ما هي قوانين مورفي للحظ السيئ؟ وما العلم الكامن وراءها؟

5 دقيقة
ما هي قوانين مورفي للحظ السيئ؟ وما العلم الكامن وراءها؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Michael Ciranni
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هل لاحظت سابقاً أن قهوتك تنسكب فجأة على قميصك أو لوحة المفاتيح قبل اجتماع مهم أو عرض تقديمي؟ أو تتعطل سيارتك أو تواجه عطلاً غير متوقع يستدعي صرف الكثير من المال في اللحظة التي تعتقد فيها أن ميزانيتك المالية تحت السيطرة؟ أو أنك عندما تقف في الطابور، فإن الطابور الآخر الذي لا تقف فيه يتحرك أسرع؟ أو أن الأمور السيئة كلها تحدث مع بعضها بعضاً؟ إذاً، مرحباً بك في عالم تحكمه قوانين مورفي؛ وهي قوانين (متفائلة جداً) تنصُّ على “إن كان من المحتمل أن تسوء الأمور، فسوف تسوء”، و”إذا تُرِكت الأمور على حالها، فسوف تتحول دائماً من سيئ إلى أسوأ”. 

لنفرض مثالاً آخرَ، إذا سقطت قطعة خبز محمّصة مدهونة بالزبدة من الطاولة إلى الأرض، فمن وجهة نظر تقليدية، سقوط قطعة الخبز حادثة عشوائية واحتمال سقوطها على أحد الوجهين هو 50% لكل منها، لكن ما يحدث، وفقاً لقانون مورفي، أنها ستسقط غالباً على وجهها المدهون بالزبدة، كي تعم الفوضى المكان!

وهذه ليس مجرد نظرة تشاؤمية، بل دراسة فعلية نُشِرت في المجلة الأوروبية للفيزياء عام 1995، وأجراها أستاذ الرياضيات في جامعة أستون (Aston University) روبرت ماثيوز (Robert Matthews)، إذ بيّنت الدراسة أن الخبز المحمص لديه بالفعل ميل متأصل للسقوط على الجانب المدهون بالزبدة في مجموعة واسعة من الظروف، فهل يعني هذا أن قانون مورفي المتشائم يحكم كوننا؟ أو يستند إلى أساس علمي؟ لنرَ إن كان ثمة علم كامن وراء قوانين مورفي للحظ السيئ.

اقرأ أيضاً: لماذا يتألف شهر فبراير من 28 يوماً فقط؟ ولماذا تشاءم به الرومان؟

كيف نشأ قانون مورفي؟

لا تقِل قصة نشوء القانون طرافة عنه، ففي عام 1949 كان الضباط في قاعدة إدواردز الجوية الأميركية يجرون مجموعة من الاختبارات التي من شأنها أن تفيد تصميم الطائرات في المستقبل. ومن تلك التجارب أنه كان على أحد المتطوعين ركوب زلاجة صاروخية تتحرك بسرعة تتجاوز 200 كيلومتر في الساعة وتتوقف فجأة في أقل من ثانية، وذلك من أجل قياس مقدار قوة الجاذبية التي يمكن أن يتحملها الشخص. وبالفعل، تطوّع العقيد الطبيب جون بول ستاب، وخلال عدة أشهر من إجراء التجربة، تعرض سناب لكسور في العظام وارتجاجات في الدماغ والعديد من الأضرار الأخرى.

وفي أحد الاختبارات، قدّم المهندس الطيار إدوارد مورفي مجموعة من أجهزة الاستشعار لقياس قوة الجاذبية التي يختبرها العقيد ستاب، لكن الاختبار الأول، وبعد توصيل المستشعرات وإجراء التجربة، لم يعطِ سوى قراءة صفر؛ فقد توصلت أجهزة الاستشعار  كلها التي قدمها مورفي على نحو خاطِئ. لقد كان لكل مستشعر طريقتان لربطه، وقد ثُبت كل مستشعر منها بطريقة خاطئة.

