لماذا تأكل خفافيش الفاكهة كميات كبيرة من السكر ولا تُصاب بالسكري؟

3 دقيقة
لماذا تأكل خفافيش الفاكهة كميات كبيرة من السكر ولا تصاب بالسكري؟
خفافيش الفاكهة معلقة من أغصان الأشجار في وضح النهار في بنغلاديش بتاريخ 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2023. مجموعة آي بيكس/شركة فيوتشر بابليشينغ عن طريق غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يأكل بعض خفافيش الفاكهة ما يصل إلى ضعف وزن الجسم من المانجا الغنية بالسكر أو الموز أو التين يومياً، وهي تفعل ذلك ليس فقط للبقاء على قيد الحياة، بل لتزدهر أيضاً. على عكس البشر، تتمتّع هذه الثدييات الطائرة برغبة دائمة في تناول الغذاء الحلو ولا تعاني بعض العواقب الصحية السلبية مثل مرض السكري.

اكتشف العلماء في دراسة نشرت بتاريخ 9 يناير/كانون الثاني 2024 في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز (Nature Communications) أن التكيّفات الجينية لهذه الخفافيش ساعدت على حمايتها من مضار نظامها الغذائي الغني بالسكر.

قد تساعد نتائج الدراسة الجديدة على التوصل إلى علاجات لمرض السكري الذي يعانيه ما يقدر بنحو 38 مليون أميركي، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها. هذا المرض هو السبب الرئيس الثامن للوفاة في الولايات المتحدة والسبب الرئيسي للفشل الكلوي وبتر الأطراف السفلية والعمى لدى البالغين.

قال عالم الوراثة في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو والمؤلف المشارك للدراسة، ناداف أهيتوف، في بيان صحفي: “عند الإصابة بمرض السكري، يكون الجسم عاجزاً عن تركيب الإنسولين وتحسسه، ما يؤدي إلى مشكلات في التحكم في نسبة السكر في الدم. لكن خفافيش الفاكهة تتمتع بنظام جيني يتحكّم بنسبة السكر في الدم بكفاءة عالية. نود أن ندرس هذا النظام لتطوير علاجات بشرية أكثر فعالية تعزز تحسس الإنسولين أو السكر”.

اقرأ أيضاً: هل ستساعدنا الخفافيش في التغلب على مرض السرطان؟ دراسة حديثة تكشف السبب

مقارنة بين خفافيش الفاكهة وخفافيش الحشرات

تستيقظ خفافيش الفاكهة كل يوم بعد نحو 20 ساعة من النوم وتتغذى على الفاكهة قبل أن تعود إلى كهوفها أو أشجارها أو البنى التي أنشأها الإنسان لتجثم. ركز الفريق في الدراسة الجديدة على كيفية تطور البنكرياس والكلى لدى هذه الخفافيش لاكتشاف كيف يمكنها تناول كميات كبيرة من السكر دون أي آثار سلبية. البنكرياس هو عضو في منطقة البطن يتحكم في نسبة السكر في الدم.

قارن الباحثون بين خفافيش الفاكهة الجامايكية ونوع من الخفافيش الآكلة للحشرات يحمل اسم “الخفافيش البنيّة الكبيرة”. حلل هؤلاء التعبير الجيني لدى هذه الخفافيش، أي أنهم حددوا الجينات المفعّلة وتلك غير المفعلة، وكذلك الحمض النووي التنظيمي الذي يتحكم في عملية التعبير الجيني. قاس الباحثون لفعل ذلك كلاً من معدل التعبير الجيني وكمية الحمض النووي التنظيمي في الخلايا الفردية. تُبيّن هذه القياسات أنواع الخلايا الرئيسية التي تتألف منها أعضاء الخفافيش، وكذلك كيف تنظّم هذه الخلايا عملية التعبير الجيني التي تتحكم في النظام الغذائي لهذه الحيوانات.

