أخطر حوادث تسرب الفيروسات من المختبرات

4 دقيقة
أخطر حوادث تسرب الفيروسات من المختبرات
حقوق الصورة: shutterstock.com/shisu_ka

من رواية "الجحيم" لدان براون الصادرة عام 2013 إلى فيلم الأكشن "المهمة المستحيلة 2" الذي صدر عام 2000، قدمت العديد من الأعمال الأدبية والفنية تصورات حول تسرّب فيروسات قاتلة من المختبرات العلمية، وكيفية انتشارها والتدابير المحتملة لمكافحتها. وفي يوم 16 ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلنت حكومة كوينزلاند في أستراليا عن اختفاء مثير للقلق لمئات العينات من الفيروسات القاتلة من أحد المختبرات، ما بث الحياة في السيناريوهات التي بدت ذات يوم محصورة في الخيال العلمي، وأثار هذا "الخرق الأمني الحيوي الكبير" أسئلة ملحّة حول الآثار المترتبة على الصحة العامة، وأمن مثل هذه المواد الخطرة وإدارتها.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تتعاون الفيروسات بهدف البقاء؟

كيف فُقدت عينات الفيروسات القاتلة؟

الاثنين 16 ديسمبر عام 2024، أعلن وزير الصحة الأسترالي عن بدء التحقيق في اختفاء 323 عينة فيروسية من مختبر تديره الدولة في كوينزلاند خلال عام 2021 في "خرق كبير" لبروتوكول الأمن البيولوجي. إلا أن الاختراق لم يُكتشف حتى أغسطس/آب 2023، حيث كشفت السلطات المختصة أنه في عام 2021 حدث عطل في الثلاجة التي تضم هذه القوارير، فأزيلت بغرض نقلها إلى ثلاجة أخرى ولكن العملية حدثت دون توثيق رسمي في السجلات، واختفت العينات. لاحقاً، في أغسطس من عام 2023، أدرك المختبر اختفاء العينات، لكنه لم يتمكن من تحديد إذا ما كانت العينات قد نُقلت أو دُمرت نهائياً؛ لعدم وجود سجلات لها، إضافة إلى أنهم لم يجدوا ما يشير إلى تعرّضها للسرقة من المختبرات.

مخاطر الخرق الأمني الحيوي الكبير

ضمن العينات التي اختفت من المختبرات 3 أنواع من الفيروسات هي:

فيروس هيندرا (Hendra Virus)

فيروس هيندرا حيواني المنشأ؛ ينتقل من الخفافيش الكبيرة إلى الإنسان عبر وسيط هو الخيول. كان أول ظهور له عام 1994 في أستراليا، حيث تسبب في مقتل مدرب و13 حصاناً، وحتى عام 2016 لم يظهر الفيروس خارج أستراليا، لكنه أصاب نحو 70 حصاناً في أستراليا، وانتقل إلى 7 أشخاص معظمهم من المهنيين البيطريين. يبلغ معدل الوفاة به لدى البشر 57%، ويسبب أعراضاً تتراوح شدتها ما بين الإنفلونزا والأمراض التنفسية أو العصبية المميتة. وفي دراسة نشرتها دورية نيتشر (Nature) عام 2022، تبين أن فقدان الموائل وتغير المناخ زادا خطر انتقال الفيروسات من الخفافيش إلى الحيوانات الأخرى والبشر، فعلى مدار 25 عاماً، لاحظ الباحثون أن الخفافيش اقتربت من الأنشطة البشرية، مثل المزارع، بسبب التغيرات في بيئتها، ما زاد فرص انتقال الفيروس.

ومع ذلك، لا ينتشر فيروس هيندرا بكفاءة بين الناس، ومن غير المرجح أن يسبب تفشياً كبيراً أو جائحة.

فيروسات هانتا (Hantaviruses)

وهو عائلة من الفيروسات التي تنتقل عن طريق القوارض، وخاصة عند التعرض لبولها وفضلاتها ولعابها. لها معدلات وفيات تصل إلى 38%، حيث يمكن أن تسبب هذه الفيروسات متلازمتين مميتتين:

  • متلازمة الرئة الفيروسية هانتا (HPS)، تنتشر غالباً في نصف الكرة الغربي (الولايات المتحدة).
  • الحمى النزفية المصحوبة بمتلازمة الكلى (HFRS)، وتوجد غالباً في أوروبا وآسيا.

فيروسات ليسا (lyssavirus)

فيروسات ليسا هي مجموعة من الفيروسات التي تسبب داء الكلب، وتنتقل عادة عن طريق لدغة من حيوان مصاب مسعور، مسببة التهاب الدماغ المميت الناجم عن داء الكلب.

وعلى الرغم من معدلات الوفاة العالية التي تسببها هذه الأنواع الثلاثة من الفيروسات، فقد وضح كبير مسؤولي الصحة الدكتور جون جيرارد (John Gerrard) أن عينات الفيروس التي اختفت تتحلل بسرعة كبيرة خارج الثلاجة ذات درجة الحرارة المنخفضة وتصبح غير معدية. ولم يجري الكشف عن حالات إصابة بفيروس هيندرا أو فيروس ليسا بين البشر في كوينزلاند على مدى السنوات الخمس الماضية، ولم ترد أي تقارير حول إصابة البشر بفيروس هانتا في أستراليا على الإطلاق. وأشار جيرارد أيضاً إلى أنه من غير المرجح أن يكون التعامل مع هذه العينات بلا مبالاة أو نقص في الخبرة، وأن أحد الاحتمالات الواردة هو أنه قد جرى تدميرها باستخدام جهاز التعقيم بالبخار، وفقاً لبروتوكولات المختبر المعتادة.

