ينظر الآباء بحب ولهفة إلى كل حركة وفعل جديد يؤديه طفلهم، الخطوة والكلمة الأولى، كلها تعبر عن تطور الطفل العقلي والجسدي والنفسي، ولكل طفل في هذه المراحل يمر بخطوات تختلف عن أقرانه، هذه الاختلافات تعطي كل طفل صفاته الخاصة والمميزة، لكنها أيضاً تصعّب علينا معرفة ما هو طبيعي منها وما هو عكس ذلك، لذا يجب على الآباء تكوين فكرة عن مشكلات الأطفال التي تظهر عليهم، وخاصة السلوكية منها، كي يتمكنوا من تحديدها ومعرفة سببها والأسلوب المناسب للتعامل معها، ومعرفة حاجتها للعلاج من قِبل مختص.
أنواع المشكلات السلوكية عند الأطفال
تتنوع مشكلات الأطفال السلوكية حسب عمر الطفل، فتختلف المشكلات عن الأطفال الصغار عن مشكلات أطفال الروضة، وعن مشكلات الأطفال الأكبر سناً، ويرتبط حدوثها بعدة عوامل، لكن بشكل عام يمكن حصر مشكلات الأطفال السلوكية بما يلي.
المشكلات السلوكية الشائعة عند الأطفال
نوبات الغضب
تعتبر نوبات الغضب أكثر شيوعاً بين الأطفال الصغار ومرحلة ما قبل المدرسة. لكن يمكن أن تمتد إلى المدرسة الابتدائية إذا لم يتم التعامل معها بسرعة. وتتجلى ببعض ردود الفعل العاطفية والسلوك الخارج عن السيطرة، مثل: البكاء، الصراخ، الدفع أو الركل، إغلاق الأبواب بشدّة، تزداد هذه النوبات عند حدوث تغيير ما في حياة الطفل مثل قدوم أخ جديد له أو الذهاب إلى المدرسة أول مرّة.
يمكن أن يكون التجاهل من أفضل الطرق للتعامل مع نوبات الغضب، وتعليم الطفل طرقًا أفضل وأكثر فاعلية للتعبير عن احتياجاته وتلبية تلك الاحتياجات. وربما ينبغي على الآباء مراجعة الطبيب إذا لاحظوا أنّ نوبات الغضب لدى الطفل تدوم طويلاً (أكثر من 30 دقيقة)، أو في حال تكرار نوبات الغضب (كل يومٍ تقريباً على مدى أسبوعين على الأقل)، والتي تسبب ضغطاً نفسياً وتوتراً للأطفال، ولمن حوله.
التبول اللاإرادي
بعد اعتياد الطفل على الذهاب إلى الحمام، قد يبلل فراشه ليلاً دون سبب واضح، وبدون إرادة منه، قد يكون سبب هذه المشكلة بسبب التوتر أو تغير في حياته كخوفه من الذهاب إلى الحمام بمفرده عندما يصبح في المدرسة، ويمكن للوالدين مراجعة الطبيب في حال استمرّ هذا السلوك لدى الطفل لأكثر من أسبوعين. لكن التبوّل اللاإرادي يعتبر مشكلةً طبية بعد أن يتجاوز الطفل عمر 6 أو 7 سنوات. يجب أن يبقى في بال الوالدين وجود اختلافاتٌ طبيعية لدى الأطفال عموماً في تطوير مهارات استخدام المرحاض، ويعتمد ذلك على مدى تطورهم واعتمادهم على أنفسهم بالإضافة إلى العامل الوراثي، ونمو الطفل البدني والعاطفي والإدراكي، و بيئته المحيطة.
