التماسيح من أشرس الحيوانات المفترسة التي تنصب الكمائن في العالم. هناك 24 نوعاً من هذه الحيوانات في العالم فقط، وتعد 7 منها مهددة بخطر انقراض أقصى وفقاً للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة والموارد الطبيعية. أنشأ فريق من العلماء خريطة لشجرة عائلة التماسيح تضم أقارب هذه الحيوانات المنقرضين الذين يحملون اسم "أشباه السوكيّات". وُصفت شجرة العائلة هذه بالتفصيل في دراسة نُشرت بتاريخ 4 ديسمبر/كانون الأول 2023 في مجلة نيتشر إيكولوجي آند إيفولوشن (Nature Ecology & Evolution)، بأنها توفّر رؤى عميقة للدور الذي أدّته البيئة تاريخياً في تطور التماسيح.
الزواحف المهيمنة
تشترك التماسيح والطيور بتاريخ تطوري مع الديناصورات والتيروصورات، على الرغم من أن عدد الطيور الحية حالياً يبلغ 11 ألف نوع بينما لا يتجاوز عدد أنواع التماسيح 24 نوعاً. التماسيح هي الأعضاء الحية الوحيدة في فرع حيوي انقرضت أغلبية الكائنات فيه يحمل اسم "الأركوصورات" أو "الزواحف المهيمنة". تعود الأركوصورات إلى العصر الترياسي المبكّر، أي قبل نحو 251-200 مليون سنة.
اقرأ أيضاً: 4 حقائق تُبيّن لماذا لم تهيمن الديناصورات على الأرض كما كنا نعتقد
تنتمي هذه الحيوانات إلى مجموعة تحمل اسم "أشباه السوكيّات" التي تتضمن العديد من الأنواع القريبة جينياً من التماسيح أكثر من قربها من الطيور. انقرضت أشباه السوكيات قبل حدث الانقراض الترياسي الجوراسي أو خلاله؛ وهو حدث انقراض وقع قبل نحو 201.4 ملايين سنة. مع ذلك، نجت مجموعة واحدة تحمل اسم "أشباه التمساحيات" من حدث الانقراض الكبير هذا ونشأت منها التماسيح لاحقاً.
قالت عالمة البيولوجيا في جامعة يورك والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، كيتي ديفيس، في بيان صحفي: "السجل الأحفوري هو مصدر غني للمعلومات القيمة يتيح لنا دراسة الماضي لاكتشاف كيف نشأت الأنواع ولماذا، والأهم من ذلك، ما العوامل التي تؤدي إلى انقراضها".
استخدم الفريق في الدراسة السجل الأحفوري لإنشاء تسلسل تطوريّ تاريخيّ طويل، أو شجرة عائلة تطورية كبيرة لنوع أو مجموعة من الكائنات. شمل الباحثون التماسيح وأقاربها المنقرضين في هذا التسلسل التاريخي ليتمكّنوا من تحديد عدد الأنواع الجديدة التي نشأت وعدد الأنواع التي انقرضت بمرور الوقت. بعد ذلك، دمج الباحثون شجرة العائلة هذه مع البيانات حول التغيّرات المناخية التي حدثت خلال تاريخ الأرض. كان المؤلفون مهتمين بصورة خاصة بالتغيّرات في درجات الحرارة ومستوى سطح البحر، وذلك بهدف تحديد إن كان ربط نشوء الأنواع وانقراضها بالتغير المناخي ممكناً.
التغير المناخي والتنافس
اكتشف الباحثون أن كلاً من التغير المناخي والتنافس مع الأنواع الأخرى أثّر للغاية في التنوع البيولوجي للتماسيح الموجودة حالياً وأقاربها المنقرضين. تفاجأ الباحثون بأن شجرة العائلة كشفت أيضاً أن عيش الأنواع في المياه العذبة أو البحر أو على الأرض يؤدّي دوراً رئيسياً في بقائها.
ازداد عدد أنواع أقارب التماسيح الحالية الذين يعيشون في البحر والذين يعيشون على البر أيضاً عندما ارتفعت درجات الحرارة العالمية.
بينما لم يتأثر أقارب التماسيح الذين يعيشون في المياه العذبة بالتغيرات في درجات الحرارة، واتضح أن ارتفاع مستوى سطح البحر هو العامل الأهم الذي يؤثر في خطر انقراضهم. وفقاً للمؤلفين؛ تقدّم هذه النتائج رؤى عميقة مهمة في جهود الحفاظ على التماسيح والأنواع الأخرى في مواجهة التغير المناخي الناجم عن الأنشطة البشرية.
اقرأ أيضاً: عينة أحفورية مهملة تكشف أن أصول السحالي الحديثة أقدم مما نعتقد
قالت ديفيس: "فهم العوامل الرئيسية التي تسهم في انقراض الأنواع أهم الآن من أي وقت مضى؛ إذ يوجد مليون نوع من النباتات والحيوانات المهددة بخطر انقراض كبير. يعيش العديد من أنواع التماسيح في المناطق المنخفضة؛ ما يعني أن ارتفاع مستوى سطح البحر المرتبط بالاحتباس الحراري قد يغيّر المواطن التي تعتمد عليها هذه الحيوانات على نحو غير قابل للعكس".
استخدم الفريق نظرية المعلومات لتحديد الدور المحتمل للتنافس في انقراض الأنواع وظهورها. قدّر هؤلاء عدد الأنواع التي عاشت في أي وقت من الأوقات وقارنوه بعدد بالأنواع الجديدة وعدد أحداث الانقراض. أتاحت هذه الحسابات للفريق تقدير الحالات التي أثّر فيها التغير المناخي أو أثّرت فيها التفاعلات بين الأنواع؛ مثل التنافس، على نحو مباشر في تحديد إن كانت الأنواع الجديدة آخذة في النشوء أو في طريقها للانقراض. لاحظ الباحثون أن زيادة التنافس على الموارد، ربما بفعل أسماك القرش أو الزواحف البحرية أو الديناصورات، تسببت بانقراض بعض الأنواع على الأرجح، ولم يكن هذا مفاجئاً.
قالت ديفيس: "توفّر لنا دراسة التماسيح والأنواع المنقرضة القريبة منها جينياً رؤى عميقة وفريدة حول التغير المناخي وتأثيره في التنوع البيولوجي في الماضي والحاضر والمستقبل. تعزز النتائج التي توصلنا إليها فهمنا للعوامل التي أثرّت على نحو بليغ في الحياة على الأرض وما زالت تؤثّر فيها".