قد يكون عامل السرعة هو العامل الوحيد الذي يجذب العديد من عشاق رياضات الزلاجة الجماعية والزحافات الثلجية والزحافات الصدرية، والتي تتم المنافسات فيها أثناء دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين لهذا العام. ولكن انحدار المتسابقين المتعرج والمثير على المسار يتم بناءً على العديد من قوانين الفيزياء. حيث تلعب كيفية تعامل الرياضيين مع المسار وفقاً لقوانين الفيزياء هذه، الدور الأهم في تحديد أسرع المتسابقين في النهاية.
بصفتي أدرس فيزياء الرياضة، أعتقد أنه يمكن تفويت الكثير من الأمور الشيقة في سباق الزحافات الثلجية السريع. هناك الكثير من الحركات الصغيرة جداً والتي يقوم بها الرياضيون إلى درجة لا يمكن ملاحظتها أثناء انزلاقهم على المسار، حيث لا تظهر على التلفاز بوضوح مطلقاً. سيكون من السهل الافتراض أن المتنافسين ينزلقون ببساطة على المضمار بفعل الجاذبية، لكن ذلك ليس إلا جزءاً بسيطاً من تفاصيل الفيزياء الدقيقة التي تلعب الدور الأهم في الوصول إلى الميدالية الذهبية.
الجاذبية والطاقة
تقف الجاذبية وراء اندفاع الزلاجات إلى أسفل المسار المغطى بالجليد في منافسات الزلاجة الجماعية والزحافات الثلجية والزحافات الصدرية. إن مبدأ العمل الفيزيائي الأساسي بسيط؛ ما عليك سوى الانطلاق من مكانٍ مرتفع والانحدار إلى ارتفاعٍ أقل، بحيث تسمح للجاذبية بإكسابك تسارعاً متزايداً لتصل سرعتك إلى 144 كيلومتراً في الساعة.
هذا العام، تقام المنافسات في مركز يانتشينغ الوطني للتزلج. يبلغ طول المسار نحو 1600 متراً، ويبلغ ارتفاعه، من البداية وحتى النهاية، 120 متراً. حيث يتضمن القسم الأكثر انحداراً تدرجاً شديداً بنسبة 18%، ويتكون من 16 منعطفاً.
يحقق المتزلجون سرعاتهم العالية عن طريق تحويل طاقة الجاذبية الكامنة إلى طاقة حركية. حيث تمثل طاقة الجاذبية الكامنة الطاقة المخزنة، وتزداد كلما ارتفع الجسم عن سطح الأرض. تتحول الطاقة الكامنة إلى شكل آخر من أشكال الطاقة بمجرد أن يبدأ الجسم في السقوط، وتحديداً إلى طاقةٍ حركية تُكسب الجسم حركته. في الحقيقة، السبب الذي يجعل كرة البيسبول الطائرة تحطم الزجاج إذا اصطدمت بنافذة هو أن الكرة تنقل طاقتها الحركية إلى الزجاج. وتزداد كل من طاقة الجاذبية الكامنة والطاقة الحركية مع زيادة الوزن، ما يعني أنه، وعند سرعة معينة، ستكون الطاقة التي يمتلكها فريق زلاجة جماعية مكون من أربعة أشخاص أكبر من الطاقة التي تمتلكها الزحافة التي تتسع لشخص واحد أو الزحافة الصدرية.
يتعامل المتسابقون مع الكثير من الطاقة الحركية والقوى الهائلة. على سبيل المثال، عندما يدخل الرياضيون منعطفاً بسرعة 129 كيلومتراً في الساعة، فإنهم يختبرون تسارعات يمكن أن تصل إلى خمسة أضعاف تسارع الجاذبية الطبيعي. لذلك إذا كنت تعتقد أن قيادة الزلاجة الجماعية أو الزحافة الثلجية وحتى الزحافة الصدرية سهلة، عليك أن تعلم أنها في الواقع ليست كذلك مطلقاً.
اقرأ أيضاً: الفيزياء هي المتورطة في توقف البطاريات عن العمل
الديناميكا الهوائية
يبلغ طول معظم المسارات نحو 1.6 كم، ويقطع الرياضيون تلك المسافة في أقل من دقيقة، ويتم احتساب الأوقات النهائية بجمع أربعة أشواط معاً. كان الفارق بين وقت الفائز بالميدالية الذهبية ووقت الفائز بالميدالية الفضية في زحافات فردي الرجال في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية عام 2018 هو 0.026 ثانية فقط، لذلك حتى الأخطاء الصغيرة التي يمكن أن يرتكبها الرياضيون المحترفون في العالم يمكن أن تكلف ميدالية.
