كيف نجعل استهلاكنا للملابس والأنسجة مستداماً؟

4 دقائق
كيف نجعل استهلاكنا للملابس والأنسجة مستداماً؟
الإصلاح هو فرصة للاحتفاظ بالعناصر المفضلة لديك لفترة أطول، وإضفاء لمسة شخصية عليها. بيكسلز

أصبح للشلل التحليلي (Analysis paralysis)، والذي ينطوي على العجز عن اتخاذ القرار المناسب نتيجة وجود الكثير من الخيارات، معنىً جديداً بفضل تغير المناخ. لم يكن اتخاذ القرار "الصحيح" أكثر تعقيداً مما هو عليه اليوم. ولكن نحن هنا لمساعدتك. أهلا بك في «إمباكت»، سلسلة جديدة حول الاستدامة من موقع العلوم للعموم (بوبيولار ساينس). 

يمكن أن يكون تسوق الملابس تجربة مرهقة. قد يبدو اختيار بنطالٍ من الجينز وكأنه معركةً شاقة، فهناك قياسات غير متسقة وموديلات تتغير باستمرار. أحد القرارات الإضافية المتاحة أمام المستهلكين هو الأقمشة. تُوضع الملابس التي تذكر ملصقاتها أنها تتكون من القطن العضوي على الرفوف في المتاجر جنباً إلى جنب مع الملابس المصنوعة من الحرير الصناعي 100% أو ما يسمى الرايون، ويعد المنتجون مع كل تركيبة جديدة من الألياف المستهلك بملابس ناعمة أو متينة أو ذات قدرة امتصاص عالية للعرق.

إذا كان المستهلكون يأملون في اتباع ممارسات الشراء المستدامة، فإن العثور على ملابس مصنوعة من أقمشة عالية الجودة ومتينة وتدوم طويلاً يعد بداية جيدة كي لا تنتهي ملابسهم العصرية في مكب النفايات. لسوء الحظ، ووفقاً للخبراء، ليس من السهل تحديد ما يعتبر "جودة عالية".

تحديد الأقمشة "عالية الجودة"

يقول هوانتيان كاو، الأستاذ في قسم دراسات الأزياء والملابس بجامعة ديلاوير، إن مفهوم "الجودة العالية" يختلف من مستهلك لآخر. لا يعكس السعر بالضرورة الجودة. قد يعطي بعض المستهلكين الأولوية لمتانة الأقمشة، بينما قد يفضل بعضهم الآخر الأقمشة العضوية التي لا تدخل في إنتاجها المبيدات الحشرية أو المواد الكيميائية.

يقول كاو: «الصوف أغلى من القطن لأن إنتاجه يتطلب المزيد من الموارد وإنتاجه منخفض. أما البوليستر، فهو نوع من المواد عالية المتانة، ولكن سعره منخفض جداً. لذلك فإن التكلفة ليست بالضرورة مؤشراً لجودة القماش. عند الحديث عن الجودة والمتانة، هناك الكثير من الاعتبارات المختلفة حول ديمومة القماش».

يُعتبر عدد الخيوط أحد المؤشرات على جودة النسيج. كلما زاد عدد الخيوط في القماش زادت متانته لازدياد كثافة القماش (وبالتالي تزداد قوته). بالإضافة إلى السعر وعدد الخيوط، قد يفكر المستهلكون أيضاً في أخذ استدامة كل نوع من الأقمشة التي يفكرون في اقتنائها بعين الاعتبار.

تتطلب الألياف الطبيعية زراعة النباتات، والتي تتطلب بدورها استخدام الأراضي والمياه والأسمدة بشكلٍ نموذجي (يعتبر القطن محصولاً كثيف الاستهلاك للمبيدات بشكلٍ خاص). قد تخلّف الألياف الصناعية جزيئات بلاستيكية دقيقة (المايكروبلاستيك) وراءها في دورة الماء. ومع ذلك، فإن كاو يجادل بأن ذلك لا يجعل من النسيج الصناعي بالضرورة أقل استدامةً من الألياف الطبيعية.

