ابتكار أول لقاح يحمي نحل العسل من عدوى تعفن الحضنة الأميركي

ابتكار أول لقاح يحمي نحل العسل من عدوى تعفن الحضنة الأميركي
يعمل العلماء حالياً على تطوير لقاحات لنحل العسل لمكافحة الأمراض التي يمكن أن تصيبه. حقوق الصورة: شركة دالان أنيمال هيلث.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أخيراً، أبصر أول لقاح مخصص للحشرات في العالم النور، حيث يمكن أن يساعد في مكافحة مرض بكتيري قاتل يصيب نحل العسل. في دراسة نُشرت في 17 أكتوبر/ تشرين الأول في مجلة “فرونتير إن فيتيرناري ساينس”، وجد الباحثون أن نسل ملكات نحل العسل المحصّنة كان أكثر مقاومةً لعدوى تعفن الحضنة الأميركي (AFB) مقارنة بنسل ملكات النحل غير المحصنة. بالإضافة إلى تحسين صحة خلايا النحل، قد يساعد اللقاح على تعزيز تربية النحل التجارية التي تهدف لصنع منتجات النحل مثل العسل والشمع الطبي.

لماذا تراجعت أعداد نحل العسل؟

هناك العديد من العوامل التي ساهمت في انخفاض أعداد نحل العسل، مثل ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن التغيّر المناخي واستخدام المبيدات الحشرية والجفاف وغيرها من العوامل الأخرى. وفي هذا السياق، تقول الأستاذة المشاركة في جامعة غراتس في النمسا والمؤلفة الرئيسية للدراسة، داليال فريتاك: “صحة النحل مشكلة متعددة الجوانب، وتؤدي العديد من العوامل دوراً في بقاء الخلية أو هلاكها. فكما هو الحال بالنسبة لأي كائن حي، يمكن أن تكون للمرض عواقب وخيمة، لا سيما إذا ما ترافق مع عوامل إجهاد أخرى”. يستهدف اللقاح الحالي عدوى تعفن الحضنة الأميركي، وهو مرض فتّاك تفشى مرات عديدة في خلايا النحل عبر الولايات المتحدة منذ أوائل القرن العشرين.

العامل المسبب للمرض هو أبواغ بكتيريا لا هوائية عصوية الشكل تُدعى “باينيباسيللوس لارفا” (Paenibacillus Larva). تُصاب حشرات نحل العسل الفتية بهذه البكتيريا عن طريق تناول الغذاء الملوث بأبواغها، وفي غضون يوم أو يومين، تترسخ الأبواغ وتنّمي هياكلها العصوية في أمعائها. وكالورم السرطاني، تتكاثر العصي بسرعة قبل أن تغزو الدم وأنسجة الجسم وتقتل يرقات النحل الفتية من الداخل. عندما تموت يرقات النحل، تكون الأبواغ البكتيرية الجديدة قد تشكلت بالفعل، وستصيب النحل الذي يأتي لتنظيف الخلايا حيث توجد يرقات النحل الميتة. قد ينشر النحالون المرض أيضاً دون قصد عن طريق تعريض خلايا النحل غير المصابة للعسل الملوّث أو عند التعامل معها بالأدوات الملوثة أيضاً. تقدّر فريتاك أن 50% من خلايا النحل على الأقل على مستوى العالم مصابة بمرض تعفن الحضنة الأميركي. وتقول إن النحالين قد لا يرون أي أعراض ملحوظة للمرض في البداية، لكن هذا المرض مثل “القنبلة الموقوتة”، يمكن أن يتفشى في أي وقت.

