة والأحياء في الماضي بشكل أساسي على كيفية تأثير عودة الحيوانات المفترسة على أعداد الفرائس. يقول ريبل: «ولكن العلماء بدأوا يدركون الآن أن تأثير ذلك على سلوكيات الحيوانات يستحق نفس القدر من الاهتمام. يجب النظر إلى التأثيرات السلوكية على قدم المساواة أو حتى أكثر من تأثير معدل موت الفرائس. وهذه الدراسة بلا شك تسلّط الضوء على سلوكيات الخوف لدى الحيوانات».

تقول بورغوس إنها تخطط لمواصلة دراسة كيفية تأثير عودة الوشق على الكمثرى وخز الزان والأنواع أخرى. وتأمل أن تلهم نتائجها علماء البيئة الآخرين لدراسة الآثار المعقدة وغير المتوقعة أحياناً لعودة الحيوانات المفترسة التي غابت لفترة طويلة عن موطنها الأصلي. وتوضح أن فهم كيفية تأثير عودة أحد الأنواع على الأنواع الأخرى يمكن أن يساعد أيضاً مديري الحياة البرية على تحسين برامج إعادة التوطين.

وتضيف أخيراً: «الوشق من الأنواع الجذابة للغاية، لكن يجب علينا التفكير في بقية الأنواع في النظام البيئي».

المحتوى محمي