4 حقائق تُبيّن لماذا لم تهيمن الديناصورات على الأرض كما كنا نعتقد

هل هيمنت الديناصورات فعلاً على الأرض؟
(في اتجاه عقارب الساعة من الأعلى) نموذج لتيرانوصور ريكس وجمجمة تيرانوصور ريكس وجمجمة تريسيراتوبس في متحف التاريخ الطبيعي في فيينا، النمسا. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

جميعنا يعرف أنه قبل 150 مليون سنة، حكمت الديناصورات الأرض. نحن نتخيل الديناصورات المتعطشة للدماء وهي تمزّق حيوانات خلد الماء الصارخة، والصربوديات العملاقة تهز الأرض بأقدامها المدوية، والستيغوصورات ذات الجلد الشائك تحرّك ذيولها في عهد الزواحف الذي كان عظيماً جداً لدرجة أن إنهاءه تطلّب اصطداماً غير متوقع لكويكب بعرض 9.6 كيلومترات بالأرض.

تسبّبت الكارثة التي تلت ذلك الحدث بهيمنة الثدييات على العالم، وهي أسلافنا وأقاربنا؛ ما مكننا بعد 66 مليون سنة أن ندّعي أننا استولينا على ما تركته السحالي الرهيبة وراءها. هذه هي رواية درامية للتاريخ خاطئة جوهرياً من عدة جوانب. لنتحدث عن بعض أسوأ الأفكار الخاطئة وما حدث بالفعل خلال ما يسمى “عصر الديناصورات”.

اقرأ أيضاً: كيف مهد انقراض الديناصورات الطريق للعصر الذهبي للثدييات؟

فكرة خاطئة:سيطرت الديناصورات على الكوكب منذ ظهورها أول مرة

‎الحقيقة: لم تكن الديناصورات حيوانات ذات تأثير في بدايتها

يبلغ عمر أقدم الديناصورات التي نعرفها نحو 235 مليون سنة، وهي تعود للجزء الأوسط من العصر الترياسي. لم تحكم هذه الزواحف أي منطقة من العالم. نعلم من الاكتشافات الحديثة في إفريقيا وأميركا الجنوبية وأوروبا أن هذه الديناصورات لم تكن أكبر من الكلاب المتوسطة الحجم، فضلاً عن أنها كانت كائنات قارتة نحيفة تتغذّى على الأوراق والخنافس.

من ناحية أخرى، كانت أقارب التماسيح القديمة أكثر وفرة وتنوّعاً بكثير. شملت مجموعة أبناء عمومة التماسيح التي عاشت في العصر الترياسي الحيوانات الآكلة اللحوم ذات الأسنان الحادة التي تغذّت على الفرائس الكبيرة ذات القدمين، والأيتوصورات المغطاة بالأتراس العظمية والنتوءات، والكائنات ذات المناقير التي تشبه النعام التي تغذّت على السرخس. 

حتى عندما بدأت الديناصورات المبكّرة التطور إلى السلالات الرئيسية التي ازدهرت خلال بقية حقبة الحياة الوسطى، كان معظمها صغيراً وعددها صغيراً مقارنة بأبناء عمومتها التماسيح.

لم تتطور أولى الديناصورات العاشبة الكبيرة، التي وصل طولها إلى نحو 8.2 أمتار، حتى قرب نهاية العصر الترياسي منذ نحو 214 مليون سنة. لكن تغيّر كل شيء في نهاية العصر الترياسي؛ إذ غيّرت الانفجارات البركانية الشديدة في وسط بانجيا المناخ العالمي، وتسببت الغازات المنبعثة في الهواء بمرور العالم في المرحلتين الساخنة والباردة بالتناوب. اكتسبت الديناصورات بحلول ذلك الوقت القدرة على إجراء عملية الاستقلاب التي تتمتّع بها الكائنات ذات الدم الحار، بالإضافة إلى طبقة عازلة من الريش، ما حماها نسبياً من تأثيرات تلك المرحلة القاسية في حين هلك العديد من أنواع الزواحف الأخرى.

 لو لم يقع حدث الانقراض الجماعي هذا، لكانت ستمر الأرض بما يشبه “عصر التماسيح”، أو سيكون تاريخها مختلفاً تماماً وسيشمل مجموعة أوسع بكثير من الزواحف على الأقل. السبب الوحيد الذي أدّى إلى بدء ما يسمى عصر الديناصورات هو أن هذه الكائنات كانت محظوظة في مواجهة حدث انقراض على المستوى العالمي.

