شعور الحكة في منطقة من جسمك لا تستطيع الوصول إليها بسهولة هو شعور مزعج للغاية. وتعاني بعض أنواع الأسماك أيضاً من هذه المشكلة، خصوصاً عندما تتعلق بها الطفيليات الصغيرة التي تقضم جلدها وتمص دمها. لكن يكمن الحل بالنسبة لبعض أنواع الأسماك في الاقتراب من أسماك القرش. قد يبدو هذا الحل خطيراً؛ إذ إنه في النهاية، تعتبر أسماك القرش مفترسات عليا (أي مفترسات تكون في أعلى السلسلة الغذائية وليست لها مفترسات طبيعية). لكن تبيّن أن الجلود الخشنة لأسماك القرش تمثّل أسطحاً مثالية للتخلص من الطفيليات المزعجة.
مخاطرة للتخلص من الطفيليات
وثّقت دراسة جديدة لأول مرة السلوك الغريب الذي تتبعه بعض الأسماك في المياه المفتوحة، والتي تحك نفسها بجلد أسماك القرش للتخلص من الطفيليات. نُشرت هذه الدراسة بتاريخ 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 في مجلة بلوس ون. ووثّق فيها زميل الأبحاث في جامعة غرب أستراليا، كريس تومسون (Chris Thompson)، هذا السلوك المثير للاهتمام الذي تم اكتشافه بالصدفة.
اقرأ أيضاً: بالفيديو: ماذا يحدث عندما تتعارك الحيتان القاتلة مع أسماك القرش الأبيض الكبيرة؟
يقول تومسون: "أجرينا هذه الدراسة بعد رصد تم بالصدفة. لقد استخدمنا أنظمة التصوير المزودة بالطعوم حول العالم لدراسة حالة أشكال الحياة البرية البحرية وأنظمتها البيئية في المياه المفتوحة. ولكن في أثناء مشاهدة مقاطع الفيديو التي تم تسجيلها، لاحظنا سلوكيات غريبة في بعض الأحيان". رأى تومسون في مقطع فيديو تم تسجيله في أرخبيل رافيلاجيغيدو (مجموعة من الجزر قبالة الشاطئ الجنوبي الغربي للمكسيك) إحدى أسماك القرش الحريري تسبح تجاه الكاميرا. يقول تومسون إنه فجأة، "ظهرت إحدى أسماك تونة الزعنفة الصفراء خلف سمكة القرش وفركت نفسها بذيلها برفق ثم سبحت بعيداً". وثّق تومسون هذا السلوك وتابع عمله. لكنه تساءل عما رآه، وخصوصاً بعد أن لاحظ السلوك نفسه بين الأسماك في مناطق أخرى.
ألّف تومسون هذه الدراسة مع جيسيكا ميويغ (Jessica J. Meeuwig). كان لدى فريق تومسون الكثير من مقاطع الفيديو التي تحتاج المراجعة. تم إطلاق الكاميرات تحت المائية بين عامي 2012 و2019 في 36 منطقة مختلفة في المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ والمحيط الهندي. وسجّلت كل كاميرا مقاطع فيديو تتراوح مدتها بين ساعتين و3 ساعات.
مفاضلة بين الراحة والحياة
راقب العلماء في المجمل 117 ألف حيوان من 261 نوعاً مختلفاً من الحيوانات البحرية. ولاحظوا أن أسماك التونة صفراء الزعنفة قامت بـ 44% تقريباً من عمليات الفرك هذه. كانت أسماك القرش الزرقاء الأكثر عرضة للاستخدام كوسيلة للتخلص من الطفيليات؛ إذ استعانت بها أسماك التونة في 58% من المرات. يقول تومسون: "لاحظنا أن أسماك القرش الأكبر حجماً تستخدم من قبل الأسماك الأكبر في الأغلبية الساحقة من المرات. يشير ذلك إلى أن هناك توازناً ما بين فوائد هذا السلوك بالنسبة للأسماك وخطر التعرض للافتراس"، ويضيف: "يبدو أن الحجم كان عاملاً يحدد ما إذا كانت الأسماك ستفرك نفسها بالأسماك الأكبر والأكثر عرضة لفرك نفسها بأسماك القرش الأكبر حجماً والأسماك الأصغر حجماً والتي تفرك نفسها بأنواع أخرى مختلفة عن أسماك القرش".
بتعبير آخر، كانت الأسماك الأكبر حجماً مثل أسماك التونة صفراء الزعنفة أكثر استعداداً لتخاطر بحياتها في سبيل فرك نفسها بأسماك القرش. مع ذلك، هذا السلوك مفيد بالنسبة للأسماك؛ إذ إن الطفيليات الجلدية التي تتسبب بالآلام شائعة بين الأسماك. وفقاً لتومسون، يمكن أن تتسبب هذه الآفات بضرر كبير للأسماك؛ إذ إنها تلحق الضرر بعيونها وبجهاز الخط الجانبي والخياشيم.
يعتبر جلد أسماك القرش أحد العوامل التي تجعل هذه الحيوانات مفيدة في إزالة الطفيليات من أجسام الأسماك الأخرى. يقول تومسون: "يتألف جلد أسماك القرش من حراشف تشبه الأسنان تحمل اسم الحُصيّات السنيّة الجلدية. والتي لها خشونة أوراق الصنفرة". مع استمرار الانخفاض في أعداد أسماك القرش حول العالم، يقول تومسون إن هذه العلاقة بين أسماك القرش والأسماك الأخرى تثير تساؤلات جديدة حول صحة الأسماك الأخرى. يقول تومسون: "ما الذي سيحدث لهذه الأسماك إذا انقرضت أسماك القرش؟ هل سيؤثر ذلك على صحة هذه الأسماك؟ لاحظنا هذا السلوك فقط في المناطق النائية بين أسماك القرش التي تتمتع بصحة جيدة وجماعات أسماك التونة. ويشير ذلك إلى أن هذا السلوك سيكون أكثر انتشاراً ورسوخاً على الأرجح في الأنظمة البيئية السليمة نسبياً، ويمكن أن يزول مع تدهور هذه الأنظمة البيئية".
اقرأ أيضاً: أسرع أسماك القرش في العالم يتعرض لمحنة حقيقية
نجح العلماء في الحفاظ على أشكال الحياة البحرية في المناطق البحرية الكبيرة المحمية مثل معلم باباهاناوموكواكيا البحري الوطني في هاواي. ووفقاً لتومسون، تحافظ الحيوانات مثل الأسماك وأسماك القرش التي تعيش في هذه المناطق على سلوكياتها. لذلك، يمكن أن تساعد هذه المناطق في الحفاظ على استمرارية هذا السلوك الجديد.