وعندما اكتُشِف أمر الخطأ، تذمّر مورفي من الفني المسؤول وقال شيئاً على غرار: “إذا كانت ثمة طريقتان لفعل أمر ما، وإحدى هاتين الطريقتين ستؤدي إلى كارثة، فسوف يُفعل الأمر بهذه الطريقة”. وبعد وقتٍ قصيرٍ، أدرك العقيد ستاب، الذي يتمتّع بروح الدعابة وسرعة البديهة، أهمية ملاحظة مورفي، فقال في مؤتمر صحفي لاحق “إن كان من المحتمل أن تسوء الأمور، فسوف تسوء”، وعزا سجل السلامة الخاص بفريق الزلاجات الصاروخية إلى وعيهم بهذا المبدأ. ومنذ ذلك الحين، أُضِيف العديد من القوانين إلى قانون مورفي واكتسح الثقافة الشعبية.

اقرأ أيضاً: أسئلة منتصف الليل: هل نعيش وحدنا في الكون؟

هل قانون مورفي حقيقي؟ وكيف يمكن تفسيره؟

قانون مورفي ليس قانوناً حقيقياً بالمعنى المستخدم في العلوم، فالقانون العلمي هو وصف، وغالباً ما يكون وصفاً رياضياً لظاهرة طبيعية مدعوماً بمجموعة كبيرة من الأدلة التجريبية، أمّا قوانين مورفي فهي بيان لا يثبت ولا يفسِّر شيئاً، وإنما ينصُّ ببساطة على مبدأ مفاده أن الأمور سوف تسوء، وهو ما يحدث فعلاً في كثيرٍ من الأحيان، فهل يمكن تفسير ذلك؟ 

في البداية، يمكن للعوامل البشرية مثل الخطأ والإهمال والظروف غير المتوقعة أن تسهم في ظهور قانون مورفي، فحتى مع أفضل النوايا والتخطيط الدقيق، تظلّ العديد من العوامل خارجة عن سيطرتنا على نحو قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة؛ أي يمكن تفسير قانون مورفي باعتباره انعكاساً لعدم قدرة البشر على التنبؤ وافتقارهم السيطرة على الظروف الخارجية المعقدة، ما يؤدي إلى وقوع أحداث أو نتائج غير مواتية.

فضلاً عن أن البشر يميلون بطبيعتهم إلى تذكُّر التجارب السلبية والتفكير فيها أكثر مما يفعلون تجاه التجارب الإيجابية، فمن الواضح أن المواقف السلبية تجذب انتباههم وتلتصق بذاكرتهم وتؤثّر غالباً في قراراتهم. لذلك وفي حال كان الإنسان يعي قانون مورفي ويعلم بوجوده، فإنه غالباً ما سيوجِّه أصابع الاتهام إليه كلما مر بموقف سلبي غير متوقع، وذلك بسبب الانحياز التأكيدي؛ أي ميل الإنسان لتفسير المعلومات وتذكُّرها على نحوٍ يتوافق مع افتراضاته وتوقعاته السابقة.

لنعد إلى قطعة الخبز تلك، يجب أن نأخذ في الاعتبار عند تفسير الظاهرة حقيقة أن وجهاً من وجهيها أثقل من الآخر، ما يسبب انقلاب الوجه الأثقل نحو الأرض بفعل قانون الجاذبية. إذاً وعلى الرغم من إمكانية تفسير قانون مورفي بناءً على عدم القدرة على التنبؤ بالحياة والطبيعة البشرية وتحيزاتها، فإن هذا لا ينفي أن ثمة جانباً علمياً فيه فعلاً، وإليك كيف.

