كيف تتجنب الإصابة بالبرق؟

5 دقائق
الإصابة بالبرق
حقوق الصورة: جوناثان باورز/ أنسبلاش

«البرق ظاهرة طبيعية ساحرة. وتظهر في سماء الليل على شكل شرارةٍ كهربائيةٍ تنشأ عن تفريغٍ مفاجئٍ وعنيف في مناطق الغلاف الجوي المشحونة. لكن أي شخصٍ خبِر صدمة وقوّة البرق عن قرب يدرك أنه أكثر من مجرّد ظاهرةٍ ضوئية. إنها ظاهرةٌ مهيبةٌ حقاً.

لذلك، وقبل أن يبدأ موسم العواصف الرعدية الصيفية، خذ دقيقةً من وقتك لتتعلّم المزيد عن إجراءات الوقاية من الصواعق كي تتمكن من حماية نفسك ومنزلك من خطرها.

اقرأ أيضاً: كيف نعرف المسافة التي تفصلنا عن الموقع الذي رأينا البرق يضرب فيه؟

ما هو البرق؟

بالطبع، البرق ليس من فعل الإله «زيوس» أو «ثور» كما تقول الأساطير القديمة. يحدث البرق عندما تتجمّع الشحنات الكهربائية الموجبة والسالبة في الغلاف الجوي، وعندما تتعادل هذه الشحنات المتعاكسة، يحدث تفريغٌ كهربائي سريع وقويّ (تصل قوته إلى 300 مليون فولط) على شكل انفجارٍ أو شرارةٍ كهربائية، أو ما نسميه البرق.

يحدث البرق بين السُحب عموماً، ولكن إذا كانت السحب قريبةً إلى الأرض بما يكفي، يمكن أن يحدث التفريغ الكهربائي بينهما ويشكّل بالتالي خطراً حقيقياً علينا وعلى ممتلكاتنا، إذ يمكن أن يضرب أي شيء أو حتى أي شخص.

كيف يضرب البرق؟

في الواقع، تُعد ظاهرة الصواعق التي تصيب الأرض أكثر تعقيداً مما تبدو عليه. وفقاً لدائرة الأرصاد الجوية الوطنية، هناك عدة طرقٍ يمكن أن يضرب بها البرق الناس. أحدها إصابة الناس مباشرةً، ويحدث ذلك عندما يكون الشخص في حقلٍ مفتوح عادةً ويكون هذا الشخص أطول من باقي الأجسام في محيطه. ورغم شيوع هذا التصور لكيفية إصابة المرء بالبرق، إلا أنها ليست الطريقة الأكثر احتمالاً لإصابتنا به.

تحدث معظم حالات الصعق بسبب ظاهرة انتشار التيّار عبر الأرض، والتي تتسبب بمعظم الوفيات والإصابات المرتبطة بالبرق كل عام. ويحدث ذلك عندما يصطدم البرق بجسمٍ ما وتتدفّق الكهرباء عبر الأرض وتصل إلى جسمك من خلال إحدى قدميك لتخرج من القدم الأخرى. وليس بالضرورة أن يكون مكان ضرب الصاعقة قريباً منك، إذ يمكن للصدمة الكهربائية الناجمة عنه أن تنتشر في دائرةٍ قطرها 90 متراً تقريباً وفقاً للباحث في أنماط الطقس والأحوال الطقسية المتطرفة في خدمة الطقس الوطنية، غريغ شور.

يمكن أن تُصاب أيضاً بـ "صاعقةٍ جانبية" أو بتعبيرٍ آخر "دفقةٍ كهربائية ثانوية"، ويحدث ذلك عندما تقف الضحية بالقرب من شجرةٍ أو أي جسمٍ أطول يتعرّض مباشرةً للبرق، فينتقل إليها جزء من التيار ويُفرّغ في الأرض (تصبح الضحية عملياً بمثابة جزءٍ من دارةٍ كهربائية قصيرة). 

كما يمكن أن تصاب بالبرق أيضاً نتيجة التوصيل الكهربائي عبر وسيط ثالث. الأمر أشبه بوضع شوكةٍ أو مسمارٍ معدني في مقبس كهربائي، فإذا كنت على تماسٍ مع شيءٍ مثل سياجٍ معدني عندما يضربه البرق، فسوف تصل الصدمة الكهربائية إليك. يمكن لهذا النوع من الصدمات أن يصيبك حتى داخل المنزل إذا كنت تستحم، أو تستخدم هاتفاً أرضياً، أو تلمس أي شيء آخر متصل بأسلاك أو أنابيب ممدودة في الهواء الطلق.

