اختلف العلماء وأصحاب الكلاب الشغوفون منذ زمن طويل حول السمات أو الميول التي تجعل حيواناً ما أذكى من غيره. لكن العوامل المحددة للذكاء أصبحت أكثر غموضاً مع تطبيق الباحثين في مجال الحيوانات لاختبارات الذكاء المختلفة على مجموعة أوسع من الكائنات الحية في السنوات الأخيرة.
في وقت سابق من عام 2024، وقّع 40 باحثاً من أفضل الجامعات في مختلف أنحاء العالم على ميثاق نيويورك حول وعي الحيوان (New York Declaration on Animal Consciousness)، مجادلين في أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن عدد الحيوانات التي قد تتمتع بالوعي أكبر بكثير مما كان يُعتقد سابقاً، وأن هناك "أدلة علمية رصينة" تدعم نسب الوعي إلى الثدييات والطيور. يقول الباحثون إن هناك "احتمالاً معقولاً" أن تتمتع الفقاريات الأخرى الأقل شهرة بالوعي، مثل الزواحف والبرمائيات والأسماك، وربما حتى رأسيات الأرجل وغيرها من الحيوانات اللافقارية.
سنستعرض في هذا المقال بعض الطرق التي تجبر الحيوانات وفقها العلماء على إعادة التفكير في الوعي والإدراك، من الحيوانات المألوفة إلى تلك الأقل شيوعاً.
اقرأ أيضاً: ما هو سبب ندرة الحيوانات الزرقاء اللون في الطبيعة؟
الفيلة
تُعد الفيلة على نطاق واسع من أذكى الثدييات المختلفة عن الرئيسيات، وذلك بفضل أدمغتها الكبيرة على نحو استثنائي وروابطها الاجتماعية الوثيقة. رُصدت هذه الثدييات العملاقة ذات الخراطيم الطويلة وهي تحد على موتاها، وتدفنهم في بعض الحالات. تتمتّع الفيلة بذاكرة طويلة الأمد للغاية، ما يجعلها بارعة في حل المشكلات واستخدام الأدوات. اعتمد البشر على تلك المهارات والسمات لاستخدام الفيلة في عروض السيرك. بيّنت أبحاث أخرى أن الفيلة تستطيع تقليد نداءات بعضها لبعض بمستويات عالية من الدقة. أثبت فيل في حديقة حيوان مقاطعة برونكس في عام 2006 أنه قادر على التعرف على نفسه في المرآة، وهي علامة رئيسية يربطها الباحثون بالوعي الذاتي.
الكلاب
يميل أصحاب الكلاب غالباً إلى الثناء على ذكاء حيواناتهم مثلما يثني الآباء على ذكاء أطفالهم الصغار. وتشير الأدلة العلمية إلى أن هذا الميل مبرر على مستوى النوع البيولوجي. على الرغم من أن المستويات الدقيقة للذكاء القابل للقياس تختلف باختلاف سلالة الكلاب والكلاب على نحو فردي، يقدّر الباحثون أن بعض الكلاب قادرة على تعلّم نوع من المعنى لأكثر من 100 كلمة. تشتهر الكلاب بأنها ماهرة في فهم مشاعر البشر ضمنياً، كما يُقال إنها تُظهر علامات الغيرة. يعتقد الباحثون أن جزءاً من هذا الذكاء على الأقل نتج على الأرجح من أن الكلاب تطورت جنباً إلى جنب مع البشر عبر آلاف السنين.
الخنازير
تعد الخنازير من أذكى الحيوانات. رصد الباحثون الخنازير وهي تستخدم المرايا لفحص محيطها ثم البحث عن الطعام. أُبلغ مؤخراً عن أن عائلة من خنازير بيسايا الثؤلولية رُصدت وهي تستخدم العصي على أنها أدوات لحفر أوكارها، وهو سلوك لم يُرصد من قبل. نُشر أحد الأبحاث الحديثة الأكثر إثارة للدهشة حول الخنازير في مجلة آفاق في علم النفس (Frontiers in Psychology) في عام 2021، وعلّم فيه الباحثون من جامعة بنسلفانيا الحكومية خنزيراً كيفية استخدام جهاز التحكم للعب لعبة فيديو بسيطة.