كانت الزواحف وأسماك القرش غير الديناصورية أكبر الحيوانات المفترسة في محيطات العصر الطباشيري.دي أغوستيني عن طريق غيتي إميدجيز
كانت الزواحف وأسماك القرش غير الديناصورية أكبر الحيوانات المفترسة في محيطات العصر الطباشيري.دي أغوستيني عن طريق غيتي إميدجيز

فكرة خاطئة: انتشرت الديناصورات في العالم كله

‎الحقيقة: لم تتطوّر الديناصورات لتعيش في البحر قط

من الغريب الحديث عن أن الديناصورات “هيمنت” على عالم تسوده المحيطات. على الرغم من أن مستويات سطح البحر ارتفعت وانخفضت بمرور الوقت، تشكّل البحار نحو 71% من سطح الأرض وتحتوي على أكثر من 1.3 مليار كيلومتر مكعب من المياه. لن يكون الادعاء الذي ينص على أن الديناصورات، على الرغم من تنوعها، كانت الشكل السائد للحياة على الأرض منطقياً إلا إذا تجاهلنا أن ثلاثة أرباع كوكبنا عبارة عن محيط.

على الرغم من أن بعض الديناصورات كان يسبح، ما ترك خدوشاً ومسارات سباحة في المياه الضحلة القديمة، لم يطوّر أي نوع من الديناصورات على الإطلاق القدرة على العيش في المحيطات. حتى طيور البطريق، وهي من أنواع الديناصورات الموجودة حالياً، لم تكتسب القدرة على البقاء في البحر مثل العديد من الثدييات البحرية، ويجب أن تعود إلى الأرض لتعشّش.

إذا ركّزنا على محيطات ما قبل التاريخ، لا يمكننا تجاهل أنها احتوت على الزواحف البحرية من مختلف الأشكال والأحجام التي حكمت هذه المملكة المائية. ازدهرت الإكتيوصورات التي لها أشكال السمك والبليزوصورات الطويلة العنق الرباعية الزعانف وأقارب تنين كومودو العملاق المعروفة باسم الموزاصورات، والعديد من الزواحف غير الديناصورية في البحار لملايين السنين، وتغذّى العديد منها على رأسيات الأرجل ذات القشور اللولبية الأكثر وفرة التي تحمل اسم الأمونيت.

بالطبع، اعتمدت هذه الأنظمة البيئية على العوالق. لولا الطحالب ذات الشكل القرصي التي تسمى البُذيرات الجيريّة، لم تكن لتزدهر الحيوانات المائية البديعة التي انتشرت في العصر الترياسي والعصر الجوراسي والعصر الطباشيري. هذه الطحالب هي أنواع الحياة الصغيرة الوفيرة التي سمحت للكائنات البديعة مثل الزواحف البحرية بالازدهار، وهو تذكير آخر بأن الحيوانات التي تثير إعجابنا على البر أو في البحر لم تكن لتتطور دون الكائنات الدقيقة المختلفة التي مثّلت أساس الشبكات الغذائية. ما قد يبدو لنا على أنه هيمنة، في أي نظام بيئي، هو في الحقيقة نتيجة للعلاقات والتفاعلات العديدة التي لا يلاحظها أحد غالباً.

ازدهرت الثدييات في أثناء عصر الديناصورات وبعده.ظهرت الميزنيقات في الفترة الفجرية (أو الإيوسينية)، بعد فترة وجيزة من انقراض الديناصورات. دي أغوستيني عن طريق غيتي إميدجيز
ازدهرت الثدييات في أثناء عصر الديناصورات وبعده.ظهرت الميزنيقات في الفترة الفجرية (أو الإيوسينية)، بعد فترة وجيزة من انقراض الديناصورات. دي أغوستيني عن طريق غيتي إميدجيز

فكرة خاطئة: أعاقت الديناصورات تطوّر الثدييات

‎الحقيقة: ازدهرت الثدييات طوال عصر الديناصورات

المثال التقليدي لهيمنة الديناصورات هو تصوير الثدييات على أنها حيوانات صغيرة خائفة طاردت الحشرات في ليالي العصر الطباشيري. اعتقد العلماء أن الديناصورات كانت تلتهم أي حيوان كبير جداً أو يرتكب الخطأ الفادح المتمثّل في التجوّل في وضح النهار. لذلك، تطوّرت الثدييات لتكون صغيرة وليلية حتى سمح الكويكب الذي قضى على الديناصورات لأسلافنا وأقاربنا بالانتشار. اعتبر العلماء أن صغر حجم بعض الثدييات في حقبة الحياة الوسطى وتكيف هذه الحيوانات لصيد الحشرات هما مؤشران يبينان أن الثدييات كانت مقيّدة بسبب نجاح الديناصورات، ما منعها من أن تصبح أكبر حجماً أو أن تنتشر إلى مناطق جديدة. 

مع ذلك، أعاد علماء الأحافير كتابة هذه القصة التقليدية في العقدين الأخيرين وبيّنوا أن الثدييات والحيوانات القريبة منها جينياً ازدهرت جنباً إلى جنب مع الديناصورات.