اقرأ أيضاً: هل بتنا نعيش أطول من أسلافنا؟ إليك كيف تغير متوسط العمر المتوقع عبر العصور

الأساس العلمي وراء قانون مورفي

ينصُّ أحد قوانين مورفي الشهيرة أنه “إذا تُرِكت الأمور على حالها، فسوف تتحول دائماً من سيئ إلى أسوأ”. دعونا نتفق أن كوننا محكوم بقوانين الفيزياء وليس بأخرى، فهل من الممكن أن يمتلك بعض قوانين الفيزياء حسّ الفكاهة الأسود ذاك؟ في الواقع، نعم. يمكن ملاحظة صدى قانون مورفي السابق يتردد في القانون الثاني للديناميكا الحرارية، الذي يتعامل مع مفهوم الإنتروبيا؛ وهي مقياس الفوضى أو مقدار الطاقة غير المتوفرة للقيام بعمل.

ينصُّ هذا القانون على أنه إذا تُرِك النظام المغلق على حاله دون مدخلات طاقة خارجية؛ والنظام المغلق هو منطقة معزولة عن محيطها بحدود لا تسمح بانتقال المادة إلى داخل النظام أو خارجه، وإنما تسمح بانتقال الطاقة فقط وتبادلها مع المناطق المحيطة، فإن الإنتروبيا تزداد دائماً بمرور الوقت أو تظلّ ثابتة في أحسن الأحوال.

وهذا يعني أن العمليات الطبيعية تميلُ إلى التحرك نحو حالة أكبر من الفوضى أو العشوائية. بمعنى آخر، بينما تظل الكمية الإجمالية للطاقة ثابتة داخل نظام مغلق، فإنها تميلُ إلى التشتت وتصبح أقل إتاحة للعمل المفيد. يشير هذا القانون أيضاً إلى وجود اللا رجعة في العمليات الطبيعية، ما يعني أن العمليات معظمها غير قادر على الرجوع إلى الوراء في الزمن. يساعد هذا القانون على فهم سلوك الأنظمة الفيزيائية واتجاه العمليات الطبيعية.

اقرأ أيضاً: لماذا لا تعمل الآلات بكفاءة في درجات الحرارة الشديدة؟ دراسة تفسّر الأسباب

لتبسيط الأمر قليلاً، تخيل أن لديك غرفة فوضوية، فإذا تركت الغرفة على حالها، فمن المرجّح أن تصبح أكثر فوضى بمرور الوقت بدلاً من أن تصبح أكثر نظافة، وكأس الشاي الساخنة في غرفة باردة لن تزداد سخونة، والمزهرية التي تتحطم لن تراها تستجمع قطعها المتناثرة من تلقاء نفسها لتعود كاملة مرة أخرى. يخبرنا القانون الثاني للديناميكا أن النظام يميلُ نحو الفوضى والاضطراب، ومحاولة الحفاظ على حالة ثابتة من أمر ما ستكون في غاية الصعوبة؛ إذ ثمة العديد من الطرق المختلفة التي يمكن أن تسوء فيها الأمور؛ بالتالي، يصبح قانون مورفي القائل “إن وُجِد احتمال لأن تسوء الأمور، فسوف تسوء” بمثابة بيان معقول للقانون الثاني في الديناميكا الحرارية.

إذاً وبناءً على ما سبق، يمكن القول إن قانون مورفي لا يتنبأ بالأسوأ، وإنما يذكّر بحقيقة بسيطة هي فشل الأنظمة سواء الهندسية أو العلمية أو اليومية وميلها إلى الانحراف، فإن كانت الطبيعة تسعى بالفعل إلى زيادة الفوضى، فعلينا إذاً أن نقيِّم المخاطر ونضع في الحسبان أسوأ الاحتمالات ونتجهز لها. بكلمات أخرى، علينا حرفياً “بذل الطاقة” من أجل مواجهة تأثيرات الإنتروبيا، أو الاستعداد لمواجهة السيناريوهات الأقل احتمالاً والأسوأ. إذاً، أنجِز عملك وكأن الكون كله يتآمر ضدك، وحينها قد لا تنطبق قوانين مورفي عليك، أو ربما تفعل، مَن يعلم؟