اكتشف الباحثون أن تركيب البنكرياس والكلى في خفافيش الفاكهة تطور بطريقة تجعله متوافقاً مع النظام الغذائي الغني بالسكر. يحتوي البنكرياس لدى هذه الخفافيش على عدد أكبر من الخلايا التي تركّب الإنسولين؛ وهو هرمون أساسي يحفّز الجسم على خفض نسبة السكر في الدم. كما أنه يحتوي على عدد أكبر من الخلايا التي تركّب هرموناً آخر ينظم نسب السكر ويحمل اسم الغلوكاغون. بينما تحتوي كلى خفافيش الفاكهة على عدد أكبر من الخلايا التي تحتجز الأملاح والكهارل النادرة في أثناء تصفية الدم.

اقرأ أيضاً: كيف توجّه الحيوانات مثل الدلافين والخفافيش نفسها باستخدام الصوت؟

التغيّرات في الحمض النووي

لاحظ الباحثون بعد دراسة العوامل الجينية بدقة أن الحمض النووي التنظيمي في تلك الخلايا تكيّف ليكتسب القدرة على تفعيل الجينات المناسبة لاستقلاب الفاكهة وإلغاء تفعيلها. تمتّعت الخفافيش البنيّة الكبيرة الآكلة للحشرات بعدد أكبر من الخلايا التي تفكك البروتين وتوفّر الماء، كما أن عملية التعبير الجيني في هذه الخلايا كانت معايَرة للتعامل مع نظام غذائي يتألف من الحشرات.

قال عالم البيولوجيا في كلية مينلو والمؤلف المشارك للدراسة، ويه غوردن، في بيان صحفي: “ترتيب جزيئات الحمض النووي حول جينات الإنسولين والغلوكاغون مختلف على نحو واضح للغاية بين نوعي الخفافيش. كنا نَعُدّ الحمض النووي الموجود حول الجينات من الحمض النووي الخردة [أي الذي لا يشفِّر البروتينات]، لكن بياناتنا تبين أن هذا الحمض النووي التنظيمي قد يساعد خفافيش الفاكهة على التفاعل مع الزيادات أو الانخفاضات المفاجئة في نسبة السكر في الدم”.

على الرغم من أن بعض الآليات البيولوجية لدى خفافيش الفاكهة يشبه تلك الموجودة لدى البشر المصابين بمرض السكري، لا يبدو أن الخفافيش تعاني التأثيرات الصحية نفسها.

قال غوردن: “سيظل النظام الغذائي الذي تتبعه خفافيش الفاكهة صالحاً لإبقائها على قيد الحياة حتى لو طرأت على حمضها النووي تغييرات طفيفة في الحروف الفردية [النوكليوتيدات]. يجب علينا فهم عمليات استقلاب الأطعمة الغنية بالسكر مثل التي تتمتع بها هذه الخفافيش لإحراز التقدمات التي ستسهم في إنقاذ المصابين بحالة مقدّمات السكري، الذين تبلغ نسبتهم في الولايات المتحدة ثلث السكان”.

دراسة الخفافيش لتحسين صحة البشر

الخفافيش هي واحدة من أكثر عائلات الثدييات تنوعاً، ويعتبر بعض العلماء أن مختلف السمات التي تتمتع بها، من أجهزتها المناعية إلى أنظمتها الغذائية المميزة للغاية، هي بمثابة أمثلة على النجاحات التطورية. تعد هذه الدراسة أحد الأمثلة الحديثة على الطريقة التي يمكن أن تؤثر فيها دراسة الخفافيش في صحة الإنسان، وتشمل تلك التأثيرات تلك في مجالي أبحاث السرطان والوقاية من الفيروسات.

سافر غوردن وأهيتوف تحضيراً لإجراء الدراسة إلى دولة بليز للمشاركة في حدث باتاثون (Bat-a-Thon) السنوي، حيث أجريا إحصاءً للخفافيش البرية وجمعا العينات الميدانية. استُخدم أحد خفافيش الفاكهة الجامايكية التي أخذها الباحثان من هذا الحدث لدراسة استقلاب السكر.

قال أهيتوف: “بالنسبة إليّ، تشبه الخفافيش الأبطال الخارقين؛ إذ يتمتع كل خفاش بقوة خارقة مذهلة، سواء كانت تحديد الموقع بالصدى أو الطيران أو مصّ الدم دون تخثيره أو تناول الفاكهة وعدم الإصابة بمرض السكري. ولا تمثّل دراستنا سوى البداية في هذا المجال البحثي”.