"أحبك جداً يا أمي، فلماذا تفعلين بي هذا؟ أرجوكي لا تتركيني هنا؟" يقولها الطفل ويداه متشبثتان بقميص أمه، وملامح اليأس والحزن مرسومة على وجهه، وعيناه غارقتان في الدموع. أما الأم، فتقف حائرة فيما تفعل، فهي تارة محرجة من نوبة صراخ طفلها، وتارة تشعر بالذنب والألم من حاله.
قد يظن القارئ أن الأم ذاهبة للحرب، لكن الأمر وما فيه أن الطفل ذاهب إلى الحضانة بضع ساعات ويعود إلى منزله. لكن هذه التجربة ليست بأقل من حرب بالنسبة للطفل؛ إذ وبالنسبة للعديد من الأطفال فهي المرة الأولى التي يبتعدون فيها عن منازلهم الآمنة إلى أماكن مجهولة مليئة بالغرباء، وقد يشعرون بالخذلان أو أن آباءهم تخلوا عنهم. فما الذي يمكن للأهل فعله حتى يساعدوا أطفالهم على التأقلم في الحضانة؟
ما النصائح التي يمكن فعلها لمساعدة الطفل على التأقلم في الحضانة؟
جهز نفسك قبل طفلك
من الطبيعي أن تكون لدى الأهل مخاوف تتعلق بالحضانة، فهي تعني تغييراً في روتين حياة الطفل، وخطوة نحو المجهول، ووقتاً طويلاً يقضيه الطفل بعيداً عنهم. لذلك، فقد يشككون بصحة هذا القرار أساساً، بل ومنهم من يحاول جاهداً ألا يبكي عندما يوصل طفله إلى الحضانة في يومه الأول.
لكن، عليك أن تعلم أن الطفل يشعر بمزاجك، فهو يعلم متى تكون قلقاً أو غير مرتاح، فإذا شعر الطفل أنك لست متأكداً من قرارك، سيصبح هو نفسه أكثر تردداً تجاه الحضانة. لذلك، تأكد بدايةً أنك اخترت الحضانة المناسبة، وكن هادئاً وواثقاً عندما تحدِّث طفلك عن الانتقال إليها، وتذكر أن الحضانة تفتح عيون طفلك على عالم جميل.
اقرأ أيضاً: دليل الآباء للتعامل مع خوف أطفالهم من الذهاب إلى المدرسة
تحدث عن الحضانة دون المبالغة في إثارة التجربة
لا بُدّ أن يكون الطفل على دراية بما هو آتٍ، لذلك ينبغي على الآباء توضيح مفهوم الحضانة عبر قراءة القصص عن الحضانة أو مشاهدة بعض مقاطع يوتيوب أو أي وسيلة أخرى، وذلك قبل بدء العام الدراسي بفترة كافية.
لكن، من النقاط السلبية التي يقع فيها الآباء هو ميلهم إلى المبالغة في وصف هذه التجربة كمحاولة للتخفيف من مخاوف أطفالهم، لذلك يلجؤون إلى وصف الحضانة بأنها مكان يحدث فيه الكثير من اللعب والمتعة والتشويق، لكن، عندما يذهب الطفل إلى الحضانة ويجد أن الأمر ليس ممتعاً كما وُصِف له، قد يتساءل فيما إذا كان يستطيع الوثوق بأهله مرةً أخرى.
لذلك وبدلاً من تضخيم التجربة وتعظيمها تحدَّث عن الجدول اليومي المُتّبع في الحضانة. على سبيل المثال، حدِّد الخطوط العريضة للبرنامج اليومي في الحضانة على النحو التالي: "في الصباح عندما تصل إلى الصف، ستضع حقيبتك بعيداً، ثم ستلعب قليلاً، ثم تتناول وجبة الإفطار، وبعد وجبة الإفطار، سوف تتعلم بعض الأحرف أو الأرقام، ثم قد تلعب خارجاً إذا كان الطقس جميلاً، وهكذا".
على هذا النحو، فإن معرفة ما يمكن توقعه يساعد الطفل على الشعور براحة أكبر في البيئة الجديدة، كما أنها طريقة فعّالة لبناء الثقة بينك وبين طفلك، إذ وعندما يأتي اليوم الأول في الحضانة، سيرى طفلك أن ما قلته قد حدث بالفعل، بالتالي يمكنه الوثوق بك.
