لماذا تنجذب الحشرات للضوء؟ دراسة حديثة تحل لغزاً عمره آلاف السنين

3 دقيقة
لماذا تنجذب الحشرات للضوء؟ دراسة حديثة تحل لغزاً عمره آلاف السنين
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Mary_L

حيّر انجذاب الحشرات نحو النار أو الضوء البشر آلاف السنين، واستغل الإنسان هذه الظاهرة لصناعة مصائد الحشرات بالضوء والصعق الكهربائي، فما السبب المكتشف حديثاً لحدوث هذا الانجذاب؟  

اقرأ أيضاً:  الحشرات مخلوقات مخيفة لكنها جميلة أيضاً!

التفسيرات السابقة لانجذاب الحشرات للضوء 

وُضِعت عبر السنين عدة فرضيات لتفسير ظاهرة انجذاب الحشرات إلى الضوء، ومن أبرزها ما يلي:

  • استجابة الحشرات الليلية لغريزة الطيران نحو النقطة الأكثر سطوعاً في مجال رؤيتها، حيث تظن أن الأضواء هي السماء.
  • محاولة الحشرات تدفئة نفسها بالحرارة المنبعثة من الضوء.
  •  إصابة الحشرات بالعمى بسبب وهج الضوء الاصطناعي.
  • الضوء هو طريق سالك للخروج من الغابة، مثلما تظهر الفجوات بين أوراق الأشجار ويعبر الضوء من خلالها. 
  • خلط الحشرات بين الأضواء والقمر أو الأجرام السماوية الأخرى التي تستخدمها عادةً في تحديد اتجاه حركتها. 

ما التجارب التي أجراها العلماء لدراسة سبب انجذاب الحشرات للضوء؟

لاختبار انجذاب الحشرات للضوء استخدم علماء من إمبريال كوليدج لندن عدة تقنيات لمعرفة السبب الكامن وراء هذه الظاهرة، حيث استخدموا 8 كاميرات عالية السرعة تعمل بالأشعة تحت الحمراء ومزودة بتقنيات التقاط الحركة لتتبع 30 حشرة من 3 أنواع من الفراشات ونوعين من اليعسوب، ورصدوا حشرات أسيرة من 6 رتب تصنيفية مختلفة للحشرات، وكانت هذه الحشرات صغيرة بحيث لا يمكن استخدام تقنية التقاط الحركة معها، ومنها ذباب الفاكهة ونحل العسل، وذلك للتأكد من أن الحشرات المختلفة تظهر استجابات مماثلة للضوء.

وبعد تصوير الحشرات، أعادوا بناء التحركات الثلاثية الأبعاد لها حول الأضواء الاصطناعية، واستخدموا هذه البيانات لإنشاء نماذج تحاكي مسارات طيران الحشرات في الفراغ، وبعد النظر إلى مقاطع الفيديو، وجدوا أن الحشرات تنقلب باستمرار رأساً على عقب وتدير ظهرها نحو الضوء.

حقوق الصورة: shutterstock.com/ Gideon Ikigai
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Gideon Ikigai

اقرأ أيضاً: تعرَّف إلى الحشرات الأقوى والأقدم من الديناصورات

سبب انجذاب الحشرات نحو الضوء

تبين من خلال الدراسة التي نُشِرت بدورية نيتشر في 30 يناير/كانون الثاني 2024، أن الحشرات لا تنجذب للضوء، بل تميلُ إلى الطيران نحو السطوع كاستجابة سلوكية لمساعدتها على تحديد وضعية جسمها وتوجيهه نحو الأعلى، وكل ما تفعله الحشرات التي تقترب من الضوء هو محاولة تثبيت وضعية جسمها لكي يكون ظهرها مقابلاً للضوء فتفقد توازنها في أثناء القيام بذلك، ويمكن أن تسقط في النار في حال كان مصدر الضوء ناراً، أو تراها تحوم حول مصدر الضوء.

لماذا تحاول الحشرات إبقاء ظهرها مقابلاً لمصدر الضوء؟

للإجابة عن هذا السؤال حاول الباحثون إجراء بعض التجارب، ومن أبرزها التجارب التالية:

  • وضع مصدر ضوء مركّز اصطناعي موجود على الأرض ويضيء نحو الأعلى، وتبين أن الحشرات تحاول التحليق رأساً على عقب في هذه الحالة.
  • وضع مصدر ضوء مركّز اصطناعي موجود في الأعلى وموجَّه نحو الأسفل، وكانت الحشرات تحاول توجيه ظهورها نحو مصدر الضوء بشكلٍ أفضل من الحالة التي يكون فيها الضوء مسلطاً نحو الأعلى.
  • وضع مصدر ضوء (أشعة فوق بنفسجية) من الأعلى موجَّه للأسفل وتحته ملاءة بيضاء لتشتيت الضوء، وفي هذه الحالة كانت الحشرات تحوم تحت الملاءة المضيئة وتطير كما في النهار.
  • وضع مصدر ضوء اصطناعي موجَّه نحو الاعلى وفوقه ملاءة بيضاء لتشتيت الضوء، وكانت الحشرات في هذه التجربة تحاول التحليق وظهرها موجَّه نحو الملاءة فتسقط على الأرض. 

ومن هذه التجارب استنتج العلماء أن الحشرات لا تنجذب للضوء، إنما تستخدمه كوسيلة لتوجيه وضع جسمها والارتفاع نحوه للأعلى، وعلى عكس البشر، لا تمتلك معظم الحشرات أنظمة دهليزية تساعدها في الحفاظ على التوجه المكاني للتوازن، لكن لديها نظام توازن للجسم يسمح لها بالتعرف على ما هو مضيء وما هو خافت، ما يساعدها على التحليق بثبات واتباع شدة الإضاءة، فالضوء الشديد كضوء السماء في الصباح نتيجة وجود الشمس ونور القمر في الليل يشير إلى أن ظهر الحشرات يجب أن يتجه نحو الأعلى لتحلق بالاتجاه الصحيح.

كانت هذه النتائج شاملة للحشرات كلها التي اختُبِرت باستثناء ذبابة الفاكهة وعثة صقر الدفلي، إذ كانت تطير بشكلٍ طبيعي بوجود مصادر الضوء، ما يستلزم القيام بمزيد من الأبحاث حول الموضوع.

اقرأ أيضاً: 13 خرافة عن الحشرات يكشف العلم حقيقتها

الفوائد التي تقدّمها نتائج هذه الدراسة 

هذه الغريزة السلوكية لدى الحشرات يمكنها أن تسبب العديد من المشكلات للحشرات وذلك نتيجة تغيّر المناخ وفقدان الموائل بسبب الأنشطة البشرية، وانتشار استخدام الأضواء الاصطناعية والتلوث الضوئي حول العالم، إذ تزداد نسبة الإضاءة بالعالم بنسبة 2% كل عام، ما قد يعني أن هذه الحشرات التي تعمل على تلقيح الأزهار وتؤدي دوراً مهماً في التنوع الحيوي، ستواجه خللاً في آلية طيرانها ما يمكن أن يؤثّر سلباً في قدرتها على العثور على شركاء محتملين والبحث عن الطعام والدفاع عن نفسها ضد المفترسات، وهذا كله سيُحدِث انخفاضاً في أعدادها مع الزمن وستنشأ عن ذلك أزمة بيئية جديدة لا تُحمَد عقباها. 

المحتوى محمي