بينما تعيش الصراصير والعناكب وخنافس الروث حياتها في العالم الواسع تواجه الكثير من الصعوبات. يجعل الحجم الصغير هذه الكائنات سهلة السحق، كما أن هناك الكثير من الحيوانات التي تفترسها. بالإضافة إلى ذلك، ينظر البشر إلى هذه الكائنات على أنها أقل جاذبية عموماً من الكائنات الأكبر حجماً المكسوة بالفراء. يدفعنا التحيز التطوري الذي اكتسبناه إلى الخوف من الحشرات حفاظاً على سلامتنا. وللأسف، يتجاهل العلماء غالباً هذه الكائنات في جهودهم للحفاظ على البيئة بالنتيجة.
يقول عالم الحشرات، تيم كوكرل لبوبساي: "أحد الأسباب التي تجعلنا ننظر إلى هذه الكائنات على أنها أقل جاذبية هو أنها بعيدة نسبياً عنا في الشجرة التطورية. نشعر غريزياً بأن الحشرات عموماً مختلفة للغاية عنا. ولكننا ننظر إلى الموضوع بطريقة معكوسة؛ إذ إن البشر هم الغريبون بين الحيوانات على الأرض من ناحية التنوّع".
لا يقترب عدد أنواع الطيور والبرمائيات والأسماك والزواحف والثدييات جميعها من عدد أنواع الحشرات المعروفة في العالم، الذي يتجاوز مليون نوع.
عُرض فيلم "حياة حشرة حقيقية" على قناة ديزني + في 24 يناير/كانون الثاني 2024.
اقرأ أيضاً: لماذا تنجذب الحشرات للضوء؟ دراسة حديثة تحل لغزاً عمره آلاف السنين
ضرورة اكتساب المعرفة عن الحشرات في تصويرها
حاول مؤلفو السلسلة الوثائقية الجديدة بعنوان "حياة حشرة حقيقية" (A Real Bug’s Life) المعروضة على قناة ديزني + (+Disney) تغيير منظور البشر لهذه الكائنات من خلال عرض أنواع الحشرات والعناكب من وجهة نظر جديدة. هذه السلسلة الجديدة التي أنتجتها شبكة ناشيونال جيوغرافيك والمكونة من 5 أجزاء، التي ترويها الممثلة أوكوافينا (Awkwafina)، مستوحاة من عالم فيلم الرسوم المتحركة المخصص للأطفال الذي أنتجته شركتا ديزني وبيكسار (Pixar) عام 1998 بعنوان "حياة حشرة" (A Bug’s Life)، وتُظهر لنا المخاطر الكبيرة والحياة الواقعية لبعض من أصغر الحيوانات في العالم ومتطلبات البقاء بالنسبة لها.
تأخذ السلسلة المشاهدين إلى مدينة نيويورك وأدغال كوستاريكا وفناء خلفي في ضواحي ولاية تكساس وسهول السافانا الإفريقية ومزرعة في بريطانيا، وذلك ليَروا كيف تعيش الحشرات المألوفة والفريدة من نوعها حياتها وكيف تأكل وتتجول.
صُوّرت السلسلة بدقة 4 كيه آتش دي آر (4K HDR)، واستخدم صانعو الفيلم الجيل الجديد من العدسات السابرة لتصوير المشاهد كما تراها الحشرات. مع ذلك، تعتمد التكنولوجيا المستخدمة دائماً على معرفة العلماء والخبراء بالحشرات. وهنا يدخل رعاة الحشرات المعادلة.
يقول كوكرل، الذي عمل راعياً للحشرات ومستشاراً علمياً في السلسلة الجديدة: "علينا أن نهيئ الوضع بطريقة تبيّن الحشرات في أفضل حالاتها في كل مرة نريد فيها تصوير هذه الحيوانات وعرضها على التلفاز. وعلينا أن نمتلك معرفة دقيقة عن هذه الحشرات لفعل ذلك".
أمضى كوكرل أكثر من 20 عاماً في دراسة الحشرات، وهو يعتمد على معارفه حول سلوك الحيوانات لمساعدة صانعي الأفلام على التقاط صور تبين سلوكيات الحشرات مثل النمل الناري وهو يبني الجسور في حوض سباحة في الفناء الخلفي أو خنافس الروث وهي تخرج من أكوام البراز.