بالإضافة إلى ذلك، قد تكون زيارة الحضانة دون وجود أطفال آخرين فيها أمر يخفف من قلق الطفل، لذلك حدِّد موعداً، إن كانت الحضانة تسمح بذلك، تستطيع فيه أنت وطفلك زيارة الحضانة ورؤية الصفوف الدراسية والملعب، فهي فرصة تخبر فيها طفلك عما يمكن توقعه وهو ما سيقلل من خوفه من المجهول.
اقرأ أيضاً: أريده متميزاً: كيف أكتشف موهبة طفلي؟
اجعل المعلم شريكاً في التجربة
لقد اختبر المعلمون الكثير، لذلك إذا كنت قلقاً بشأن كيفية تأقلم طفلك مع الحضانة، فيمكنك التحدث إلى المعلم وإخباره إن كان طفلك يعاني من قلق الانفصال، أو أنه يتردد في تجربة الأشياء الجديدة. فقد يشرك المعلم الطفل في نشاط خاص أو لعبة مختلفة، أو يقترح بعض الطقوس الخاصة التي تجعل دخول الطفل إلى الحضانة أقل إجهاداً وأكثر إثارة.
طبِّق الانتقال التدريجي إلى الحضانة
حاول أن تدخل طفلك إلى الحضانة بشكل تدريجي، إن كانت الحضانة تسمح بذلك، بحيث يزداد الوقت الذي يقضيه الطفل في الحضانة تدريجياً، وذلك على النحو التالي:
- في اليوم الأول: أبق مع طفلك ساعة واحدة في الحضانة ثم عد به إلى البيت.
- في اليوم الثاني: أوصل طفلك إلى الحضانة، وأخبره أنك ستعود لاصطحابه بعد ساعتين، لكن وبما أن الطفل الصغير قد لا يعي مفهوم الوقت، فيمكنك أن تقول له إنك ستعود عندما ينهي وجبة الإفطار مثلاً وهذا يعني بعد ساعتين من وصوله.
- في اليوم الثالث: عُد لاصطحاب طفلك بعد مدة تتراوح ما بين 3 إلى 4 ساعات، وكذلك حدد النشاط الذي يكون الطفل قد أنهاه بحلول الوقت الذي ستصل لاصطحابه.
- في اليوم الرابع: عُد لاصطحاب طفلك قبل نهاية اليوم الدراسي بنحو ساعة واحدة أو أكثر.
- في اليوم الخامس: عُد لاصطحاب طفلك في نهاية اليوم الدراسي.
اقرأ أيضاً: متى يبدأ الطفل في استخدام الفرشاة ومعجون الأسنان؟
قل وداعاً ولا تطل البقاء
في النهاية وعندما تريد المغادرة، قد يكون ترك طفلك يصرخ في الحضانة أسوأ كابوس تختبره، لكن وعلى كل حال لا داعي للشعور بالإحراج أو الشعور بالذنب، فمعظم الآباء والمعلمين قد اختبروا هذه الحوادث، فالأطفال يحتاجون وقتهم الخاص للتكيّف وهو أمر طبيعي. لكن تذكر أمراً مهماً جداً وهو ألا تتسلل خارجاً من الحضانة وطفلك يبكي، فهذا قد يعظم قلق الانفصال عند طفلك بل قد يشعر أنه مهجور أو حتى مخدوع، وهي طريقة مؤكدة لفقدان ثقته بك.
لذلك، عندما تقول وداعاً كن هادئاً وواثقاً، ثم غادر بهدوء تحت أنظار طفلك، وإذا تشبث الطفل بك، فمن الأفضل أن تعانقه وتعترف بمشاعره ثم تغادر على الفور، لأنه وكلما طالت مدة بقائك، زادت احتمالية استمرار طفلك في البكاء والصراخ، لأن ذلك يمنحه الأمل في أنك ستبقى معه. في حال شعرت بالقلق، فيمكنك أن تطلب من المعلم الاتصال بك إذا بقي طفلك يبكي بعد 30 دقيقة.
امنح طفلك تذكاراً خاصاً
من الحيل البسيطة التي يمكنها أن تخفف بها عبء المغادرة على طفلك هي أن تطوّر طقساً خاصاً بالفراق، ما سيساعده على التأقلم في الحضانة بسرعة، مثل أن تمنحه صورة للعائلة يضعها في جيبه، أو رسالة صغيرة، أو لعبة أو حصاة صغيرة وجدتماها معاً على الشاطئ، أو أي شيء رمزي ذي معنى يحتفظ به ويساعده على الشعور بالطمأنينة إذا شعر بالوحدة والشوق لوالديه.