أضرار الإصابة بالبرق

عندما الإصابة بالبرق يسري التيار الكهربائي عبر الجلد، مما قد يسبب الحروق، ثمّ يمر عبر نظام القلب والأوعية الدموية والجهاز العصبي، حيث يحدث الضرر الأكبر. ونظراً لأن البرق شديد السخونة (أسخن بخمس مرّات من حرارة سطح الشمس)، فهناك احتمالٌ لحدوث ضررٍ ناجمٍ عن الحروق، ولكن قد لا يكون واضحاً إذا لم يكن عميقاً أو وصل إلى العضلات. يمكن أن تنسد الأوعية الدموية وتتضرر الكلى، وقد يتضرر الجهاز العصبي وتدخل في نوباتٍ من التقلصات العضلية.

يعتمد نوع الضرر على شدة البرق، ولكن بشكلٍ عام قد تعاني من عدم انتظام ضربات القلب واضطراباتٍ بصرية ومشاكل في الذاكرة وتمزّق طبلة الأذن. ووفقاً لميغيل بينيدا، طبيب الطوارئ وزميل طب الحياة البرية في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، يمكن للشحنة الكهربائية الشديدة وتغير الضغط الناجم عن البرق أن يشل حتى الرئتين والقلب، مما يؤدي إلى توقف الجهاز التنفسي والقلب.

يقول بينيدا: «ما يميّز ضربات الصواعق هو أن شلل الأعضاء الذي تسببه يتلاشى بعد عدة دقائق، وكأنك تعيد تشغيل الكمبيوتر، هذا إذا لم تقتلك الصاعقة بحدّ ذاتها».

يقتل البرق حوالي 20 شخصاً سنوياً ويصيب مئات آخرين. وقد قتل 17 شخصاً من مختلف الأعمار في عام 2020. كان جميع الضحايا في الهواء الطلق عندما أصابهم البرق، والعديد منهم كان يحتمي تحت الأشجار أو الهياكل العالية. وبالرغم من أن خطر إصابتك بالصواعق والموت بسببها منخفضٌ للغاية، لكن من الحكمة العمل لتجنّب الإصابة به.

اقرأ أيضاً: هذا ما يحدث عندما لا يصطدم البرق بالأرض

كيف تتجنّب الإصابة بالبرق

من المهم معرفة التوقعات الطقسية قبل الخروج. تحقق من نشرة الطقس المحلية والوطنية فيما إذا كان من المحتمل حدوث ظروفٍ جويةٍ قاسية ووضع خطةٍ طوارئ في حال أصبح الطقس سيئاً.

بمجرد أن تصبح في الخارج، فإن القاعدة الأولى لتجنب الصواعق هي الاحتماء بمجرد سماع الرعد الذي يدلّ على وجود برقٍ في الجوار (لا يمكن حدوث الرعد دون وجود برق). وحتّى لو كانت الغيوم بعيدةً، فقد لا تكون بمأمنٍ من البرق، فوفقاً لجريج شور، يمكن أن يضرب البرق من على بعد 30 كيلومتر.

وعلى النقيض من الظواهر الطبيعية الأخرى مثل الأعاصير والعواصف، لا توجد إشاراتٌ تحذيرية قبل حدوث الصواعق. إنها تحدث ببساطة، وقد تحدث رغم كون السماء زرقاء صافية في بعض الأحيان. يقول شور: «تكمن الخطورة في عدم اليقين. ليس هناك مهلةٌ محددة تماماً سيضرب البرق بعدها. ولا توجد طريقةٌ لمعرفة أين سيضرب البرق مطلقاً».

لذلك من المهم الاحتماء. توجه إلى داخل المنزل أو داخل السيارة على الفور لأنه لا يوجد مكانٌ آمنٌ في الخارج حال حدوث عاصفةٍ رعدية. ابقَ بعيداً عن المسطحات المائية مثل البرك أو حتى تجمّعات المياه الصغيرة؛ إذ تُعتبر موصلاتٍ كهربائية ممتازة.