يقول كاو: «من الصعب للغاية، إن لم يكن من المستحيل أساساً، القول إن مادة ما صديقة للبيئة أكثر من غيرها. هناك الكثير من الاعتبارات. لا يمكننا أن نقول إن القطن صديق للبيئة أكثر من البوليستر ببساطة. هذا غير صحيح في الواقع».

اقرأ أيضاً: كيف يمكنك أن تطيل عمر ملابسك وأن تكون صديقاً للبيئة في نفس الوقت؟

العناية بالأقمشة التي لديك وإصلاحها

بالنسبة لهذه المعضلة، كيف يمكن للمستهلكين اختيار القماش واستخدامه؟ تعتقد ميغ ستيفلي، الخياطة المنزلية ومحررة موقع بودكاست "سيمورك راديو" الذي يقدم قصصاً عن تصميم وخياطة وارتداء الملابس، أن الأقمشة التي لديك بالفعل في منزلك وخزانتك أكثر استدامة من شراء أقمشة جديدة، وليس عليك سوى معرفة كيفية العناية بها.

تقول ستيفلي: «إصلاح الملابس أحد أقوى الطرق التي يمكننا من خلالها إطالة عمر ملابسنا. إذا كان بإمكانك إصلاح ملابسك والعناية بها، فستدوم لفترة أطول ولن ينتهي بها الأمر في مكب النفايات سريعاً. ليكن إصلاح ملابسك خيارك».

توجد العديد من المواد التعليمية عبر الإنترنت لتعليم أساليب الإصلاح، بدءاً من ترقيع الجوارب وحتى خياطة الثقوب والتمزقات. يمكنك العثور على العديد من المواد التعليمية المتعمقة في إصلاح الملابس، والموجهة خصوصاً للمبتدئين، على اليوتيوب. تؤمن ستيفلي بشدة بأن الأقمشة المنسوجة هي نقطة انطلاق أفضل لمن يود تعلم إصلاح الثياب لأول مرة.

اقرأ أيضاً: ما هي أسباب رائحة العفن في الملابس وكيف نتخلص منها؟

تقول ستيفلي: «أعتقد أنه عندما يتعلق الأمر بإصلاح الأقمشة، فإن الأصعب بالنسبة لي شخصياً، وربما حتى بالنسبة للمبتدئين، هي الأقمشة المحبوكة؛ كالقمصان أو سراويل اليوغا أو الملابس الرياضية. أعتقد أن الترقيع يعمل بشكل أفضل مع الأقمشة المنسوجة».

تشمل الأقمشة المنسوجة الدنيم والتويد والفانيلا والكتان وغيرها. وهذه الأقمشة تتقبل الإصلاحات أكثر من الأقمشة المحبوكة بسبب كيفية ترتيب الخيوط بها. عادة ما تكون الأقمشة المحبوكة أكثر صلابة وأكثر عرضة لخطر "تفكك الخيوط" من "التمزق"، وغالباً ما تكون الإصلاحات مرئية أكثر. ومع ذلك، تشيع إصلاحات الثياب الظاهرة بشكل متزايد في السنوات الأخيرة كما تقول ستيفلي. فبدلاً من محاولة إخفاء الإصلاحات، يمكن أن تشمل الإصلاحات الظاهرة الترقيع أو استخدام طرق الساشيكو اليابانية للإصلاح أو طرق الرتق اللطيفة.

وتقول ستيفلي: «يمكنك القيام بذلك من خلال استخدام خيط متباين أو خيط ذو لونٍ مختلف. أو من خلال استخدام نمط نسج مختلف لإبراز الإصلاح، تقريباً مثل رقعة صغيرة على ملابسك. يعتمد الأمر على ما إذا كنت تفضل ألا يظهر الإصلاح كلياً أو كنت ترغب في جعله جزءاً من شخصية الثوب نوعاً ما».