ساعد طفلك على التعبير عن مخاوفه وتهدئتها وإيجاد الحلول المناسبة
قد يكون خوف الأطفال من الحضانة غير منطقي بالنسبة للكبار مثل خوفهم من الضياع في الحضانة أو عدم عودة الأهل لاصطحابهم أو غياب الصديق المفضل وغير ذلك. لذلك، وبدلاً من مجرد طمأنة الطفل، لا بُدّ من تعليمه كيفية حل المشكلات، وذلك بأن يحدد مخاوفه ثم التفكير في حل لهذه المشكلة. على سبيل المثال، عند غياب صديقه المفضل، أن يبحث في الوجوه عن شخص مألوف له، ثم يذهب إليه ويبادره بالحديث، أو أن يطلب المساعدة من المعلم لحل المشكلة.
اقرأ أيضاً: دليل الوالدين لتنمية مهارات الأطفال الاجتماعية
ساعد طفلك على تكوين الصداقات
في الواقع، يمكن لصديق واحد أن يحدث فرقاً كبيراً في التأقلم في الحضانة، لذلك يمكنك أن تبحث في الموقع الإلكتروني للحضانة أو على صفحة الفيسبوك الخاصة بها عن آباء الأطفال الذين يرتادون هذه الحضانة، ثم تتواصل معهم لمعرفة إن كان أحد منهم يرغب في جمع الأطفال معاً في ملعب محلي أو حديقة ما لتكوين الصداقات التي من شأنها أن تساعدهم في اجتياز هذه المرحلة.
استعد لمواجهة علامات التوتر التي يظهرها الطفل
من المهم أن يدرك الأهل تصرفات الطفل الناتجة عن توتره وخوفه من الانفصال، كأن يبقى متشبثاً بأحد والديه بعد عودته إلى المنزل، أو أن يرفض ابتعادهما عن ناظريه، أو أن يستيقظ بشكل متكرر ليلاً، أو أن يعاني من حوادث استخدام المرحاض أو نوبات الغضب وغير ذلك. إن الوعي بمثل هذه الاستجابات التي قد تحدث، يمكن أن تساعد في تقليل توتر الوالدين والاستجابة لها بطريقة هادئة ومتعاطفة مع الطفل.
لكن وفي بعض الأحيان، قد يكون حزن الطفل ناتجاً عن مشكلة أكثر خطورة مثل تعرضه للتنمر أو أنه لا يرى السبورة جيداً أو يعاني مشكلة ما ويخشى التحدث عنها، لذلك ينبغي طرح الأسئلة الهادئة حول يوم الطفل والاستماع إليه بعمق، وفي حال شعرت بمشكلة لا يمكنك اكتشافها، فلا بد من الاتصال بالمعلم.
اقرأ أيضاً: المشكلات السلوكية عند الأطفال: أسبابها وعلاجها
أنشئ روتيناً يوميّاً منظماً بالإضافة إلى لعب بعض الألعاب
من الأمور التي قد تساعد الطفل على التأقلم مع الحياة الجديدة هو إنشاء روتين يومي يُطبق بشكل منتظم، مثل النوم في ساعات محددة والأكل في ساعات محددة، وتوضيب علبة الطعام مع أحد الوالدين ووضع الوجبات المفضلة فيها، وما إلى ذلك. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لبعض الألعاب التي تنطوي على الانفصال والاختباء مثل لعبة الغميضة أن تقوي إدراك الطفل بأن الوالدين موجودان حتى لو كانا بعيدين عن ناظريه.
اقرأ أيضاً: ما العمر المناسب حتى ينام الطفل في غرفة مستقلة؟
ختاماً، عليك أن تدرك أن للأطفال حدودهم مثل البالغين، فقد يستغرق التأقلم في الحضانة بعض الوقت. وفي معظم الحالات، سوف يعتاد طفلك على روتينه الجديد في غضون شهر تقريباً، لكن لا تتفاجأ إن استغرق وقتاً أطول، لذلك ضع أهدافاً واقعية وتوقع مرور أيام جيدة وأيام سيئة، وتحلى بالصبر مع تطبيق النصائح آنفة الذكر، حتى تستطيع مساعدة طفلك على احتضان هذه التجربة الجديدة المثمرة والمفيدة.