ومع ذلك فقد سلطت هذه الحادثة الضوء على وجود ثغرات خطرة في حفظ السجلات والمراقبة، وضرورة إعادة تدريب الموظفين ومراجعة التصاريح لضمان الامتثال للوائح.

اقرأ أيضاً: ماذا نعرف عن الفيروس الرئوي البشري (HMPV) الذي ينتشر في الصين؟

حوادث فقدان عينات فيروسية مماثلة ومخاطرها

في الواقع، لا تعد حادثة اختفاء عينات الفيروسات من مختبرات كوينزلاند الأولى من نوعها أو الأخطر، بل ثمة العديد من حالات اختفاء عينات ميكروبية أو تسربها من المختبرات العلمية والتي تسبب بعضها في جوائح كبّدت البشرية الملايين من الأرواح، ومن الأمثلة عنها:

جائحة كوفيد-19

هي آخر الجوائح الفيروسية التي اجتاحت كوكبنا الأزرق ولعلها من الأعنف، إذ تجاوز عدد الوفيات العالمية بسبب كوفيد-19 الـ 7 ملايين حالة بدءاً من عام 2019 وحتى أبريل/نيسان 2024.

كوفيد-19 هو المرض الناجم عن فيروس كورونا (التاجي)، وهي عائلة كبيرة من الفيروسات التي تسبب نزلات البرد لدى البشر والحيوانات بما فيها الإبل والماشية والخفافيش. 

في عام 2019، ظهرت سلالة متحورة من الفيروس أول مرة في مدينة ووهان الصينية، وانتشرت بسرعة في أنحاء العالم، حتى أعلنتها منظمة الصحة العالمية جائحة في مارس/آذار 2020. يؤثر الفيروس في المقام الأول في الجهاز التنفسي، ما يسبب الالتهاب الرئوي الحاد. قد يتطور في بعض الحالات إلى فشل الجهاز التنفسي، والذي قد يتطلب التهوية الميكانيكية، بالإضافة إلى التسبب بالجلطات الدموية وفشل الأعضاء المتعددة، فالموت.

يعتقد العديد من العلماء أن الفيروس نشأ في الخفافيش ثم انتقل إلى البشر من خلال مضيف من الحيوانات الوسيطة في سوق المأكولات البحرية في ووهان حيث تباع الحيوانات الحية أيضاً. وفي فرضية أخرى، يُعتقد أن الفيروس تسرب عن طريق الخطأ من مختبر في ووهان، حيث تُجرى الأبحاث حول فيروسات كورونا. ومع ذلك، لا توجد أدلة قاطعة لدعم هذه النظرية.

حوادث تسرب من المختبرات البريطانية

في دراسة نشرتها صحيفة التلغراف البريطانية، تبين أن حوادث المختبرات والتسربات ارتفعت بنسبة 50% في بريطانيا منذ ظهور فيروس كورونا، حيث أفادت المعلومات الواردة من الجامعات البريطانية وهيئات الأبحاث الحكومية وهيئة الصحة والسلامة بأن ميكروبات خطرة عديدة يجري تخزينها بالقرب من التجمعات السكنية ما قد يعرض حياة المواطنين للخطر، ومن أشهر هذه الحوادث التي وثقتها صحيفة التلغراف:

  • فقدان فأر معدّل وراثياً من أحد المختبرات. وعلى الرغم من أن الفأر نفسه قد لا يمثّل تهديداً مباشراً، فإن هروبه قد يؤدي إلى تأثيرات بيئية غير مقصودة إذا ما تفاعل مع مجموعات برية أخرى.
  • وخز عامل في جامعة يورك بالغلط بإبرة استخدمت لإصابة الفئران بطفيلي ليشمانيا دونوفاني.
  • تسرب فيروس إنفلونزا الطيور من أنبوب عينة متصدع في مختبر وكالة تنظيم الرعاية الصحية والأدوية (MHRA).
  • وخز أحد العاملين في مختبر بمستشفى هارتلاندز في برمنغهام بإبرة تحتوي على فيروس نقص المناعة البشرية، وفيروس الخلايا التائية اللمفاوية البشرية من النوع 2، وفطريات المبيضة البيضاء.

على الرغم من خطورة مثل هذه الحوادث، فقد أشارت الدراسة إلى أنه لم ينتشر الكثير منها إلى ما هو أبعد من العامل المختبري المعني بالحادث.

إصابة بفيروس إيبولا

عام 2018، تسبب حادث في مستشفى بودابست بهنغاريا في تعرض عامل مختبر لفيروس الإيبولا عن طريق الخطأ، لكن لم تظهر عليه أي أعراض.

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية فإن خطر انتشار الفيروس من هذا الحدث ضئيل، وصرح المعهد الوطني للصحة أنه لم يتسبب بتهديد لزملاء العمل أو الجمهور. يُذكر أن فيروس الإيبولا قد تفشى سابقاً خلال الفترة ما بين 2013-2016 في غرب إفريقيا، وأسفر عن أكثر من 11300 حالة وفاة.

المحتوى محمي