هل يمكن أن تتعاون الفيروسات بهدف البقاء؟

2 دقيقة
العلماء يرصدون علاقة فريدة بين الفيروسات أول مرة
صورة ملونة للفيروس التابع المكتشف حديثاً (باللون الأرجواني) المتعلق بالفيروس الآخر المساعد. يمثل هذا البحث أول مرة يرصد فيها العلماء فيروساً متعلقاً بفيروس آخر. تاجيد دي كارفالو
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

رصد العلماء أول مرة فيروساً يعلّق نفسه بفيروس آخر. صوّر مجهر إلكتروني التفاعل بين هذين الفيروسين اللذين ينتميان إلى نوعين مختلفين بتفصيل مذهل يبيّن أنهما قد تطورا على نحو مشترك. ونُشرت النتائج بتاريخ 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023 في مجلة الجمعية الدولية لعلم البيئة الميكروبية (Journal of the International Society of Microbial Ecology).

ينتمي الفيروسان المدروسان إلى فئة تحمل اسم العاثيات البكتيرية، المعروفة بأنها تصيب البكتيريا. تصيب العاثيات البكتيرية أيضاً الكائنات البدائية النواة الوحيدة الخلية التي تحمل اسم العتائق، ويشار إليها عادة بتعبير “العاثيات” فقط.

صورة ملونة للفيروس التابع المكتشف حديثاً (باللون الأرجواني) المتعلق بالفيروس الآخر المساعد. ويمثل هذا البحث أول مرة يرصد فيها العلماء فيروساً متعلّقاً بفيروس آخر. المصدر: تاجيد دي كارفالو
صورة ملونة للفيروس التابع المكتشف حديثاً (باللون الأرجواني) المتعلق بالفيروس الآخر المساعد. ويمثل هذا البحث أول مرة يرصد فيها العلماء فيروساً متعلّقاً بفيروس آخر. المصدر: تاجيد دي كارفالو

تعتمد الفيروسات التي يُطلق عليها اسم الفيروسات التابعة (الموضحة باللون الأرجواني) على كل من الكائن المضيف وفيروس آخر يُطلق عليه اسم الفيروس المساعد لإكمال دورة حياتها. يعتمد الفيروس التابع على الفيروس المساعد لبناء الغلاف الواقي الذي يغطي مادته الجينية ويحمل اسم القُفيصة، أو لمساعدته على استنساخ حمضه النووي.  يجب أن يكون التابع والمساعد قريبين أحدهما من الآخر فترة قصيرة على الأقل لتستمر هذه العلاقة، ولكن لم يرصد العلماء تعلّق فيروس تابع بآخر مساعد قبل الدراسة الجديدة.

اقرأ أيضاً: هل تمثّل الفيروسات المتجمّدة القديمة خطر جائحة جديدة على البشر؟

علامات “عض” على رقبة الفيروس!

قال عالم الأحياء في جامعة ميريلاند في مقاطعة بالتيمور والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، تاجيد دي كارفالو، في بيان صحفي: “لم أصدّق عيني عندما رأيت تعلق أحد الفيروسين بالآخر. لم يُرصد أحد العاثيات، أو أي نوع آخر من الفيروسات، يتعلق أحدهما بالآخر”.

أطلق الطلاب الذين عزلوا الفيروس التابع اسم ميني فلير (MiniFlayer) عليه، وأطلقوا على مساعده اسم مايند فلير (MindFlayer). رصد الفريق هذه العلاقة الفيروسية بين التابع والمساعد في أثناء فحص عيّنات لعائلة من العاثيات التابعة تصيب البكتيريا المتسلسلة. واعتقد هؤلاء في البداية أن العينات ملوثة بسبب احتوائها على سلاسل طويلة من الحمض النووي وبعض السلاسل الأخرى الأقصر التي لا تتطابق مع أي كائن معروف بالنسبة لهم.

التقط الباحثون صوراً مفصّلة بالمجهر الإلكتروني بيّنت أن 80% من الفيروسات المساعدة في هذه العينة تعلّقت بفيروسات تابعة عند “رقباتها”، حيث يتصل الغلاف الخارجي للمساعد بذيله. لاحظ الباحثون أيضاً أن رقبات الفيروسات المساعدة التي لم تتعلّق بها الفيروسات التابعة تحتوي على بقايا من محالق الفيروسات التابعة، وقالوا إن هذه البقايا تشبه “علامات العض”.

بعد ذلك، حلل الفريق جينومات العاثيات والبكتيريا المضيفة. تمتّعت الفيروسات التابعة بجينات مشفرة للغلاف البروتيني الخارجي، لكنها لم تمتلك الجينات اللازمة للتكاثر داخل الخلايا البكتيرية. تدعم هذه الأدلة الفكرة التي تنص على أن هذه العاثيات التابعة والمساعدة تتفاعل معاً.

اقرأ أيضاً: هل يمكن استخدام الفطور التي تتغذى على الحشرات في مقاومة الفيروسات؟

لاحظ الباحثون أيضاً أن الفيروسات التابعة لا تحتوي على جين ضروري يساعدها على الاندماج في جينوم الخلايا البكتيرية المضيفة بعد دخولها إليها. تستطيع أغلبية الفيروسات التابعة العيش في الحمض النووي للمضيف، ما يعني أنها ستتمكّن من التكاثر بمجرد دخول المساعد المناسب إلى خلايا هذا المضيف. وفقاً لفريق الدراسة الجديدة، يتعلق التابع بالمساعد باستخدام تكيّف فريد في ذيله، ما يمنحه القدرة على البقاء دون احتوائه على هذا الجين الضروري.

خطوة نحو فهم العلاقات الفيروسية

قال عالم الأحياء الحسابي في جامعة ميريلاند في مقاطعة بالتيمور والمؤلّف المشارك للدراسة الجديدة، إيفان إيريل، في بيان صحفي: “أصبح تعلق الفيروسات التابعة بالمساعدة منطقياً تماماً بالنظر إلى الأدلة الجديدة، لأن هذه الفيروسات ستتمكن بذلك من ضمان دخولها إلى الخلايا في الوقت نفسه. تكيّفت جينومات الفيروسات التابعة الجديدة بطريقة تتيح لها التعلّق بالفيروسات المساعدة على مدار 100 مليون سنة على الأقل بحسب تقديري”.

لم يُرصد هذا النوع من العلاقات إلا في المختبرات حتى الآن. ويمكن أن يساعد فهم هذه العلاقات الفيروسية الطويلة الأمد العلماء على اكتشاف العديد من الكائنات الأخرى التي تشكّلها في الطبيعة.

قال دي كارفالو: “من المحتمل أن الكثير من العاثيات التي اعتقد العلماء أنها ملوثة كان في الواقع عبارة عن أنظمة تتألف من الفيروسات التابعة والمساعدة. وقد يتمكّن العلماء الآن بعد نشر هذه الدراسة من اكتشاف المزيد من هذه الأنظمة”.