ما سر جاذبية نظرة الكلاب التي لا يستطيع البشر مقاومتها؟

6 دقائق
نظرات الكلاب
حقوق الصورة: شترستوك.

ربما يعرف معظم أصحاب الحيوانات الأليفة كيف يبدو الرضوخ لنظرات هذه الكلاب، بغض النظر عن عمرها. عندما ينظر إليك كلبك تلك النظرة الحزينة بحاجبين ملتويين، من الصعب عليك ألا تربت عليه بعطف وتقدم له الطعام الذي يحبه. ولم لا؟ لقد تم تكييفك أنت وكلبك عبر آلاف السنين من التطور لتصلا إلى هذه اللحظة، وذلك وفقاً للعديد من الأبحاث المتزايدة التي أجراها علماء الأنثروبولوجيا البيولوجية مثل آن بوروز.

تقول بوروز: «الكلاب هي أقرب رفقاء لنا. إنها ليست على صلةٍ وثيقة بنا كنوع، لكنها تعيش معنا، وتعتني بأطفالنا ومنازلنا. لذلك أعتقد أن التحقيق في جوانب مختلفة من الرابطة بين الإنسان والكلب سيساعدني على فهم التطور البشري والأصول البشرية». 

كيف تطورت قدرات الكلاب على التعبير؟

من مظهر البراءة إلى النباح المثير للإزعاج، تبحث بوروز وفريقها في جامعة دوكين في بيتسبرغ في الطرق التي تطورت من خلالها الكلاب للتعبير عن نفسها بطريقة جعلتها تكسب لقب "أفضل صديق للرجل". تتخذ مجموعة البحث نهجاً تشريحياً مفصلاً لفهم كيفية تطور الكلاب وأقاربها البرية، الذئاب، لتكون لها سمات مختلفة، مثل تعابير الوجه والأصوات. عرضت بوروز بيانات أولية من أحدث الدراسات حول عضلات الوجه لدى الكلاب في الاجتماع السنوي للجمعية الأميركية للتشريح في فيلادلفيا في 5 أبريل/ نيسان. تُعد هذه الصفات أيضاً بمثابة نوافذ صغيرة على التاريخ التطوري للكلاب والبشر.

تقول بوروز: «تاريخ الكلاب هو تاريخ البشر. يساعدنا تاريخها على فهم كيفية وصولنا إلى هنا، وما كنا نفعله من ناحية التكنولوجيا والسلوك الاجتماعي على مدى آلاف السنين». 

اقرأ أيضاً: هل تحزن الكلاب على فقدان شركائها من الكلاب الأخرى؟

نافذة على التطور البشري

وتقول بوروز إن العلاقة القديمة بين البشر ورفاقهم الكلاب يمكن أن تمنح علماء الأنثروبولوجيا نافذة على التطور البشري. لا يزال التوقيت محل خلاف، ولكن منذ نحو 15 إلى 35 ألف عام، بدأ الإنسان العاقل الأول في أجزاء من أوروبا وسيبيريا في تغيير علاقته مع مجموعات الذئاب المحلية. تشير إحدى النظريات حول كيفية بدء هذه العلاقة إلى أن عدداً قليلاً من الذئاب المغامرة بدأت في التعاون مع البشر في الصيد كي تحصل على كمية أكبر من اللحم، الأمر الذي عاد بالفائدة على كلا الطرفين. وتفيد نظرية أخرى بأن البدو كانوا يتركون بقايا من الثدييات التي كانوا يذبحونها، وكانت تتغذى عليها الذئاب، ما أدى بها إلى أن تستأنس أكثر بالإنسان (لكن هذه النظرية محل خلاف كبير بين العلماء). تقول بوروز في هذا الصدد: «يمكن أن يكون السبب مختلفاً تماماً أيضاً، لكن الفرضيات الرئيسية تشير إلى أنه مرتبط بالطعام بطريقة أو بأخرى». إن تناول تطور الكلاب في سياق هذه التفاعلات التي تعود إلى آلاف السنين يمكن أن يُظهر كيف عاش أسلاف الإنسان ونجوا في الماضي.

"تاريخ الكلاب هو تاريخ الإنسانية"

تقول بوروز: «إلى حد بعيد، تعد الكلاب أقدم الأنواع التي استأنسها البشر. بشكل عام، سيساعدنا فهم الكلاب بشكل أفضل على فهم أنفسنا بشكل أفضل ومعرفة من أين أتينا».