إذا كنت عالقاً في الخارج في نزهةٍ أو رحلة تخييم، فابحث عن أي مأوى يمكنك العثور عليه، سواء كان تحت جسرٍ أو في كهفٍ أو تحت منحدر. يقول شور: «كقاعدةٍ أساسية، لا تكن أطول شيٍ في محيطك».

يجب عليك أيضاً إزالة أية حقائب ظهر تحتوي على أدواتٍ معدنية قد تجذب الصواعق إليها. ومهما حدث، لا تحاول الاحتماء تحت الأشجار. يقول شور موضحاً: «يزيد خطر إصابتك بالبرق كثيراً لأنك تربط نفسك بأطول شيءٍ في المحيط».

إذا كنت بصحبة أشخاصٍ آخرين، فابتعدوا عن بعضكم البعض قدر الإمكان. ذلك ما يوصي به رونالد سوسا، وهو عضو متطوع في فرق الإنقاذ الجبلية وتدرّب جيداً على كيفية مواجهة الصواعق، وقد تعرّض هو نفسه لإحداها أثناء إحدى الرحلات الاستكشافية عندما كان في سنّ المراهقة.

إذا لم يكن هناك مأوى قريب متوفر، فاتخذ وضعية البرق: انزل في وضعية القرفصاء مع وضع يديك على أذنيك واجعل كعبيك متلامسين. سيسمح ذلك للتيار الكهربائي بالمرور بسهولةٍ أكبر عبر جسمك إذا تعرّضت للبرق.

إذاً وجدت مأوىً في منزل، ابقَ بعيداً عن خطّ الهاتف الأرضي أو أنابيب التمديدات الصحية، وقم بفصل الكمبيوتر المحمول عن مقبس الكهرباء إذا كنت تستخدمه. كما ذكرنا سابقاً، من الحكمة الابتعاد عن أي جهازٍ متصل بمصدر طاقة أو أنابيب خارجية.

يقول شور: «ثم انتظر لثلاثين دقيقة بعد انتهاء العاصفة قبل العودة إلى الخارج أو مغادرة المأوى؛ فلا يزال من الممكن أن يصيبك البرق إذا ما كانت العاصفة قريبةً كفاية».

الأساطير الشائعة عن البرق

دعونا نتوقف لحظة لتبديد بعض الخرافات المحيطة بضربات البرق. على سبيل المثال، لا يمكن أن تصاب بصدمةٍ كهربائية عن طريق لمس شخصٍ أصيب بها للتو؛ فجسم الإنسان لا يخزّن الكهرباء. وخلافًا للمثل الشائع، يمكن أن يضرب البرق الموقع نفسه مرتين، لذلك من الحكمة الانتقال إلى مكانٍ آمن إذا ضرب البرق في مكان قريب.

أخيراً، ليس هناك حاجةٌ للركض إلى زاوية البيت الجنوبية الشرقية أو فتح أية نوافذ أيضاً، وهو اعتقادٌ غير علمي حول النصائح المتعلّقة بالوقاية من العواصف. يقول شور: «جاءت معظم الأساطير من فهمٍ غير قائمٍ على البحث، ومعظمها رواياتٌ شخصية».

اقرأ أيضاً: 5 نصائح تساعدك على النجاة خلال كارثة تسونامي

ماذا تفعل إذا ما تعرّض شخصٌ قريب منك للصعق؟

أول شيءٍ يجب فعله هو الاتصال برقم الطوارئ "911". إذا كان الشخص فاقداً الوعي أو لا يتنفّس، ابدأ بالإنعاش القلبي الرئوي في الحال. وفقاً لبينيدا، يسمح ذلك للقلب والرئتين بتلقّي ما يكفي من الأوكسجين لمساعدتهما على العودة إلى العمل بعد توقفهما.

من المهم للغاية محاولة الوصول إلى المستشفى في الحال حتى لو بقي الشخص الذي أصيب بالبرق واعياً، إذ قد لا تظهر آثار الإصابة على الفور. ويقول بينيدا في هذا الصدد: «إذا تلقّى المصاب العلاج على الفور، فإنه غالباً ما يتعافى كلياً».

لذلك حاول الاحتماء قدر الإمكان في المرة القادمة التي تهبّ فيها عاصفةٌ رعدية. وبهذه الطريقة، تكون فرصتك أكبر في أن تعيش لترى عاصفة الصيف التالية تضيء سماء الليل.

المحتوى محمي