هل سبق لك أن لاحظت كيف يمكنك تقدير الوقت بدقة حتى دون أن تنظر إلى الساعة؟ تشبه هذه القدرة الفطرية، الموجودة لدى الكثيرين، وجود بندول داخلي يتتبع دقائق الزمن. ولكن ماذا يحدث عندما يكون جهاز ضبط الوقت الداخلي هذا خارج إيقاعه؟
تُعرف هذه الحالة بـ "عمى الوقت"، حيث يتسرب الوقت دون وعي بمقداره أو تقدير دقيق له. فما هو عمى الوقت؟ وما هي أسبابه وطرق إدارته وعلاجه؟
اقرأ أيضاً: الناس الذين يسمعون أصواتاً في رؤوسهم يمكنهم أيضاً إدراك الكلام الخفي
ما هو عمى الوقت؟
عمى الوقت ليس تشخيصاً طبياً رسمياً، لكنه مصطلح يشير إلى الصعوبات التي قد تواجهها في إدراك الوقت وإدارته بدقة، بما فيها:
- الصعوبة في إدراك الوقت الذي مضى؛ أي فقدان الإحساس بالوقت، وهو ما قد تشعر به في نهاية مكالمة هاتفية طويلة، حيث قد تعتقد أن ما استغرق منك نصف ساعة من الزمن ليس أكثر من بضع دقائق معدودة.
- عدم القدرة على تقدير الوقت اللازم لإنجاز مهمة ما. على سبيل المثال، قد تخصص ساعة واحدة لإنجاز مهمة ما، لكنك تكتشف لاحقاً أنها تحتاج إلى يوم كامل.
بكلماتٍ أخرى، عمى الوقت هو مشكلة حسّية ينتج عنها صعوبة إدراك متى مرّ الوقت أو تقدير المدة التي ستستغرقها مهمة ما.
على وجه العموم، ترتبط ظاهرة فقدان الإحساس بالوقت هذه بمجموعة متنوعة من الحالات العصبية؛ مثل اضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه، والتوحد، وإصابات الدماغ.
كيف يحدث عمى الوقت؟
لم يتمكن الباحثون من تحديد السبب الدقيق لعمى الوقت، لكنه قد يكون خللاً في آلية معالجة الدماغ للتغيرات في الوقت والتفاصيل الحسية. إحدى أكثر نظريات إدراك الوقت قبولاً هي "نظرية التوقع القياسي". بناءً على هذه النظرية، لكل فرد ساعة داخلية تعمل وفقاً لمعدل نبضات القلب، حيث يستطيع معظم الأشخاص تقدير مرور الوقت، مثل دقيقة واحدة، بدقة معقولة؛ وذلك لأن دماغنا لديه فكرة تقريبية عن عدد المرات التي ينبض فيها قلبنا في الدقيقة. بالإضافة إلى ذلك، يأخذ الدماغ في الاعتبار المدخلات الحسية الأخرى من البيئة المحيطة؛ مثل مستويات سطوع الضوء، ودرجة الحرارة.
من خلال الجمع بين هذه المعلومات، يبني الدماغ صورة شاملة عن المكان والوقت الذي توجد فيه ومدى السرعة التي تتحرك بها. بالنسبة للأفراد المصابين بعمى الزمن، مثلما يحدث في حالة التحفيز العاطفي القوي، قد لا تعمل الساعة الداخلية كما تفعل عادةً، حيث تسبب المشاعر المضطربة تغيراً في معدل ضربات القلب، وتعطيلاً للساعة الداخلية، ما يؤدي إلى تصوّر منحرف للوقت.