الدلافين
على الرغم من غياب طريقة متفق عليها "لتصنيف" ذكاء الحيوانات بأنواعه المتعددة، لا شك في أن الدلافين تتمتع بذكاء مرتفع يقترب من ذكاء البشر بغض النظر عن المقياس. يزعم مؤلفو دراسة نشرت في عام 2016 في مجلة الفيزياء والرياضيات (Physics and Mathematics) أن الدلافين يتواصل بعضها مع بعض باستخدام مجموعة معقدة للغاية من الأصوات التي تشبه الكلمات والجمل إلى حد كبير. على عكس الحيوانات الأخرى، لم تقاطع الدلافين المرصودة بعضها بعضاً إلا نادراً. تعلّمت هذه الحيوانات الصيد على نحو تعاوني جنباً إلى جنب مع الصيادين في البرازيل، ويُقال إنها ساعدت السبّاحين في أثناء هجمات أسماك القرش. من المرجح أن نسبة حجم دماغ الدلافين لوزن جسمها الاستثنائية هي من أسباب ذكائها؛ إذ إنها ثاني أكبر نسبة بين الحيوانات بعد البشر. يفوق حجم دماغ الدلفين القاروري الأنف حجم دماغ البشر.
الببغاوات
على الرغم من أن الببغاوات معروفة بأنها تكرر كلام البشر بصوت عالٍ (ما يؤدي إلى إحراج أصحابها أحياناً)، فإن ذكاءها لا يقتصر على ذلك. بيّنت الدراسات الحديثة أن الببغاوات نجحت في ممارسة ألعاب المنطق التي تربك البشر في سن الخامسة عادة. حتى إن بعض الببغاوات تمكنت من اكتشاف كيفية التواصل باستخدام تكنولوجيا مؤتمرات الفيديو الحديثة. درّب باحثون من جامعة نورث إيسترن ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة غلاسكو مؤخراً 18 ببغاء على استخدام جهاز لوحي مصمم خصوصاً للتواصل معاً. عندما قرعت الببغاوات الجرس، أظهر لها القائم على رعايتها شاشة لجهاز لوحي تحتوي على صور لببغاوات أخرى أجرت معها مكالمات الفيديو من قبل. طلبت الببغاوات الدردشة مع أصدقائها على نحو متكرر.
اقرأ أيضاً: مفاجأة: الببغاوات تجري مكالمات فيديو وتعزز مهاراتها الاجتماعية
الغربان
بيّنت الغربان مراراً وتكراراً أنها تدرك الأرقام، وأظهرت أنها تتمتع بعلامات الذكاء الأخرى التي اعتقد الباحثون من قبل أنها تقتصر على البشر. بيّنت الأبحاث التي أجرتها جامعة توبنغن أن الغربان قادرة على العد بصوت عالٍ حتى الرقم 4، وهي مهارة ترجع على الأرجح إلى كبر دماغها الأمامي، وهي سمة ترتبط عادة بالاستدلال الإحصائي. على الرغم من أن العديد يربطون استخدام الأدوات بالثدييات، توجد غربان تصنع أدوات معقوفة من العصي وتستخدمها لاستخراج الحشرات من الأشجار.
الأخطبوطات
أثارت الأخطبوطات، ربما أكثر من أي حيوانات أخرى، الاهتمام في السنوات الأخيرة بفضل العدد الكبير من الأبحاث والمقالات والكتب التي تسلط الضوء على أنواع ذكائها التي تبدو مألوفة ولكنها غريبة للغاية. أُبلغ عن أن الأخطبوطات الأسيرة تستطيع التمييز بين البشر، كما رُصدت هذه الحيوانات وهي ترش الحبر على الأشخاص الذين لا تحبهم. رُصدت الأخطبوطات وهي ترش الحبر على المصابيح الكهربائية لجعل محيطها داكناً أكثر. تشتهر هذه الرخويات الثمانية الأذرع بفضولها وبأنها مشاكسة نوعاً ما. يعتقد المسؤولون في حديقة أسماك رصيف سانتا مونيكا أن أخطبوطاً ذو نقطتين كان مسؤولاً عن فتح صمام مائي في عام 2009، ما أدى إلى تسرّب 757 لتراً من مياه البحر إلى المنشأة.