اقرأ أيضًا: 3 طرق تساعدك في التواصل وتحسين مزاجك مع حيوانك الأليف

الكلاب تتواصل مع البشر عن طريق وجوهها

قررت بوروز التركيز على كيفية تواصل الكلاب مع البشر من خلال وجوهها- وهي سمة فريدة وتقول إنها نادرة في الأنواع غير ذات الصلة. استوحت بوروز هذا القرار من عملها السابق في دراسة عضلات الوجه في الرئيسيات. يُظهر الشمبانزي القدرة على فهم تعابير وجه الأفراد الآخرين من نوعه، على غرار الطريقة التي يعتمد بها البشر على تعابير الوجه ليفهموا الآخرين في السياق. في عام 2019، قررت بوروز البحث عن إشارات مماثلة بين البشر والكلاب، ومقارنتها بالذئاب. 

تقول بوروز: «سواء كنا ندرك ذلك أم لا، فإن الكلاب والبشر ينظرون باستمرار في وجوه بعضهم بعضاً، في محاولة لفهم ما يشعر به الآخر وما ينوي فعله. لذا فإن تعبيرات الوجه هي ممرنا لفهم العلاقة بين الكلاب والبشر». 

لقد أظهرت الدراسات السابقة أن الكلاب يمكنها قراءة تعابير وجه الإنسان والاستجابة لها، وحتى مزامنة عواطفها مع عواطفنا. كانت مونيك أوديل، عالمة سلوك الحيوان وأستاذة مشاركة في علوم الحيوان في جامعة ولاية أوريغون في كورفاليس، قد قالت لموقع ناشيونال جيوغرافيك في عام 2021: «تراقبنا الكلاب عن كثب. يعتمد سلوك بعضها على نظراتنا ولغة أجسادنا، وأيضاً على الأصوات التي نصدرها والروائح التي تصدر عنا». وقد وجدت دراسة أخرى نُشرت في دورية «كَرنت بيولوجي» في يوليو/تموز عام 2021 أن الكلاب تتواصل بصرياً مع البشر أكثر من الذئاب، حتى عندما قام البشر بتربية صغار الذئاب منذ ولادتها تقريباً.

لماذا فضل البشر الكلاب على الذئاب؟

يمكن تفسير الاختلافات التطورية من خلال عضلات الوجه الدقيقة في كل من الذئاب والكلاب. اكتشفت بوروز، جنباً إلى جنب مع المتعاونين جوليان كامينسكي وبريدجيت والر، أن مجموعة كبيرة من سلالات الكلاب تتميز بالعضلات حول العين التي ترفع الحاجب. لم يكن لدى الذئاب التي درسوها نفس هذه السمة. يشير هذا إلى أنه عندما قام البشر بتدجين الذئاب، فإنهم اختاروا الأفراد ذوي السلوكيات والسمات الأكثر ودية وألفة، مثل سمة رفع الحاجب الجذابة أو الأسنان والخطم الأصغر. ومنذ نشر هذه النتائج، واصلت بوروز جمع البيانات عن العضلات الأخرى التي تتحكم في تعابير الوجه، والمعروفة باسم عضلات الوجه التعبيرية.

تشرح قائلة: «نحن نعرف تعابير وجه الكلاب، لكننا لا نعرف حقاً كيف تعمل عضلاتها عندما تنقبض فعلياً».

لماذا فضل البشر الكلاب على الذئاب؟
صورة لذئب رمادي متوحش (يساراً) وكلب بيرنيز ماونتن مستأنس (يميناً)، مع إبراز بعض اختلافات الوجه الشائعة بين الذئب والكلاب المستأنسة. تشير الأسهم الحمراء إلى العضلة التي ترفع الحواجب، وهي تدعم التواصل البصري بين الكلاب والبشر، ولكنها غير موجودة لدى الذئب الرمادي . آن بوروز، جامعة دوكين؛ حقوق النشر للصورة اليسرى تعود إلى منظمة المدافعون عن الحياة البرية، واشنطن العاصمة.

أهمية تعابير الوجه

وتقول بوروز إن البشر غالباً ما تكون لديهم عضلات سريعة الانقباض في وجوههم، ولكن أبطأ في الانقباض من عضلات الشمبانزي، حيث من المحتمل أن يعود ذلك جزئياً إلى أنها تسهم بتكوين أصوات الكلام. تقوم مجموعتها في الوقت الحالي بتطبيق هذه الاعتبارات والمنهجية على عضلات الكلاب والذئاب من خلال النظر في كمية الألياف العضلية السريعة والبطيئة الانقباض التي تتحكم في مدة وسرعة الانقباضات. تمنح الألياف سريعة الانقباض مظهراً أكثر عفوية، ولكنها تتعب بسرعة أيضاً (على سبيل المثال، عندما تبتسم لفترة طويلة). بينما تستغرق ألياف الانقباض البطيء وقتاً أطول للتقلص ولكنها أكثر قدرة على التحمل (على سبيل المثال، عند المشي لمسافات طويلة أو الجري). 