ينطلق جميع الرياضيين من نفس الارتفاع ويسلكون نفس المضمار نزولاً. لذلك فإن الفرق بين أن تفوز بميدالية ذهبية أو أن تحقق نتيجة مخيبة للآمال لا يعود إلى الجاذبية والطاقة الكامنة، بل إلى الانطلاقة السريعة، وأقصى انسيابية يمكن تحقيقها، بالإضافة لسلوك أقصر طريق عبر المسار.
عندما تسحب الجاذبية الرياضيين وزلاجاتهم إلى أسفل المنحدر، فإنهم يحتكون باستمرار مع جزيئات الهواء التي تخلق قوةً تسمى سحب الهواء، والتي تحاول سحب الرياضيين والزلاجات للخلف عكس اتجاه سرعتهم. ولكن كلما كان اللاعب أو الفريق أكثر ديناميكيةً هوائية أو لنقل أكثر انسيابية، زادت السرعة.
لتقليل قوة سحب الهواء، يستلقي راكبو الزحافات الثلجية، ووجوههم للأعلى، بشكلٍ مسطح قدر الإمكان، وينطبق الأمر نفسه على راكبي الزحافات الصدرية. بينما في فريق الزلاجة الجماعية، سواء المكونة من شخصين أو أربعة، يحاول المتسابقون الالتصاق بإحكام قدر الإمكان داخل الزلاجة لتقليل المساحة التي يمكن أن يتخللها الهواء. حيث يمكن لأي خطأ في وضعية الجسم أن يجعل الرياضيين أقل انسيابية ويكلف زياداتٍ صغيرة في الوقت يمكن أن تؤدي لخسارتهم ميدالية، ومن الصعب تصحيح هذه الأخطاء عند التسارعات والسرعات العالية.
اقرأ أيضاً: نجوم فائقة السرعة تستطيع الهروب من جاذبية مجراتها
أقصر طريق إلى خط النهاية
إلى جانب أهمية تحقيق أقصى انسيابية، فإن العامل المهم الآخر للسرعة هو المسار الذي يسلكه الفريق. فمن خلال تقليل الطول الإجمالي الذي تسلكه الزلاجات وتجنب التعرج عبر المسار، سيقطع المتسابقون مسافة أقل. كما يفيد تقصير المسار بمواجهة قدرٍ أقل من قوة سحب الهواء، وتقليل فقدان السرعة الناجم عن ذلك عبر المسار وصولاً إلى خط النهاية.
غالباً لا ينتبه المشجعون إلى هذه التفاصيل الدقيقة، والتي ينطوي عليها الانعطاف والتوجيه. تستقر الزلاجات في مختلف المنافسات على مجموعتين من العوارض الفولاذية تُدعى «المزالج». تحتوي الزلاجات الجماعية على مجموعتين من المزالج المتلامسة مع الجليد، حيث يقوم الراكب الأمامي بسحب حلقاتٍ متصلة ببكرات تقوم بتدوير المزلق الأمامي. بينما تمتلك المزالج الخاصة بالزحافات الثلجية أقواس منحنية في المقدمة حيث يضع راكبوها أرجلهم، ويقومون بتوجيه الزحافة عن طريق تحريك رؤوسهم أو ثني أرجلهم. بينما تفتقر الزحافات الصدرية إلى هذه الضوابط، حيث يجب على الرياضيين ثني الزحافة نفسها باستخدام أكتافهم وركبهم لتوجيه الزحافة والانعطاف، ولكن يمكن حتى لحركة الرأس البسيطة الخاطئة أن تتسبب في انحراف الزحافة عن المسار المثالي.
من الصعب رؤية كل هذه الحركات الخفية على شاشة التلفزيون، ولكن قد تكون عواقبها كبيرة، إذ قد يؤدي التوجيه الزائد إلى الاصطدام بجدار المسار أو حتى وقوع الحوادث، بينما يؤدي التوجيه غير الملائم إلى انعطافاتٍ سيئة تكلف المتسابق المزيد من الوقت.
على الرغم من أنه قد يبدو أن المتسابقين ينزلقون ببساطة على المسار الجليدي بسرعات عالية بعد الانطلاق، إلا أن هناك الكثير من التفاصيل الدقيقة التي تحدث أثناء ذلك. سيتعين على المشاهدين الانتباه عن كثب للرياضيين على تلك الزلاجات سريعة الحركة لاكتشاف الجوانب الشيقة للفيزياء أثناء العمل.