اقرأ أيضاً: هل النحل مهدد حقاً بالانقراض؟

لقاح فموي للنحل يقيها من مرض تعفن الحضنة الأميركي

تختبر الدراسة الأخيرة سلامة وفعالية لقاح تربية فموي يتلقاه النحل عن طريق الغذاء ويزيد مقاومته ضد جراثيم باينيباسيللوس لارفا، حيث تنتقل هذه المقاومة من الآباء إلى الجيل التالي من النحل. يُخلط اللقاح الفموي مع طعام الملكة الجديدة وتهضمه قبل إدخالها إلى الخلية. بمجرد هضمه، تنتقل محتويات اللقاح إلى الجسم الدهني الذي يُعد عضو التخزين للحشرة. يرتبط الفيتيلوجين (Vitellogenin)، وهو طليعة بروتينات توجد في محّ البيوض ويوفر العناصر الغذائية لنمو الأجنة، بقطع اللقاح ويقوم بتوصيلها إلى البيوض في المبايض. تقول المديرة التنفيذية لشركة التكنولوجيا الحيوية “دالان أنيمال هيلث” (Dalan Animal Health) التي ابتكرت اللقاح، آنيت كلايزر: “يحفز جزء صغير من اللقاح استجابة مناعية في المبايض حيث تشتد الحاجة إليها بالنظر إلى أن الكثير من الأمراض تحدث عندما تصاب اليرقات بالعدوى في الأيام الأولى بعد الفقس”.

اقرأ أيضاً: ما الآفات والأمراض التي تهدد خلايا النحل؟

في تفاصيل الدراسة، تم تطعيم ملكتين من نحل العسل، إحداهما بلقاح حقيقي والأخرى بعلاج وهمي قبل إدخالهما إلى الخلية ووضع البيض. بعد فقس البيض، جُلبت الخليتان إلى المختبر (لتجنب إصابة الخلايا الأخرى في البرية) وتم تعريضهما إلى عدوى تعفن الحضنة الأميركي لعدة أيام. وجد الفريق أن تطعيم الملكة يقلل من خطر الإصابة بتعفن الحضنة الأميركي بنسبة 30 إلى 50%. علاوة على ذلك، لم يؤثر اللقاح على صحة خلية النحل. لم يجد مؤلفو الدراسة أي فرق في خسائر خلايا النحل بين المجموعة التي تم تلقيحها والخلايا التي تلقت العلاج الوهمي قبل تعريضهما للأبواغ البكتيرية.

يقول أستاذ تربية النحل في جامعة ولاية أوريغون وغير المشارك في الدراسة، راميش ساغيلي: “لقد أظهرت الدراسة إثباتاً للمفهوم. لكن الدراسة أُجريت في بيئة مخبرية معزولة يمكن التحكم بها، والتحدي الذي يواجه هذا النوع من التكنولوجيا هو ضعف نجاحها عند اختبارها على أرض الواقع”. ويقترح ساغيلي في هذا الصدد إجراء دراسات ميدانية واسعة النطاق تنطوي على زيادة عدد خلايا نحل العسل من خليتين إلى آلاف الخلايا موزعة بين مجموعتي اللقاح الوهمي والحقيقي. من الأسئلة الأخرى التي أثارها ساغيلي ويأمل أن تجيب عنها الأبحاث المستقبلية معرفة فاعلية اللقاح على سلالات عدوى تعفن الحضنة الأميركي المختلفة ومدة بقاء المناعة التي يمنحها اللقاح على المدى الطويل.

ويضيف ساغيلي: “أنا مقتنع بأن نتائج هذه الدراسة واعدة، ولكن يتعين على الباحثين إجراء بعض الدراسات الميدانية واسعة النطاق في قطاع تربية النحل. وإذا كُتب لها النجاح، فقد تمهّد الطريق لتصنيع لقاحات ضد الأمراض الفيروسية الأخرى التي تصيب نحل العسل”.

ومع ذلك، من المهم إيجاد حلول لمساعدة نحل العسل على مقاومة هذا المرض، حيث تقول كلايزر في هذا الصدد موضحةً: “لقد أدى انخفاض أعداد نحل العسل إلى صعوبة إنتاج ما يكفي من الغذاء للجميع”.