يمكن أن يكون شراء الملابس المستعملة مستداماً، ولكن عليك معرفة ما تبحث عنه

بالنسبة لمصادر الملابس المستدامة، يمكن للمستهلكين شراء الملابس المستعملة والتعديل عليها في المنزل. ولكن ذلك ليس خياراً مثالياً دائماً، خاصةً عندما يتعلق الأمر بشراء ملابس كبيرة الحجم وتحويلها إلى ملابس أصغر، الأمر الذي من شأنه التسبب بمشكلات في إمكانية الوصول إلى هذه الملابس كما تقول ستيفلي.

ومع ذلك، فإن شراء الملابس التالفة أو القديمة ومنحها حياة جديدة هو طريقة سهلة لتجنب شراء منتجات الأقمشة الجديدة. تحقق من هاشتاغ "إعادة التدوير" (upcycling) على تيك توك: لقد حاز المصممون والهواة، مثل حساب (delikadodesigner) و (ysabelhilado)، على ملايين المشاهدات لمقاطع الفيديو التي تتحدث عن إعادة تدوير الملابس المستعملة.

تقول ستيفلي: «أعتقد أن اتجاهات الملابس في متاجر التوفير في الآونة الأخيرة تميل أكثر نحو الخياطة وإعادة التصميم؛ أي القدرة على إضفاء لمسة تشكيلية إلى الملابس التي قد تفتقر إليها. قد تحتوي الملابس المستعملة التي تُباع في متاجر التوفير أحياناً على بقعٍ أو ثقوب، ولكنك ستجد المتعة في إصلاحها حقاً».

إذا كان العملاء يبحثون عن قطع عالية الجودة ومتينة في متجر التوفير، توصي ستيفلي بالتعرف على أنواع القماش المختلفة أولاً. سيساعدك تعلم الفرق بين الليكرا والدانتيل مثلاً على اتخاذ قرار الشراء، ولكن ستيفلي تحذر من أنه يجب عليك معرفة ما هو أكثر من اسم القماش نظراً لأن الملابس المستعملة لا تحمل دائماً ملصقات المنتج التي تسرد تركيب الأقمشة المصنوعة منها.

تقول ستيفلي في هذا الصدد: «عليك معرفة كيف تبدو الأقمشة المختلفة، وكيف يبدو ملمسها، وكيف تنثني الأقمشة، وهل هي عرضة للتجعد. إذا كان الملابس تحتوي على نسبة أعلى من القطن المحبوك أو المنسوج، يمكنك في الواقع فرك القماش قليلاً بين أصابعك ومعرفة ما إذا كان يتقشر. إذا كان يتقشر عند القيام بذلك، فمن المحتمل أن يتقشر بشدة في المستقبل».

لكل من الأقمشة الطبيعية والمستدامة استخدامات وتأثيرات مختلفة، لكن كاو وستيفلي يوصيان بتقليل الاستهلاك لتحقيق أقصى قدر ممكن من الاستدامة، سواء من خلال اقتناء الملابس عالية الجودة أو إصلاح الملابس. في عام 2018، تلقت مكبات النفايات 11.3 مليون طن من نفايات النسيج. كانت شركات تصنيع الملابس قد أنتجت 17 مليون طن من المنسوجات في نفس العام، وتمت إعادة تدوير 2.5 مليون طن فقط.

يقول كاو: «علينا التفكير على المدى الطويل. لدينا حالياً قدر هائل من إنتاج الملابس المنسوجة، وذلك أكثر بكثير مما نحتاج إليه بالفعل. إذا كان بمقدورنا أخذ تقليل الاستهلاك في اعتبارنا، فقد يكون ذلك وسيلةً لجعل استهلاكنا مستداماً أكثر».

المحتوى محمي