القطط كائنات غريبة. قد تشتري لها أفضل الألعاب في السوق، وستستجيب بأن تقضي معظم وقتها في اللعب داخل صندوق من الورق المقوى. تظهر القطط أيضاً دفعات عشوائية من الطاقة الزائدة، والتي تجعلها تقفز على الجدران، ويحدث هذا عادة في أوقات متأخرة من الليل. عندما تلعب القطط التي تعيش في منزل واحد مع بعضها، فهي ستتصرف بطرق متناقضة للغاية؛ إذ إنها تحتضن بعضها بعضاً مثل الأصدقاء المقربين أحياناً، بينما تبدأ في العراك الشرس في أحيان أخرى.
صعوبة التمييز بين سلوكيات القطط
يعتبر كل من اللعب والتكيف الاجتماعي ضروريان لصحة القطط. ولكن أحياناً، من الصعب التمييز ما إذا كانت القطط تتشاجر أو تتقاتل بجدية. في دراسة جديدة نُشرت بتاريخ 26 يناير/ كانون الثاني 2023 في مجلة ساينتيفيك ريبورتس (Scientific Reports)، حدد الباحثون في سلوكيات القطط بعض أنواع التفاعلات التي تبين ما إذا كانت هذه الحيوانات الأليفة تداعب بعضها أو تظهر سلوكيات عدوانية أو سلوكيات ما بين المداعبة والعدوانية (والتي يمكن أن تتصعد متحولة إلى عراك حقيقي). يمكن أن يساعد إدراك الاختلافات السلوكية مربي القطط في السيطرة على العلاقات المثيرة للقلق بين القطط المنزلية، ومنع هذه الحيوانات من التسبب في الأذى لبعضها.
اقرأ أيضاً: لماذا تتدحرج قطتي على ظهرها؟ دليلك إلى لغة جسد القطط
تقول خبيرة السلوك الحيواني والمستشارة في شركة روفر (Rover) التي توفر خدمات رعاية القطط، ميكل ديلغادو (Mikel Delgado)، والتي لم تشارك في الدراسة الجديدة، إن النتائج لن تفاجئ أي خبير يعمل مع القطط. مع ذلك، تؤكّد النتائج الجديدة صحة الآراء الحالية للخبراء، والتي تتعلق بالتمييز بين السلوكيات التي يمكن اعتبارها نوعاً من اللعب وتلك التي تعتبر عراكاً، كما أنها تقدم معلومات جديدة مفيدة لأي شخص يحب القطط.
شاهدت الباحثة في جامعة الطب البيطري والصيدلة في سلوفاكيا والمؤلفة الرئيسية للدراسة الجديدة، نويما غايدوش كميتسوفا (Noema Gajdoš Kmecová)، إلى جانب زملائها 105 مقاطع فيديو منشورة على موقع يوتيوب (YouTube) أو مقدّمة بشكل مباشر من مربي القطط حول العالم، لتحليل سلوك 210 قطط. تتضمن هذه المقاطع القطط التي تعيش في المنازل وخارجها. ولكن تم اعتبار جميع هذه القطط منزلية. تقول غايدوش كميتسوفا: "تتبع القطط المنزلية أنماط حياة متنوعة وتعيش في أنواع مختلفة من البيئات". التقط مربو القطط أو المارة مقاطع الفيديو التي تحتوي على قطط الشوارع التي تعيش في المناطق المأهولة بالإضافة إلى القطط التي تعيش داخل المنازل.
اقرأ أيضاً: 8 أسباب محتملة قد تفسّر لعق القطط للإنسان
دراسة السلوكيات الظاهرة للقطط بدل لغة الجسد
وثّق هؤلاء عدة سلوكيات تشمل العراك والمطاردة والتصويتات والوضعيات الجسدية غير النشطة (مثل الجلوس والجثم والاستلقاء)، بالإضافة إلى النشاطات التفاعلية مثل تقوس الظهر وتجنّب القطط الأخرى والاستلقاء على الظهر والملاحقة وغيرها. كما قام هؤلاء أيضاً بتوثيق النشاطات غير التفاعلية التي تشمل الأغراض مثل لعق الجسم أو المشي أو الشرب. ركز الباحثون على التغيرات السلوكية الظاهرة بدلاً من لغة الجسد غير الملحوظة، مثل التحديق لفترات طويلة أو حركات الأذن والذيل المرتبطة بالعدوانية، وذلك لأن ملاحظة السلوكيات غير الظاهرة قد تكون صعبة بالنسبة لمربي القطط. كما قام الباحثون باستبعاد مقاطع الفيديو التي تمارس فيها القطط سلوكيات أقرب إلى السلوكيات الجنسية منها للعب أو العداونية، مثل امتطاء القطط الأخرى أو عض الرقاب.