تعد الأخطبوطات البرية من أكفأ الحيوانات القادرة على تغيير شكلها. تستطيع الأخطبوطات ورأسيات الأرجل الأخرى تعديل طبقة لون بشرتها ولونها بسرعة لتندمج في محيطها وتتجنب الحيوانات المفترسة.
النحل الطنّان
أربكت الحشرات مثل النحل الطنان والنمل النُقّاد الذين يحاولون استثناء الحشرات من النقاشات المتعلقة بذكاء الحيوان. علّم الباحثون من جامعة كوين ماري في لندن عام 2016 النحل الطنان كيفية سحب خيط للحصول على مكافأة. وما يثير الإعجاب أكثر هو أن النحلات الأخرى تعلّمت أداء المهمة نفسها من خلال مشاهدة النحلات التي علّمها الباحثون. يتمتع النحل أيضاً بفهم دقيق على نحو مثير للإعجاب للعد، وأُبلغ أيضاً عن أنه قادر على فهم مفهوم الصفر، أو اللاشيء، وهي ميزة لا تُرصد عادة إلا في البشر والببغاوات والقردة.
جراد البحر
قد يظهر جراد البحر، وهو ابن عم الروبيان المشهور، علامات تشير إلى مشاعر القلق التي يمكن علاجها باستخدام الأدوية التي تشبه الفاليوم. على الرغم من أن هذه الكائنات البحرية التي تبدو أثرية موجودة منذ مئات الملايين من السنين، لم يعتبر العلماء عادة أنها تمتلك ما يكفي من الذكاء لاعتبارها واعية.
اختبر الباحثون من جامعة بوردو هذا الافتراض في دراسة نُشرت عام 2014، عرّضوا فيها مجموعة اختبار لحقل كهربائي بهدف تحفيز تجربة تشبه القلق. وُضعت هذه الحيوانات بعد الاختبار في أحواض مختلفة احتوت على مناطق داكنة وأخرى ساطعة. يفضّل جراد البحر عادة المناطق الداكنة، لكن الأفراد الذين تعرضوا للحقل الكهربائي تجنّبوا المناطق الساطعة تماماً. عندما فحص الباحثون المجموعة التي خضعت للتجربة أكثر، لاحظوا أن أفرادها يفرزون مستويات عالية من السيروتونين، وهو ما يحدث في الأنواع الأخرى استجابة للقلق. ما له دلالات أكثر هو أن الباحثين حقنوا جراد البحر بأدوية مضادة للقلق ولاحظوا أن هذه الحيوانات تغلبت في النهاية على عجزها عن استكشاف المناطق الأكثر سطوعاً في الأحواض.
اقرأ أيضاً: شاهد صوراً مذهلة لصغار بعض الكائنات البحرية
أسماك نابليون المنظّفة
للوهلة الأولى، لا تبدو أسماك نابليون المنظّفة الرائجة، التي يبلغ متوسط طولها نحو 10 سنتيمترات وتوجد بكثرة في الشعاب المرجانية، منافسة بديهية في قائمة الحيوانات الذكية. مع ذلك، بيّن الباحثون أن هذه الأسماك تستطيع إكمال اختبار علامة المرآة، وهو أحد أكثر التجارب رواجاً لتحديد قدرة الحيوان على التعرف على نفسه من عدمها. حتى الكلاب تفشل في هذا الاختبار عادة.
وفقاً لدراسة نُشرت في مجلة بلوس بايولوجي (PLOS Biology)، وضع الباحثون 10 أسماك من هذا النوع في حوض يحتوي على مرآة. على الرغم من أن أغلبية الأسماك اعتقدت على الفور أن انعكاسها هو حيوان آخر، بدأ العديد منها بقضاء المزيد من الوقت أمام المرايا. بدأت هذه الأسماك بالسباحة رأساً على عقب واتباع سلوكيات أخرى تُعد غير عادية بالنسبة لهذا النوع. عندما وضع الباحثون علامات على شكل نقطة بنيّة على الأسماك، بدا أن بعضها لاحظ وجود النقطة وحاول إزالتها.