مرض الأطفال ليس مزحة بالتأكيد. على الرغم من أن الفيروسات الشائعة في مرحلة الطفولة يمكن أن تسبب أمراضاً شديدة للأطفال، لكن، ولحسن الحظ، يمكن الوقاية من هذه الكائنات الدقيقة، والتي لا تُعتبر كائنات حية تماماً، باستخدام الصابون والكمامات وفتح النوافذ واللقاحات. ومع ذلك، غالباً ما يصاب الأطفال بهذه الفيروسات، وبمجرد أن يتماثلوا إلى الشفاء من أحدها، يصابون بفيروس آخر.
تقول باحثة ما بعد الدكتوراة في جامعة روتجرز- نيوارك، والتي شاركت في تأسيس جمعية علماء الأحياء الدقيقة السود (BMA)، كيشانا تايلور: «يميل الأطفال إلى الإصابة بالعدوى الفيروسية كثيراً نظراً لضعف أجهزتهم المناعية مقارنة بالبالغين الذين ربما تعرضوا لبعض هذه الفيروسات في السابق. لذلك من الضروري تلقيح الأطفال لحمايتهم من الفيروسات دائماً حتى لو لم يتعرضوا لها. يمكن أن يقي اللقاح الطفل من الإصابة بالمرض، وبالتالي وقاية زملائه في الفصل الدراسي والعاملين في المدرسة وعائلاتهم. وحتى لو أصيب بالمرض، فإنه شدته ستكون خفيفة عموماً».
ربما يجب عليك الاتصال بالطبيب إذا ظهرت أي من هذه الأعراض على طفلك: ارتفاع في درجة الحرارة وألم في الرقبة وضيق في التنفس والخمول (يبدو الطفل أقل حيوية من المعتاد). يقول الطبيب والأستاذ المساعد في الطب في كلية الطب بجامعة ييل، جورج مورينو: «سيتعرف الآباء والأوصياء على هذه الأعراض عند ظهورها على أطفالهم بشكل أفضل، لذلك يجب عليهم زيارة الطبيب حال ظهورها لمنع تطور المرض. إذا تأخرت زيارة الطبيب، فقد يتطور المرض ويصبح شديداً، وقد تكون هناك حاجة لإسعاف الطفل بسرعة».
إليك ما يجب معرفته حول أهم الفيروسات الشائعة التي تصيب الأطفال.
فيروس كورونا
باعتباره فيروساً تنفسياً، ينتشر فيروس كورونا، كما قد يتبادر إلى ذهنك، عندما يعطس أو يسعل الشخص المصاب به. كما ينتشر عبر الرذاذ المتطاير من الفم عند التحدث والغناء والضحك، ويُعتبر هذا الفيروس شائعاً جداً عند الأطفال، حيث يمثل الأطفال نحو 20% من جميع حالات كوفيد-19 المبلغ عنها في الولايات المتحدة.
على الرغم من أن وطأة كوفيد-19 على الأطفال عادةً ما تكون خفيفة، إلا أن بعض الأشخاص الذين يعيشون معهم، مثل كبار السن، معرضون لخطر أكبر من كوفيد-19.
الوقاية: وفقاً لإرشادات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها حول لقاح كوفيد-19، يمكن تطعيم الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 6 أشهر، إما بجرعتين أو ثلاث جرعات، حسب العمر. ستصبح اللقاحات المعززة المخصصة للوقاية من المتغيرات الفرعية لمتحور أوميكرون متاحةً قريباً للأطفال في عمر 12 عاماً فما فوق.
الكمامات خيار آخر يمكن أن يحمي من الفيروسات، حيث يمكن للأطفال الذين تزيد أعمارهم عن عامين ارتداؤها. وتقول كبيرة مسؤولي الصحة العامة في كندا، تيريزا تام، إنه إذا بدا الطفل مرتاحاً عند ارتداء الكمامة، فعليه الالتزام بارتدائها.
تقول تايلور: «يمكن القول إن السلوك الأخطر الذي يمكن للوالدين التحكم به هو عدم ارتداء الأطفال للكمامة في المنزل».
إذا التزم الطفل بالعادات الصحية الجيدة وتلقى اللقاح، فسيكون ذلك مفيداً للمجتمع بأكمله؛ للمعلمين وسائقي الحافلات والبوابين ومن يعانون من ضعف المناعة. في الواقع، لا يتعلق الأمر بحماية الطفل وعائلته وحسب، بل بحماية أي شخص يتعامل معه الطفل أيضاً».
فيروسات الإنفلونزا
تنتشر فيروسات الإنفلونزا في كل مكان، ويمكن أن تؤدي الإصابة بها إلى مضاعفاتٍ خطيرة عند الأطفال. وفقاً لتقديرات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، تم إدخال ما بين 7 إلى 26 ألف طفل إلى المستشفى في الولايات المتحدة سنوياً بين عامي 2010 و2020 بسبب إصابتهم بالإنفلونزا. ويُعتبر الأطفال دون سن الخامسة، وخصوصاً الذين تقل أعمارهم عن عامين، معرضون لمضاعفات خطيرة مرتبطة بالإنفلونزا.