العزلة الاجتماعية والخجل
لا يندمج جميع الأطفال في المجتمع بنفس المستوى، قد يبدو البعض خجولين أو بطيئي التفاعل مع محيطهم، بالمقابل يتواصلون بسهولة في محيطهم المألوف؛ مثل المنزل وبين الأهل؛ إذا كان الطفل خجولاً بالأساس فهذا لا يشكل مصدراً للقلق، لكنه قد يكون تغيراً عن سلوكه الإعتيادي، أو أن الطفل قليل الإهتمام والتفاعل مع محيطه الاجتماعي المألوف له. في هاتين الحالتين يتجنّب الطفل الاتصال البصري، ويتحدث أقل من غيره، بالإضافة إلى أنه يتجنب اللعب والتفاعل مع أقرانه ومع البالغين، وفي حال استمرار هذه الحالة مع تقدم الطفل في العمر ينبغي مراجعة طبيب مختص.
اقرأ أيضا:
الاضطرابات السلوكية التخريبية
من أكثر الاضطرابات السلوكية التخريبية شيوعاً اضطراب العناد الشارد واضطراب السلوك واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة. تشترك هذه الاضطرابات السلوكية الثلاثة في بعض الأعراض الشائعة، ويمكن أن يعاني الطفل من اضطرابين في نفس الوقت، ويمكن أيضاً لبعض المشكلات مفاقمة الحالة مثل المشاكل العاطفية واضطرابات المزاج والصعوبات العائلية وتعاطي المخدرات.
اضطراب العناد الشارد
يُعتقد أن واحداً من كل عشرة أطفال تقل أعمارهم عن 12 عاماً مصاب بهذا الاضطراب، كما يفوق عدد الصبيان عدد الفتيات بنسبة اثنين إلى واحدة. يتميز الطفل المصاب باضطراب العناد الشارد بأنه سهل الغضب أو الانزعاج، تصيبه نوبات غضب متكررة، و يتجادل كثيراً مع البالغين ولا سيما الآباء، كما يرفض الانصياع للقواعد، و يحاول إزعاج الآخرين عن عمد، و يتدنى احترامه لذاته، ويلقي اللوم على الآخرين في الأحداث السيئة التي يمر بها.
اضطراب السلوك
يُعتقد أن حوالي 5% من الأطفال في سن العاشرة لديهم هذا الاضطراب، حيث يفوق عدد الصبيان عدد الفتيات بنسبة أربعة إلى واحد. ومن صفات هذا الطفل الرفض المتكرر لطاعة الوالدين، والتغيّب المتكرر عن المدرسة، والميل إلى تعاطي السجائر أو الكحول في سن مبكرة جدًا، عدم التعاطف مع الآخرين، العدوانية تجاه الحيوانات والأشخاص الآخرين والتنمر والاعتداء الجسدي أو الجنسي، الحرص على بدء المعارك الجسدية، كثرة الكذب، السلوك الإجرامي مثل السرقة وإشعال الحرائق عمدا واقتحام المنازل والتخريب، الميل للهروب من المنزل، وله ميول الانتحارية.
قصور الانتباه وفرط الحركة
يُعتقد أن ما يقرب من 2 إلى 5% من الأطفال يعانون من اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، حيث يفوق عدد الصبيان عدد الفتيات بنسبة ثلاثة إلى واحد. يمكن أن تشمل خصائص اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أو عدمه، وصعوبة التركيز ونسيان التعليمات والانتقال من مهمة إلى أخرى دون إكمال أي شيء، الاندفاع، ومقاطعة حديث الآخرين، بالإضافة إلى فرط النشاط، والتململ المستمر،
مشكلات أخرى في سلوك الأطفال
يعاني معظم الآباء من مشكلات سلوكية أخرى عند الأطفال، لكنها تعتبر أقل خطورة من سابقتها بسبب إمكانية علاجها في المنزل، مع تطبيق بعض النصائح التي يشير إليها المختصون.