اقرأ أيضاً: هل الكلاب أذكياء حقاً؟

في أحدث أبحاثهم، أخذت بوروز وطلابها الخريجين عينات من عضلات الوجه في البشر والكلاب والذئاب وحددوا كمية كل نوع من الألياف. تشير بوروز إلى أن حجم عينة البيانات الأولية صغير، حيث أخذوا 6 عينات من الذئاب و10 عينات من سلالات كلاب مختلفة. من هذه البيانات الأولية، توقع الفريق أن تبدو ملامح عضلات الكلاب والبشر متشابهة، في حين أنها ستكون مختلفة لدى الذئاب. ولكنهم وجدوا أن البشر والذئاب كانوا في الواقع أكثر تشابهاً مع امتلاكهم أليافاً بطيئة الانقباض بشكل عام، بينما كان لدى الكلاب ألياف سريعة الانقباض.

تقول بوروز: «انتابنا الذهول في البداية. ولكن عندما فكرنا في وظيفة الألياف العضلية في الوجه، كان الأمر أكثر منطقية. يستخدم البشر الكلام، وهذا يعني أنه يتعين علينا إبطاء شفاهنا من أجل التعبير بوضوح عن أصوات الكلام. بينما تقوم الذئاب بالعواء، وهو بمثابة نطقٍ صوتي مطول- إنها تصنع نوعاً ما قمعاً من شفاهها لإصدار هذا الصوت. بينما يكون نباح الكلاب أقصر بكثير من النطق، لذلك لا يحتاج ذلك منها تثبيت شفاهها في وضعٍ معين لفترة طويلة». 

قادت النتائج بوروز للاشتباه في أن البشر ربما فضلوا الذئاب التي لديها أصوات متقطعة أقصر أثناء عملية تدجين الكلاب. يفترض علماء الأنثروبولوجيا أنه عندما قام البشر بتدجين الكلاب، فقد بحثوا عن حيوانات يمكنها حمايتهم أو تحذيرهم من أي تهديدات مفاجئة. قد يكون هذا النداء- أو النباح- مهماً في عملية تدجين الكلاب. تنبح الكلاب اليوم فقط من أجل الحصول على الطعام كما تقول بوروز. 

وتضيف بوروز إنه على الرغم من أن كلا الحيوانين يصدران مجموعة من الأصوات، إلا أنهما يميلان إلى التمسك بأساليبهما المحددة، فالذئاب تنبح أحياناً عندما تريد إخافة أو تحذير قطيع آخر قريب. وباستثناء سلالات معينة، مثل الهاسكي وكلاب الصيد، فإن الكلاب أقل ميلاً للعواء.

اقرأ أيضاً:التدريب المكروه له آثار سلبية ممتدة على الحالة النفسية للكلاب

تقول بوروز موضحةً: «يبدو أننا ساهمنا إلى حد ما بوجود هذا المخلوق الغريب، هذا الكلب الذي يستخدم الأصوات بشكل مختلف تماماً عن الطريقة التي تستخدمها الذئاب». 

يخطط الفريق لإكمال عام آخر من جمع البيانات قبل نشر دراسته التالية، لكن بوروز تقول إن هذه النتائج المبكرة مفيدة في الإجابة عن الأسئلة التالية للمجموعة. على الصعيد الشخصي، ترغب بوروز في التحقيق في كيفية اختلاف عضلات الوجه لسلالات الكلاب القديمة، مثل الهاسكي والمالموت وكلاب التشاو تشاو، وذلك مقارنةً بالذئاب وبسلالات الكلاب الأحدث أيضاً. قد تكون السلالات القديمة قادرة على مساعدة علماء الأنثروبولوجيا في كشف العلاقات التي حولت الذئاب إلى كلاب. 

وتقول بوروز: «إن تاريخنا التطوري حتى أصبحنا بشراً مرتبط بشكلٍ وثيق بعملية تدجين الكلاب. عندما ننظر إلى الكلاب اليوم، يمكننا أن نرى ما كان مهماً بالنسبة لمن عاش في العصر الحجري القديم الأعلى منذ أكثر من 30 ألف سنة. تفهمنا الكلاب حقاً بطريقةٍ لا يفهمنا بها أي حيوان آخر».

المحتوى محمي