يمكن أن تؤدي مضاعفات الإصابة بالإنفلونزا إلى وفاة الأطفال على الرغم من أن هذه الحالات نادرة جداً. وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، تم الإبلاغ عن 37 إلى 199 حالة وفاة بين الأطفال سنوياً بين عامي 2004 و2020 خلال موسم الإنفلونزا، مع استثناء عام 2009 الذي حدثت خلاله جائحة فيروس "إتش ون إن ون" (H1N1)، حيث تم الإبلاغ عن 358 حالة وفاة مرتبطة بالإنفلونزا بين الأطفال. (من المحتمل أن يكون هذا الرقم أقل من الواقع كما تقول مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها). يمثل الأطفال الذين لم يتلقوا اللقاح ضد الإنفلونزا 80% من هذه الوفيات.
مثل فيروس كورونا، فإن فيروس الأنفلونزا هو فيروس تنفسي أيضاً. ينتشر الفيروس بسهولة في الأماكن المغلقة، لذلك نطلق على فصلي الخريف والشتاء موسم الإنفلونزا. لا ينتشر الفيروس في الأماكن المفتوحة، مثل الشواطئ، حيث تحمل الرياح بعيداً أية فيروسات أو ميكروبات قد ينفثها الناس.
الوقاية: للحماية من العدوى، يمكن للأطفال تلقي لقاح الإنفلونزا في عيادة الطبيب أو الصيدلية. قد تنظم المدارس المحلية أيضاً يوماً مخصصاً لتلقي اللقاح. وتوصي مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بتلقي الأطفال للقاح الإنفلونزا سنوياً، ويفضل أن يتم ذلك قبل نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول. كما يمكن للأطفال الصغار والرضع تلقي اللقاح أيضاً طالما تجاوزت أعمارهم 6 أشهر. ويمكن للأطفال (والبالغين أيضاً) الذين يخافون من الإبر تلقي اللقاح بطريقة أخرى، حيث يتوفر الآن لقاح بخاخ الأنف لمعظم من تزيد أعمارهم عن عامين. يقول مورينو: «ترقّب موعد إعطاء لقاحات الإنفلونزا في الأسابيع القليلة المقبلة».
لإبطاء انتشار الفيروس، ينبغي تعقيم اليدين وغسلهما كثيراً- ربما أكثر مما تعتقد أنك بحاجة إلى ذلك. وإذا اضطررت إلى العطس أو السعال، فلا تضع يديك على فمك. بدلاً من ذلك، اثنِ ذراعك وضع فمك بالقرب من مرفقك، تماماً كما تقول الأغنية في مسلسل "شارع سمسم"؛ أعطس في المكان المثني. (قد لا تكون رقصة "الداب" مناسبةً للأطفال، لكنها طريقة ممتعة لممارسة العطس بأمان). طريقة أخرى لشرح الأمر للأطفال: كن مثل مصاص الدماء عندما يختبئ خلف عباءته.
الفيروسات الأنفية (Rhinoviruses)
نزلات البرد، أو الزكام، هي عدوى تنفسية يسببها الفيروس الأنفي. قد تتجاوز أعراض الإصابة بهذه الفيروسات أحياناً مجرد العطاس أو اضطراب حاسة الشم، حيث يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالتهابات الأذن المؤلمة، وعادة ما تكون هذه الفيروسات وراء الإصابة بالتهاب الجيوب الأنفية أيضاً. (يمكن أن تتسبب الإصابة بفيروس الإنفلونزا وفيروسات نظير الإنفلونزا البشرية بآلام الوجه الشديدة هذه أيضاً. وفي هذا السياق، على الرغم من أن معظم حالات التهاب الحلق ناتجة عن الإصابة بالفيروسات، إلا أن التهاب الحلق العقدي ليس كذلك، إذ ينتج عن الإصابة ببكتيريا المكورة العنقودية "ستريبتوكوكس").
الوقاية: على عكس الأنفلونزا التي عادة ما تكون أكثر شدة، لا يوجد لقاح لنزلات البرد. ولكن يمكن الوقاية منها بغسل اليدين مراراً وتكراراً ومساعدة الأطفال على فعل الشيء نفسه، وتعليمهم عدم لمس وجوههم والابتعاد عن أي شخص يبدو مريضاً والعطاس في مرفق ذراعهم.
وبالإضافة إلى ذلك، يجب توفير التهوية المناسبة في الأمكنة التي تضم عدداً كبيراً من الأطفال. قد لا يتطلب الأمر سوى إبقاء النوافذ والأبواب مفتوحة. وحسب المنطقة التعليمية أو المدرسة، قد يُسمح بتزويد المدرسة بجهازٍ لتنقية الهواء أو حتى صندوق "كورسي-روسينتال" الذي يمكنك صناعته بنفسك، لكن الأمر يختلف من مكانٍ آخر كما تقول تايلور.
الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية وجدري الماء
توضع هذه الأمراض شديدة العدوى في فئة واحدة لأن التطعيم ضدها يتم في نفس الوقت. يمكن أن تكون الحصبة على وجه الخصوص خطيرةً وحتى مميتة عند الأطفال، خصوصاً الذين تقل أعمارهم عن الخامسة. لكن حالات الوفاة به نادرة: فمن بين كل 1000 طفل مصاب بالحصبة، يموت طفل إلى 3 أطفال بسبب مضاعفاتها، مثل الالتهاب الرئوي.
الوقاية: على عكس نزلات البرد، هناك لقاحات لهذه الأمراض. هناك خياران: لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية، "إم إم آر" (MMR) اختصاراً، والذي يمكن إعطاؤه للأطفال بدءاً من عمر السنة، وهناك لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية وجدري الماء (الحماق النطاقي)، ويُشار إليه اختصاراً بلقاح "إم إم آر في" (MMRV). يجب أن يحصل الرضع على الجرعة الأولى بين عمر 12 و15 شهراً، والجرعة الثانية في أي وقت بين 4 إلى 6 سنوات.
جدري القرود
وفقاً للأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، من غير المرجح أن يصاب الأطفال بهذا المرض في هذه المرحلة. مع ذلك، تم تأكيد عدد قليل فقط من الحالات بين الأطفال في الولايات المتحدة.
على غرار جدري الماء ومرض اليد والقدم والفم، يسبب جدري القرود طفحاً جلدياً ببثورٍ حمراء اللون. من المعروف أن هذه البثور مؤلمة جداً وتثير الحكة، ولكنها عادةً ما تختفي في غضون 4 أسابيع.
ينتشر هذا الفيروس عن طريق التفاعلات المطولة المباشرة (دون ارتداء كمامة)، وعن طريق لمس بثور الشخص المصاب أو قشورها، واستعمال العناصر التي يستخدمها المريض، مثل البطانيات والمناشف. ينتشر مرض اليد والقدم والفم أيضاً من خلال البراز واللعاب، لذلك من المهم جداً غسل اليدين في جميع المواقف.
الوقاية: تستعد بعض المدارس لحالات تفشٍ محتملة من خلال اتباع إرشادات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، والتي تنص على أنه "يجب على المدارس القيام بإجراءات يومية من شأنها الحد من انتقال الأمراض المعدية"، مثل تعقيم الأسطح وتوفير معدات الوقاية الشخصية للموظفين الذين يعتنون بالأطفال المصابين وتشجيع الأطفال والبالغين على حد سواء على غسل أيديهم باستمرار والبقاء في المنزل عندما يشعرون بالمرض. يجب على الأطفال الذين يعانون من الطفح الجلدي بذل قصارى جهدهم لعدم حكّ أو خدش البثور (ربما تبدو مهمة مستحيلة أحياناً)، وتغطية البقع وعدم لمس عيونهم.
النوروفيروس
تؤدي هذه الفيروسات الهضمية المعدية إلى مجموعة متنوعة من المشكلات الهضمية، مثل الإسهال والقيء والغثيان وغير ذلك. (إنها ليست أعراض الإنفلونزا، وليست أعراض تسمم غذائي أيضاًَ).
الوقاية: ينتشر الفيروس من خلال الأطعمة والمياه والأسطح الملوثة، لذلك احرص على غسل يديك دائماً، خصوصاً قبل تناول الطعام. وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، يجب على الأطفال التزام المنزل عند المرض لحماية الآخرين من العدوى، ولمدة يومين أيضاً على الأقل بعد اختفاء الأعراض.
فيروس شلل الأطفال
فيروسٌ شديد العدوى ينتشر من خلال ملامسة البراز وعن طريق الجهاز التنفسي، ويشكل خطراً جسيماً على الأطفال دون سن الخامسة، إذ يمكن أن يتسبب بشلل الطفل أو حتى موته.
الوقاية: لا يوجد علاج لشلل الأطفال. لكن هناك لقاحاً فعالاً لدرجة أن المرض كاد المرض أن يختفي على كوكب الأرض منذ عقود بفضله. ومع ذلك، يمكن أن يتغير ذلك؛ فعلى الرغم من أن أكثر من 92% من الأطفال دون سن الثانية قد تم تلقيحهم ضد شلل الأطفال، إلا أن معدلات التطعيم تختلف من مكان لآخر عبر البلاد. تم الإبلاغ عن حالة واحدة في ولاية نيويورك في يوليو/تموز الماضي. يقول مورينو: «أفضل شيء يمكن للآباء القيام به هو مراجعة طبيب الأطفال للتأكد من أن طفلهم قد تلقى سلسلة اللقاحات، بما في ذلك لقاح شلل الأطفال».