الكذب
يعتبر الكذب من أشهر مشكلات الأطفال السلوكية، وله 3 أسباب رئيسية: لفت الانتباه، وتجنب الوقوع في المشكلات، والشعور بتحسن تجاه أنفسهم. أن تحديد سبب الكذب هو مفتاح علاج المشكلة. بالإضافة إلى التأكيد للطفل على أهمية الصدق، ومدح الطفل عندما يقول الحقيقة.
العناد
كثير من الأطفال يرفضون تنفيذ ما يمليه عليكم الكبار، مثلاً يرفض الطفل ترتيب ألعابه، لكن يمكن علاج هذه المشكلة بتقديم شرط مثل اذا رتبت ألعابك ستشاهد التلفاز، وتكرار هذا الأسلوب مع الوقت سيتعلم الطفل الاستماع للكبار من المرة الأولى.
قضاء وقت طويل أمام الشاشة
شاعت مشكلة قضاء وقت طويل أمام الشاشة مع تقدم التكنولوجيا وانتشار الأجهزة الذكية، وأصبح الطفل يرفض وضع القيود على مشاهدة التلفاز أو استخدام الهاتف المحمول، وتسببت في مشكلات جسدية للطفل، ولحل هذه المشكلة يجب وضع قواعد واضحة لوقت الشاشة، وأخذ الأجهزة الإلكترونية عندما يخالف الطفل هذه القواعد. ومن المهم أيضاً وضع نظام لاستخدام الأجهزة الذكية لكافة أفراد الأسرة. والاستفادة من وقت الشاشة قدر الإمكان.
المشكلات المتعلقة بالغذاء
قد يكون الطفل لا يحب الطعام وصعب الإرضاء، أو قد يكون شرهاً ويقول أنه جائع كل 10 دقائق، ويطلب الطعام في أوقات غير مناسبة، والحل توعية الطفل أن الطعام لتغذية الجسم وإمداده بالطاقة، وليس تهدئته عند الشعور بالحزن أو الترفيه عن النفس عند الملل، كما يجب التحدث عن مدى لذة الخضار والأطعمة المغذية وتقديم وجبات صحية ومتوازنة، مع وضع حدود للوجبات الخفيفة.
الأنين والنحيب
يمكن أن يكون الأنين عادة سيئة، فهو يساعد الطفل في الحصول على ما يريد. ومن المهم الحد منه قبل أن يصبح مشكلة أكبر. أول شيء يجب فعله لحل المشكلة هو التجاهل. فهذا يظهر للطفل أن الأنين لن يغير رأي والديه. وعند التوقف عن الأنين شجع الطفل وأعطه شعوراً إيجابياً، وعلم الطفل طرقاً أكثر ملاءمة للتعامل مع المشاعر غير المريحة، مثل خيبة الأمل، ومشاركة مشاعره معك.
مشكلات النوم
من مشكلات النوم، رفض الطفل البقاء في السرير أو اصراره على النوم مع أبويه،. وبدون حل المشكلة بطريقة مناسبة نصبح أمام طفل محروم من النوم ما يؤدي إلى زيادة مشاكل السلوك لديه، بالإضافة إلى مشاكل صحية بدنية أيضاً. لذا يجب وضع قواعد واضحة للنوم الصحي.
العدوانية
قد يعني السلوك العدواني للطفل إلقاء كتابه عندما يكون محبطاً من واجباته المدرسية. أو قد يؤدي إلى لكم أحد الأخوة عندما يكون غاضباً من موقف آخر. يظهر هذا السلوك عندما يصعب على الطفل التعامل مع مشاعره بطريقة مناسبة اجتماعياً. أو عندما لا تسير الأمور كما خطط لها. إن السلوك العدواني أمر طبيعي للأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة. لكن يجب أن تنخفض العدوانية بمرور الوقت مع نمو الطفل واكتساب مهارات جديدة.