بعد مشاهدة مقاطع الفيديو للمرة الأولى، قام 4 من مؤلفي الدراسة بتصنيف السلوكيات على أنها إما مرحة أو قتالية أو ما بين بين. تقول عالمة سلوك الحيوان والباحثة في جامعة كاليفورنيا في مدينة ديفيس، إيما غريغ (Emma Grigg)، والتي لم تشارك في الدراسة الجديدة، إنها أعجبت بفكرة إضافة فئة وسيطة؛ إذ إن النظر إلى التفاعلات الاجتماعية بين القطط على أنها إيجابية تماماً أو سلبية قد يبدو تبسيطياً بشكل مبالغ به. على سبيل المثال، تشير غريغ إلى أن إحدى السلوكيات المحايدة المهمة تظهر عندما يبدو التفاعل بين القطط كلعب في البداية، ولكنه يتغير عندما تتوقف إحدى القطتين عن اللعب بينما تستمر الأخرى.
أظهرت نسبة تتجاوز 50% من القطط الموثقة في مقاطع الفيديو سلوكاً مرحاً. بينما أظهرت نسبة 29% تقريباً ميولاً عدوانية تجاه القطط الأخرى. وأخيراً، أظهرت نسبة 15% من القطط المصورة سلوكيات وسيطة بين اللعب والقتال.
ارتبط العراك عموماً مع اللعب، على الرغم من احتمالية تحوله لسلوك عدواني. مع ذلك، تعتبر السلوكيات، مثل استخدام الكفوف فقط وعدم إصدار الأصوات المرتبطة بالألم، بالإضافة إلى اتخاذ الوضعيات الجديدة، علامات على أن القطط تلعب. تقول غايدوش كميتسوفا: "تعرف القطط في مقاطع الفيديو بعضها، وهي قادرة على تحمل هذا النوع من التفاعل الوثيق".
اقرأ أيضاً: الهسهسة في لغة جسد القطط: ماذا تحاول أن تخبرنا وما مشكلتها؟
بين المرح والعدوانية: سلوكيات متداخلة
من ناحية أخرى، ارتبط التصويت، مثل الهرهرة والهسهسة والزمجرة والخرخرة والمواء، بالإضافة إلى المطاردة بالعدوانية في أغلب الحالات. مع ذلك، يمكن اعتبار المطاردة سلوكاً مرحاً إذا تناوبت القطط على مطاردة بعضها.
تقول غريغ: "كان النقاش الذي أورده المؤلفون حول أهمية ملاحظة العلامات على اللعب المتبادل رائعاً"، وتضيف: "التمييز بين اللعب من طرف واحد واللعب المتبادل هو سلوك يُنبّه مربو الكلاب عليه عادة، ولكن لا يتم التركيز عليه في تربية القطط حسب خبرتي". تقول غايدوش كميتسوفا إن فريقها يسعى حالياً لدراسة السلوكيات الفرعية لفهم السلوكيات التفاعلية لدى القطط بشكل أفضل، وبطريقة تتجاوز تصنيفها كقتال ومطاردة. على سبيل المثال، تتضمن أنواع مختلفة من وضعيات العراك مجموعة متنوعة من السلوكيات التفاعلية ووضعيات الآذان والذيول.
يمكن اعتبار العديد من السلوكيات الأخرى مزيجاً بين اللعب والقتال. قضت القطط التي تنتمي للمجموعة التي أظهرت سلوكيات وسيطة فترة طويلة من الوقت في الاستلقاء على ظهورها مع رفع بطونها، وفي الانقضاض على القطط الأخرى وتنظيفها. وفقاً لمؤلفي الدراسة، تختلف طبيعة التفاعلات بين القطط من يوم لآخر. ولهذا السبب، يعتبر الكثير منها مزيجاً بين اللعب والقتال.
كما هو الحال في عائلات البشر، من المؤكّد حدوث بعض المشاجرات البسيطة بين الأفراد، والذين يتصالحون بعد ذلك من خلال العناق وممارسة النشاطات المسلية معاً. ويمثّل إظهار السلوك الأكثر عدوانية بقليل من قبل القطط تجاه القطط الأخرى التي تعيش معها مجرد نزاع قصير الأمد لا يعني أنها تكره بعضها.
اقرأ أيضاً: لماذا تعض القطط أصحابها؟ وكيف تتجنبها؟
وفقاً لغريغ، لا يمكن تحديد طبيعة العلاقة بين القطط من خلال أحداث فردية. بدلاً من ذلك، تقول غريغ: "تبين أنماط السلوك طويل الأمد على الأرجح ما إذا كانت العلاقة بين القطط صداقة حقيقية أو مساكنة بين قطط غير متوافقة". تعتقد ديلغادو أن هناك احتمالين لا ثالث لهما؛ إما أن القطط تشكّل علاقات مشوبة بالنزاعات، أو أننا نجهل الكثير عن سلوك هذه الحيوانات.
تنصح غايدوش كميتسوفا مربي القطط بتخصيص بعض الوقت لمراقبة التفاعلات بين هذه الحيوانات. بمجرد الحصول على فكرة عامة عن سلوك القطط، سيتمكن هؤلاء من تقييم الطرق التي تحدد فيها هذه السلوكيات علاقة القطط ببعضها وفهمها، وحتى علاقتها بالبشر. كما أن ذلك يمنح مربي القطط الفضوليين مبرراً لمراقبة القطط وتصويرها، من أجل العلم.