في مملكة الحيوان، الحجم لا يرتبط دائماً بالقوة. وعلى الرغم من أن الحيوانات الكبيرة مثل الفيلة والثيران تستطيع تحريك الأجسام الضخمة دون بذل جهد كبير، تُعد الحشرات الكائنات الأقوى في العالم بالنظر إلى وزنها.
تستطيع خنافس الروث التي يبلغ طولها نحو 3 سنتيمترات، وهي أقوى كائن في الطبيعة نسبةً إلى حجمها، أن تحرّك كرات البراز التي يعادل وزنها 1,141 ضعفاً من وزن جسمها. إذا كان البشر بهذه القوة، سيتمكنون من حمل مكّوك فضائي! من ناحية أخرى، يستطيع أكبر حيوان برّي، وهو ذكر الفيل الإفريقي، حمل نحو 590 كيلوغراماً، وهو رقم مثير للإعجاب بالنسبة إلى البشر ولكنه يساوي نحو 10% فقط من وزن جسمه.
اقرأ أيضاً: أعلى 12 حيواناً صوتاً في العالم
القوة مقابل الحجم: الحشرات تربح!
يقول الباحث في الميكانيكا الحيوية الحيوانية في معهد ماكس بلانك للأنظمة الذكية في ألمانيا، أندرو شولتز، إن الفيلة الإفريقية "ضعيفة للغاية في الواقع" نسبةً إلى وزنها. وعلى الرغم من أن الفيلة أقوى بكثير من الإنسان العادي؛ إذ تستطيع حمل ما يصل إلى 317 كيلوغراماً بخراطيمها فقط، فإن حجم هذه الحيوانات السميكة الجلد يقلل قوّتها.
يعود ذلك إلى مبدأ رياضي يحمل اسم "قانون المربّع المكعّب". توصّل عالم الفلك والفيزيائي، غاليليو غاليلي، إلى هذا القانون منذ 400 عام، وينص هذا الأخير على أن حجم شكل ما يزداد بمعدل أكبر من معدل تزايد مساحة سطحه مع توسّعه. على سبيل المثال؛ إذا تضاعف طول شخص ما، ستزيد كتلته لتصبح 8 أضعاف ما كانت عليه.
يساعد هذا القانون على تفسير ضَعف الكثير من الحيوانات الكبيرة مقارنة بالحيوانات الصغيرة، وذلك نسبةً إلى وزنها بالطبع. ببساطة، تزداد كتلة الحيوانات بمعدل كبير مع زيادة حجمها؛ ما يجبرها على تكريس المزيد من قوتها لدعم حجمها. لذلك؛ لن يصبح فيل ما أقوى بـ 10 مرات إذا ازداد حجمه ليصبح 10 أضعاف حجمه الأوليّ.
يخضع البشر لقانون المربّع المكعّب أيضاً؛ خذ الرياضيين المحترفين مثالاً. عموماً، يستطيع الرياضيون الأخف وزناً الجري بسرعة أكبر وإجراء المزيد من العدّات من تمرين رفع الجسم بسهولة أكبر مقارنة بالأشخاص الأكبر وزناً؛ وذلك لأنهم يسخّرون نسبة أقل من قوّتهم لدعم كتلتهم.
مع ذلك، لن يُكسبك انخفاض الوزن قوّة الحشرات الخارقة. إذاً كيف يتمكّن النمل القاطع للأوراق من حمل القطع من الأوراق التي يبلغ وزنها 50 ضعفاً من وزنه؟ وكيف تتمكّن خنافس وحيد القرن من حمل الأجسام التي يبلغ وزنها 80 ضعفاً من وزنها؟ الجواب هو أن هذه الحشرات وغيرها من الحشرات الصغيرة تتمتّع بسمة استثنائية، وهي الهياكل الخارجية.
اقرأ أيضاً: ما علاقة حجوم الحيوانات بطول عمرها؟
كيف أصبحت الحشرات أقوى؟
يقول عالم الحشرات ومؤلف كتاب "التوازن المميت: المفترسات والبشر في عالم مكتظ" (The Deadly Balance: Predators and People in a Crowded World)، آدم هارت، إنه على عكس البشر الذين يتمتّعون بهياكل عظمية داخلية، فإن الحيوانات ذات الهياكل الخارجية "لها أجزاء صلبة خارجية؛ ما يوفّر للعضلات مساحة أكبر للنمو. الهياكل الخارجية هي التي تؤدي الدور الأكبر في دعم أجسام هذه الحشرات". يعزز ذلك قدرة عضلات الحشرات على القيام بالأعمال الشاقة المتطلبة لبقائها.
يتمتّع كل من النمل القاطع للأوراق وخنافس الروث، والعديد من الحشرات الأخرى الصغيرة ولكن القوية، بهياكل خارجية تتألف من الكيتين.
هذا البوليمر الطبيعي ليس أقوى من العظام على نحو متناسب فقط؛ بل إنه يرتبط بالعضلات أكثر من العظام. تحتوي أجسام الحشرات واللافقاريات الأخرى ذات الهياكل الخارجية الكيتينية على كمية أكبر من العضلات. قد نتمكّن من تعلّم شيء ما من هذه الهياكل أيضاً؛ إذ يدرس العلماء اليوم الهياكل الخارجية الشبيهة بالدروع التي تمتلكها أقوى الحشرات واللافقاريات في الطبيعة بهدف تصميم مواد أقوى لصنع الحاويات والآلات والدروع الواقية للبدن وإنشاء المباني.
اقرأ أيضاً: ما هي أذكى الحيوانات في العالم وكيف عرفنا مستوى ذكائها؟
وتُعد الأنواع مثل النمل القاطع للأوراق وخنافس الروث قوية على نحو استثنائي حتى مقارنةً بأقرانها في عالم الحشرات. لا تستطيع الحشرات واللافقاريات جميعها تحريك الأجسام التي تبلغ أحجامها مئات الأضعاف من حجمها، ونشأت هذه القدرة في أغلب الحالات بسبب عوامل ضغط تطوريّة. على سبيل المثال؛ يحتاج النمل القاطع إلى الأوراق إلى إمداد كبير ومستمر من الأوراق لتغذية الفطريات التي تعيش في أعشاشه التي ينمّيها ليتغذّى عليها. وعلى الرغم من أن النمل يستطيع العثور على أوراق الشجر بسهولة، يتطلّب نقل هذه الأوراق إلى الأعشاش القوة، وقد طوّر النمل قدرة هائلة على فعل ذلك.
لذلك؛ عندما تحتاج إلى القليل من الإلهام في أثناء ممارسة التمارين في صالة الألعاب الرياضية، لا تفكّر في الفيلة؛ بل استمد هذا الإلهام من النمل القاطع للأوراق أو الحشرات القوية الأخرى.