اقرأ أيضاً: تعرّف على هؤلاء الخبراء الخمسة الذين يراقبون الوقت
ما هي العلاقة بين اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه وعمى الوقت؟
يُعدّ عمى الوقت أحد الأعراض المعرفية الثانوية لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، حيث يعاني المصاب به:
- صعوبة في استخدام ما يُعرف بـ "الانتباه الموجَّه"، والانغماس في المقابل بـ "الانتباه التلقائي": الانتباه التلقائي هو نوع التركيز ودرجته الذي نمارسه لدى الانغماس في مهمة ممتعة بالنسبة لك، أمّا الانتباه الموجَّه، فهو التركيز الذي نستخدمه عندما ننشغل بمهام يتوجب عليك القيام بها، ولكنك لا تريد حقاً القيام بها؛ مثل الاستماع إلى محاضرة مملة. وبينما يمر الوقت في الانتباه التلقائي بسرعة، لأنك متحمس بما تقوم به، فإن الانتباه الموجَّه يكون مفروضاً عليك، لذا يتطلب منك الكثير من الجهد للحفاظ عليه، فتشعر ببطء مرور الوقت. ولكن بالنسبة للمصاب باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، فإن الانخراط في الانتباه الموجَّه يكون أصعب، لذا قد يبحث دماغه تلقائياً عن نشاطات أكثر متعة، ويتجنب المواقف التي تحتاج إلى انتباه أكثر. ينتج عن هذا الميل إلى البحث عن نشاطات أكثر متعة فقدان الإحساس بالوقت، والإصابة بعمى الوقت.
- خلل تنظيم الدوبامين: أفادت الطبيبة النفسية، رينيه بومونت، بأن الأشخاص المصابين باضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه يعانون نقص الدوبامين؛ وهو الناقل العصبي المسؤول عن التركيز في أنحاء المخ جميعها، ما يحدُّ من قدرتهم على التركيز والانتباه، ويفقدون إحساسهم بالوقت.
- الاختلافات في بنية الدماغ ووظيفته: ينخفض نشاط منطقة القشرة الجبهية في الدماغ لدى المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وهي الجزء من الدماغ الذي يتحكم في اتخاذ القرار والذاكرة والكلام، من بين وظائف مهمة أخرى.
نصائح لإدارة عمى الوقت
يرتبط عمى الوقت بالعديد من التحديات في الحياة اليومية؛ مثل الالتزام بالمواعيد النهائية وإدارة المسؤوليات والتخطيط على نحو فعّال، ما قد يكون مكلفاً. لذا لا بُدَّ من إيجاد وسائل للتغلب عليه، مثل:
- استخدم المنبهات والتذكيرات: زامن التقويم الرقمي على أجهزتك الإلكترونية كلّها، ثم اضبط المنبه أو المؤقت. لا تنسَ تخصيص وقت إضافي قبل أي موعد أو خلاله للحالات الطارئة والانشغالات.
- استخدم أداة بومودورو: تعوق هذه الأداة التركيز المفرط الذي يسبب فقدان الإحساس بالوقت، حيث تعتمد على تقسيم المهام إلى فترات مدتها 25 دقيقة، تليها 5 دقائق استراحة. كرر هذا النمط 4 مرات، ثم خذ فترة استراحة ما بين 15-30 دقيقة. تتوفر الأداة على كل من جوجل بلاي وآب ستور.
- مرّن عقلك على قياس الوقت: اضبط المؤقت فترات زمنية محددة وثابتة، على سبيل المثال كل 30 دقيقة؛ فقد تساعد دماغك بهذه الطريقة على تقدير الوقت الذي يمر.
- اطلب الدعم: في حال كنت مصاباً باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، أو غيره من الحالات العصبية، لا بُدَّ من حصولك على الاستشارة الطبية المناسبة والدعم النفسي لإدارة أعراض الحالات.
اقرأ ايضاً: مفهومك عن الوقت يختلف باختلاف اللغة التي تتحدث بها
من الخيارات العلاجية المتاحة لعمى الوقت:
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يساعد العلاج السلوكي المعرفي على زيادة الوعي بالتحديات التي تعوق إدراكك للوقت، وتطوير مهارات أفضل لإدارة الوقت.
- أدوية المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه: يمكن للأدوية المنشطة أن تنظّم مستويات الدوبامين في الدماغ، وهو ما يرتبط بتحسين إدراك الوقت.