كيف تساعد ممارسات السكان الأصليين الزراعية في حماية المحار الملزمي من تحمض المحيطات؟

4 دقائق
كيف تساعد ممارسات السكان الأصليين الزراعية في حماية المحار الملزمي من تحمض المحيطات؟
تلفت الزوارق وراكبوها الانتباه إلى تحمض المحيطات خلال مظاهرة بالقرب من هومير في ألاسكا. مع ارتفاع حموضة مياه البحر، يكافح المحار الملزمي والأنواع الأخرى من المحار للنمو والبقاء. الصورة: سكوت ديكرسون/ديزاين بيكس إنك/ ألامي ستوك فوتو

المد منخفض في هذا الوقت في خليج بوديغا شمال سان فرانسيسكو في كاليفورنيا، وهانا هينسل تغوص عميقاً في المياه الموحلة بحثاً عن المحار الملزمي (Clam). تنتشر هذه الرخويات المفصلية في كل مكان، تحفر وتستقر في الرواسب، وتقوم بتصفية مياه البحر لتتغذى على العوالق. لكن هينسل لا تبحث عن هذه الرخويات ذات المصراعين الحية، بل عن الميتة منها في قاع البحر الطيني.

تتذكر قائلة: «لقد فقدت حذاء أو اثنين في هذه المياه الموحلة، إنها عميقة ويمكن أن تغوص قدماك فيها».

تدرس هينسل، وهي مرشحة لنيل درجة الدكتوراة من جامعة كاليفورنيا في ديفيس، الأصداف، والتي تتكون من كربونات الكالسيوم التي تتمتع بخاصية تعديل الحموضة، وذلك كوسيلة يمكن أن تساعد يوماً ما الأنواع الصدفية في البقاء في محيطات العالم التي تزداد حموضتها بسرعة يوماً بعد يوم.

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى أوجه التشابه بين دماغ الأخطبوط ودماغ الإنسان

ممارسات السكان الأصليين والحفاظ على المحار

ألهمت ممارسات زراعة الحدائق البحرية التي يقوم بها السكان الأصليون هينسل بحثها. كانت الشعوب القديمة والمجتمعات القبلية التي عاشت على الشواطئ من ألاسكا وحتى ولاية واشنطن تبني مصاطب محاطة بجدران صخرية في منطقة المد والجزر لتعزيز نمو المحاريات واللافقاريات الأخرى فيها. على الرغم من عدم توثيق مثل هذه الحدائق البحرية أبعد إلى الجنوب، فإن المحار الملزمي كان مصدراً مهماً للغذاء في وسط كاليفورنيا.

يقول عالم الآثار في جامعة كاليفورنيا سانتا كروز، والعضو في جمعية اتحاد الهنود في غراتون رانشيريا، تسيم شنايدر: «كان سكان ساحل ميوك وجنوبي بومو الأصليون يجمعون المحار الملزمي للتغذية، وقد صنعوا منها أيضاً النقود الصدفية، لذلك كانت العناية بحدائقه بالنسبة لهم أشبه بحماية الخزينة أو البنك في الواقع».

كان القائمون على حدائق الأصداف البحرية في إقليم شمال غرب المحيط الهادئ يسحقون الأصداف التي يجمعونها ثم يقومون بخلطها بالرواسب على الشواطئ، وقد أظهرت الأبحاث الحديثة أن لبقايا هذه الأصداف المسحوقة العديد من الآثار الإيجابية؛ إذ تزيد من مسامية الرواسب في قاع البحر، ما يسهل على المحار الملزمي اختراقها والنمو فيها بسهولة أكبر، كما تطلق موادَّ كيميائية تشجّع يرقاتها على الاستقرار بالقرب منها.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثّر إنشاء محميات بحرية على الأسماك في المناطق المجاورة؟

تحمض المحيطات: أزمة جديدة تواجه المحار

يمكن لهذه الممارسة التي تعود إلى آلاف السنين أن تكون حلاً لأزمة جديدة. في الوقت الذي يحرق فيه البشر الوقود الأحفوري، تمتص المحيطات ثاني أوكسيد الكربون الناتج من الغلاف الجوي، ما يزيد من تحمض مياه المحيط. عندما تزيد الحموضة، يجد المحار الملزمي وغيره من أنواع المحار صعوبة في بناء صدفاته؛ حيث تضعف وتتفكك وتصبح المحارات عرضة للتلف والافتراس. لكن الدراسات تشير إلى أن إضافة شظايا الأصداف إلى الأحواض التي ينمو فيها المحار الملزمي يمكن أن تطلق كربونات الكالسيوم في الماء، الأمر الذي من شأنه تحييد الحموضة الناتجة عن غازات الدفيئة.

للتحقق مما إذا كانت شظايا الأصداف يمكن أن تساعد المحار الملزمي بكاليفورنيا في البقاء في ظروف مياه المحيط التي تزداد حموضتها، جلبت هينسل أصدافاً من الشاطئ الذي يغطيه المد إلى المختبر، وقامت بسحقها وخلطت الشظايا الناتجة في أربعة دلاء بلاستيكية من الرمل. ملأت هينسل هذه الدلاء الأربعة، بالإضافة إلى 4 دلاء أخرى تحتوي على الرمل فقطـ بمياه البحر المحلية، وأضافت إليها جميعاً مجموعة من صغار محار البطلينوس الباسيفيكي (Pacific littleneck clams) التي يصل حجمها إلى حجم ظفر اليد كانت قد جمعتها من خليج بوديغا.