اقرأ أيضاً: كيف يحافظ السلوفينيون على صحة النحل؟ درس للكوكب بأكمله

لماذا يجب حماية نحل العسل من الأمراض؟

في الواقع، يسهم نحل العسل بإنتاج نحو ثلث الغذاء في الولايات المتحدة عن طريق إسهامه بعملية التأبير (نقل حبوب الطلع لتلقيح النباتات). فبالإضافة لإنتاج العسل، يُعد نحل العسل ضرورياً جداً لإنتاج التفاح والبروكلي والبطيخ وحتى القهوة، على سبيل المثال لا الحصر. على الرغم من الخدمات الجليلة التي يقدمها نحل العسل، فإن البشرية قد قصّرت في الحفاظ على سلامته وحيويته. يقدّر النحالون نسبة خسارة مستعمرات نحل العسل بين أبريل/ نيسان عام 2020 وأبريل/ نيسان عام 2021 بنحو 45.5%، ويُعزى جزء كبير من هذه الخسارة إلى النشاط البشري. ووفقاً للأمم المتحدة، إذا استمرت أعداد نحل العسل بالانخفاض، فقد نشهد اضطرابات دائمة في سلالات التوريد وستتناقص كميات الفواكه والخضروات والمحاصيل الأخرى التي تعتمد بشكل كبير على دور النحل في التلقيح.

اقرأ أيضاً: النحل الذي له الفضل في قهوتك الصباحية قد يكون في أزمة كبيرة

هناك إجراءات أخرى يمكن أن يتخذها النحالون حالياً للتخفيف من انتشار مرض تعفن الحضنة الأميركي. على سبيل المثال، حرق العسل والأدوات والمعدات الأخرى التي يتم التعامل بها مع الخلايا بمجرد أن يلاحظ النحّال العلامات الأولى للمرض. وبالإضافة إلى ذلك، يمكنهم عزل الخلية لمنع النحل المصاب من الاقتراب من الخلايا الأخرى السليمة. ومع ذلك، فإن كلا الخيارين ليسا مثاليين لأنهما يبطئان من إنتاج العسل ويؤثران على سلسلة التوريد الغذائي. تقول كلايزر: “سيضطر النحال إلى الانتظار، وهذا يكلف النحالين المال. فالزهور لا يمكنها انتظار النحل، وإذا فاتك الموسم، فستخسر الإنتاج بالكامل”.

من الخيارات المتاحة الأخرى أمام النحالين استخدام المضادات الحيوية. يقول ساغيلي إن المضادات الحيوية فعّالة ضد تعفّن الحضنة الأميركي، وبإمكان النحالين استخدامها لإدارة هذا المرض، وبالنظر إلى توافرها، فإنها لا تمثل مشكلة كبيرة كالتحديات الأخرى التي يواجهها نحل العسل حالياً. ومع ذلك، هناك خشية دائماً من زيادة مقاومة المضادات الحيوية، وبالتالي تقليل الحماية التي يمكنها توفيرها لنحل العسل ضد البكتيريا. ويضيف ساغيلي في هذا الصدد: “أمام النحالين عدة خيارات، ولكن سيكون من المفيد أيضاً أن يكون هناك لقاح ضد مرض تعفن الحضنة الأميركي لتقليل المشكلات التي يتعين عليهم التعامل معها في النهاية”.

اقرأ أيضاً: حتى حشرات النحل تتأذى من الإفراط في استخدام المضادات الحيوية

لا يزال أمام اللقاح الآن الحصول على ترخيص مشروط من مركز البيولوجيا البيطرية التابع لوزارة الزراعة الأميركية. لكن كلايزر تشدد على أن اللقاح لن يكون مفيداً لنحل العسل وحسب، بل سيعود بالفائدة على النظام البيئي بأكمله، وتضيف: “إنها قضية بقاء لنا نحن البشر، وعلينا أن ندرك مدى أهمية هذه المخلوقات الصغيرة”.