يقول كوكرل: "أكثر ما يساعدني في عملي هو أني أتصرف وكأنني طفل يبلغ من العمر 7 سنوات يراقب الحشرات بين الشجيرات في الفناء الخلفي. تدرك عندها أن الحشرات تزداد نشاطاً عندما تبدأ درجات الحرارة بالارتفاع. وتدرك أيضاً أن الحشرات تكون ودودة وساكنة في ساعات الصباح الباكرة، ما يعني أنه يمكن تصويرها عن قرب".
اقرأ أيضاً: 13 خرافة عن الحشرات يكشف العلم حقيقتها
"مستضعفو عالم الحشرات"
كانت الصراصير المنتشرة في كل مكان في مدينة نيويورك هي من أصعب الحيوانات التي يمكن تصويرها في السلسلة الجديدة. على الرغم من وجود ما يقدر بنحو 120 صرصوراً لكل شخص في المدينة، هذه الحشرات سريعة للغاية ويصعب حتى على رعاة الحشرات ذوي الخبرة الإمساك بها.
يقول كوكرل ضاحكاً: "الصراصير هي الحشرات المستضعفة في عالم الحشرات، ولدي ولع غريب بها. قضاء أيام متواصلة في العمل مع الصراصير ومحاولة دفعها لاتباع سلوكياتها الطبيعية أمام الكاميرا هو تحدٍّ صعب نوعاً ما دائماً".
يشير كوكرل إلى أن الصراصير تتمتع "بقوى خارقة خفية" تجعلها من الحيوانات الأكثر قدرة على التكيّف في مملكة الحيوان. هناك نحو 4,600 نوع من الصراصير في العالم، ويقدر العلماء أن عمر هذه الحشرات لا يقل عن 200 مليون سنة. تستطيع الصراصير البقاء على قيد الحياة والازدهار في البيئات القذرة والمظلمة وتستطيع أجسادها البقاء على قيد الحياة دون رؤوسها مدة تصل إلى أسبوع واحد. تتنفس الصراصير من خلال الثقوب الصغيرة الموجودة في أجزائها الجسدية (أي المختلفة عن الرأس)، وهي تتمتع بجهاز دوراني مفتوح. يعني ذلك أن رؤوسها لا تؤدي أي دور في عملية التنفس. مع ذلك، فهي تموت بسبب الجفاف في النهاية لأنها ستعجز عن شرب الماء. تستطيع الصراصير المرور عبر فجوات يبلغ عرضها 2.5 من الملليمتر فقط.
يقول كوكرل: "تشبه هذه الحشرات علب المشروبات الغازية التي تعود إلى شكلها بعض أن تعصرها وتتركها. طورت الصراصير القدرة على فعل شيء شبيه؛ إذ إنها قادرة على حشر نفسها عبر أصغر الشقوق بطريقة تشبه صب سائل ما عبر الشقوق".
اقرأ أيضاً: نباتات الإبريق: كيف تصطاد الحشرات وتتغذى عليها؟
توثيق الدراما بدقة
يمكن أن تدفع مشاهدة الأفلام الوثائقية الأخّاذة المشاهدين إلى تطبيق الخصائص أو السمات البشرية على الحيوانات، وهي ظاهرة تحمل اسم التشبيه بالإنسان. عالج كوكرل والفريق هذه المسألة في سلسلة حياة حشرة حقيقية من خلال الامتناع عن تسمية الحشرات وتسليط الضوء على المصاعب الحقيقية في حياتها، بدءاً من الهروب من حشرات السرعوف الجائعة والبحث عن الطعام إلى تجنّب السحق من قبل البشر.
يقول كوكرل: "تمر الحيوانات الأصغر منا بالأحداث الدرامية جميعها التي نعيشها في حياتنا والأحداث التي تؤثّر فينا. لذلك، إنتاج الأفلام التي نتابع فيها شخصيات فردية هو نشاط يمنحنا نظرة إلى الحيوات التي تعيشها هذه الحيوانات دون أن ننتبه لها".