وقد قامت هينسل بإشباع مياه البحر في نصف الدلاء بثاني أوكسيد الكربون لزيادة حموضتها لأن صغار المحار، مع صدفاتها الهشة، معرضة بشكل خاص للتحميض.

ممارسات زراعة الحدائق البحرية التقليدية قد تساعد في حماية المحار من تأثير حموضة المحيطات
في المختبر، تقوم هانا هينسل بإشباع مياه البحر بغاز ثاني أوكسيد الكربون في الأحواض التجريبية للمحار الملزمي لاختبار ما إذا كانت إضافة شظايا الأصداف إلى الرواسب يمكن أن تحمي صغار البطلينوس الباسيفيكي من الظروف الحامضية. الصورة تقدمها هنا هنسيل.

استخرجت هينسل جميع المحارات من الدلاء بعد 90 يوماً، وبمقارنة الدلاء التي تحتوي على المزيد من مياه البحر الحمضية، لاحظت هينسل أن المحار الملزمي الذي نما في الدلاء التي تحتوي على رمل مخلوط بشظايا أصداف المحار قد نما بشكلٍ أكبر من المحار الذي نما في الرمل لوحده. مع ذلك، لاحظت هينسل أن المحارات الأكبر لم تكن أثقل وزناً، لذلك تخطط لدراسة مقاطع عرضية من المحار لاكتشاف ما إذا كانت النموات الجديدة أقل كثافة أو ثخناً.

اقرأ أيضاً: ما الذي يعنيه تكيف أسماك القرش للعيش بالقرب من المدن؟

شظايا الأصداف والتخفيف من تحمض المحيطات

تقول عالمة البيئة البحرية في جامعة سيمون فريزر في كولومبيا البريطانية، ليا بينديل، والتي لم تشارك في الدراسة: «تظهر النتائج للباحثين أن لشظايا الأصداف تأثيراً مخففاً للحموضة في ظروف معينة»، وتضيف: «لقد كانت تجربة معملية ناجحة».

تدرس بينديل أيضاً الأثر المخفف للحموضة لشظايا الأصداف المضافة. بالتعاون مع قبيلة (Tsleil-Waututh Nation) التي تعيش في كولومبيا البريطانية، قامت بينديل وطالبة الدراسات العليا بريدجيت دويل بإضافة شظايا الأصداف إلى أحواض المحار الملزمي في منطقة بوراد إنليت الواقعة بالقرب من فانكوفر في كولومبيا البريطانية.

في هذه الدراسة، قللت شظايا المحار من تقلبات الحموضة في مياه البحر التي تتخلل الرواسب، والتي يمكن أن تختلف بشكل ملحوظ مع ارتفاع وانخفاض المد. على الرغم من أن الأثر المخفف للحموضة كان مقتصراً على المناطق ذات الرواسب الخشنة، وأن الشظايا لم تقلل الرقم الهيدروجيني الإجمالي، ترى بينديل أن النتائج تنطوي على شيء واعد، حيث تقول إن شظايا الأصداف يمكن أن يكون لها تأثير أكبر على الحموضة في بعض أحواض المحار الملزمي على المدى الطويل.

اقرأ أيضاً: اكتشاف أعداد هائلة لأعشاش أسماك جليدية غريبة في القطب الجنوبي

قد لا تكون شظايا الأصداف حلاً شاملاً لتخفيف حموضة المحيطات في كل مكان، لكن بينديل وهينسل تعملان ببطء لاكتشاف كيف يمكن لكربونات الكالسيوم مساعدة هذه الأحياء البحرية على الشواطئ في مواجهة الظروف الحمضية. عندما ستقوم هينسل في الصيف المقبل بإضافة شظايا الأصداف إلى أحواض المحار الملزمي في خليج بوديغا، ستدمج عنصراً آخر من عناصر زراعة الحدائق البحرية التقليدية.

يعمل القائمون من السكان الأصليين على العناية بأحواض المحار على تقليبها بانتظام، ما يساعد في تخفيف سماكة الرواسب وخلطها بشظايا المحار. وتقول هينسل إن تكرار هذه العملية يساعد في وصول المزيد من الأوكسجين إلى المحار المختبئ بين الرواسب ويزيد من مساميتها ويعدّل التركيب الكيميائي لمياه البحر، وتشير إلى أنها تخطط لدراسة تأثير هذه العملية الفيزيائية على كيمياء البحر ونمو المحار الملزمي.

يأمل شنايدر أن يؤدي عمل هينسل إلى تحسين صحة أحواض المحار الملزمي التي يستفيد منها مجتمعه، ويستكشف مع هينسل طرقاً لإشراك مجتمعات السكان الأصليين حول خليج بوديغا. يقول شنايدر: «سيكون من المفيد حقاً إذا أتيحت الفرصة لأفراد قبيلتي للعودة إلى الطبيعة والتفاعل مع الموارد التقليدية بنفس الطرائق التي اتبعها أسلافنا».

المحتوى محمي