اسباب مشاكل الأطفال السلوكية
تختلف أسباب حدوث المشاكل السلوكية لدى الأطفال، فقد يكون السبب متعلقاً بواحد أو أكثر مما يلي:
- الجنس، فالصبيان أكثر عرضة من الفتيات للإصابة باضطرابات سلوكية، ومن غير الواضح ما إذا كان السبب وراثياً أو مرتبطاً بخبرات التنشئة الاجتماعية.
- قد تساهم حالات الحمل الصعبة والولادة المبكرة وانخفاض الوزن عند الولادة في حدوث مشكلة سلوك الطفل لاحقًا في الحياة.
- الأطفال الذين يصعب التعامل معهم أو المزاجيين أو العدوانيين منذ سن مبكرة هم أكثر عرضة للإصابة باضطرابات سلوكية في وقت لاحق من الحياة.
- تكون الاضطرابات السلوكية أكثر احتمالا في العائلات التي غير المستقرة. على سبيل المثال، يتعرض الطفل لخطر متزايد في الأُسر التي يشيع فيها العنف أو الفقر أو ضعف مهارات الأبوة والأمومة أو تعاطي المخدرات.
- صعوبات التعلم كالقراءة والكتابة، غالباً ما تؤدي إلى مشكلات سلوكية.
- الأطفال ذوو الإعاقات الذهنية معرضون لضعف خطر الإصابة باضطرابات سلوكية.
- مناطق الدماغ التي تتحكم في الانتباه تبدو أقل نشاطاً عند الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
متى تدعو الحاجة لتدخل الطبيب المختص؟
إن تربية الأطفال مسؤولية مرهقة وتستنزف طاقة الوالدين ومقدمي الرعاية للطفل، خاصة إذا لم يكن لديهم معرفة سابقة في تربية الأطفال، ويصب عليهم التمييز بين السلوك الطبيعي للطفل والسلوك الذي يستدعي تدخل الطبيب المختص، لذا يمكن استشارة الطبيب في حال:
- تسبب سلوك الطفل بالكثير من التوتر للمحيطين حوله، خاصة والديه.
- السلوك غير مألوف بالنسبة للطفل.
- يتكرر السلوك كل يوم لمدة أسبوعين على الأقل، أو يتكرر بشكل أقل خلال شهرين.
علاج الاضطرابات السلوكية عند الأطفال
قد يكبر الأطفال غير المعالجين الذين يعانون من اضطرابات سلوكية ليصبحوا بالغين مختلين. لذا من الأفضل التدخل مبكراً، للحصول على نتيجة أفضل. وقد يكون العلاج بسيطاً يمكن للأبوين توجيه الطفل، وفي حال المشكلات الكبيرة من الأفضل عرض الطفل على أخصائي مثل طبيب أطفال أو طبيب نفسي للأطفال، والابتعاد عن الضرب والتأديب الجسدي.
عادةً ما يكون العلاج متعدد الأوجه ويعتمد على الاضطراب المحدد والعوامل التي تساهم في حدوثه، ويشمل:
- تعليم الوالدين كيفية التواصل مع أطفالهم وإدارتهم.
- على الأسرة بأكملها تحسين مهارات الاتصال وحل المشكلات.
- العلاج السلوكي المعرفي، كمساعدة الطفل على التحكم في أفكاره وسلوكه.
- تعليم الطفل مهارات اجتماعية، مثل كيفية إجراء محادثة أو اللعب بشكل تعاوني مع الآخرين.
- تعليم الطفل مهارة إدارة الغضب، وتتمثل في تعليمه كيفية التعرف على علامات إحباطه المتزايد وإعطائه مجموعة من مهارات التأقلم المصممة لنزع فتيل الغضب والسلوك العدواني. كما يتم تدريس تقنيات الاسترخاء ومهارات إدارة الإجهاد.
- تشجيع الطفل على التفوق في مواهبه الخاصة مثل الرياضة، وبناء احترام الذات.
- يمكن اللجوء إلى الدواء للمساعدة في السيطرة على السلوكيات الاندفاعية.