انتشرت في مراحل حقبة الحياة الوسطى جميعها الحيوانات الفروية التي سبحت في الماء وحفرت في الأرض وحامت بين الأشجار وحتى تغذّت على الديناصورات الصغيرة. تطوّرت الحيوانات القديمة الشبيهة بكل من السناجب وحيوانات الراكون وثعالب الماء والقنادس وحيوانات الأبوسوم القنديّة الطيّارة وخنازير الأرض وغيرها خلال العصرين الجوراسي والطباشيري، ويشمل ذلك الرئيسيات المبكّرة التي تسللت عبر الأشجار فوق رؤوس التيرانوصور الطاغية ملك السحالي (التيرانوصور ريكس). 

اقرأ أيضاً: تنانين حكمت الأرض والبحار: أشهر الخرافات والحقائق عن الديناصورات

على الرغم من أن ثدييات حقبة الحياة الوسطى التي نعرفها حالياً كانت صغيرة؛ إذ كان أكبرها بحجم الغرير الأميركي، اكتشف الباحثون أن الطريقة التي تفاعل وفقها أسلافنا القدماء بعضهم مع بعض كانت أكثر تأثيراً في تطوّرهم من الديناصورات. في الواقع، حتى بعد انقراض الديناصورات، ظلّت أغلبية أنواع الثدييات الجديدة صغيرة الحجم. نحن نركّز كثيراً على الحجم لدرجة أننا نفوّت القصة الحقيقية التي كُتبت في أماكن أقرب إلى الأرض.

لم تكن التيروصورات ديناصورات، لكن منحتها مهارتها في الطيران الأفضلية في أواخر العصر الترياسي.دي أغوستيني عن طريق غيتي إميدجيز
لم تكن التيروصورات ديناصورات، لكن منحتها مهارتها في الطيران الأفضلية في أواخر العصر الترياسي.دي أغوستيني عن طريق غيتي إميدجيز

فكرة خاطئة: هيمنت الديناصورات على الأرض لملايين السنين

الحقيقة: لا يستطيع أي نوع واحد الهيمنة على كوكب بأكمله

يعطينا تركيزنا على التسلسل الهرمي في عصور ما قبل التاريخ فكرة عن طريقة تفكيرنا أوضح مما يعلّمنا عن السجل الجيولوجي الفعلي. حوّلنا الديناصورات في مخيّلتنا إلى كائنات استولت على الكوكب واستمرت في الهيمنة حتى قضى عليها حادث كوني. عاشت ديناصورات العصر الترياسي والجوراسي والطباشيري على كل كتلة أرضية رئيسية لأكثر من 150 مليون سنة. ونُقارن في الكثير من الأحيان فترة الهيمنة المفترضة للديناصورات بالفترة التي نعتقد أن البشر هيمنوا فيها، وهي تلك الفترة العديمة الأهمية التي تمتد إلى 300 ألف سنة منذ ظهور الإنسان العاقل.

لكن هذه المقارنة ليست دقيقة. لم تتألف الديناصورات من نوع واحد، بل كانت تتألف من مجموعة واسعة من الكائنات. الأهم من ذلك هو أنه يستحيل على نوع واحد أن يهيمن على الكوكب بأكمله، وحتى الكائنات الحية الأكثر انتشاراً والأطول عمراً تعتمد على الكائنات الأخرى. تغذّت الديناصورات النباتية العملاقة التي عاشت في حقبة الحياة الوسطى على مجموعة من النباتات مثل جنكة بيلوبا والكُنباث والصنوبريات وغيرها، وهو غذاء يتطلّب هضمه وجود البكتيريا المتخصصة في أمعاء هذه الديناصورات. حتى التيرانوصور ريكس العظيم كان يمثل نظاماً بيئياً في حد ذاته؛ إذ إنه افترس الحيوانات العاشبة التي كانت تتغذّى بدورها على النباتات التي شكّلت علاقات غذائية مع الفطريات والكائنات الحية الدقيقة في التربة.

 النظر إلى أنواع الحياة والتركيز على الهيمنة فقط يعني اتخاذ منظور خاطئ، نوسم فيه الكائنات خلال تاريخ الحياة بألقاب مثل الفائزين والخاسرين، مفوّتين الروابط والمجتمعات الضرورية لازدهار الكائنات المتنوعة. يمكن أن تظل الديناصورات مهيمنة في الأفلام، حيث نميل دائماً إلى تصوير أنفسنا على أننا ضحايا لها. لكن الدرس الحقيقي الذي نتعلمه من ديناصورات تريسيراتوبس وأقاربها هو كيفية ازدهار الحياة من خلال التطور، وليس من يحكم الأرض.